أخبار وتقارير

شهد الشمري.. أكاديمية كويتية تؤسس منهجًا عربيًا لدراسات الإعاقة

من رحم تجربتها الدراسية كواحدة من ذوي الإعاقة الجسدية، تكرس شهد الشمري، الأكاديمية الكويتية الشابة، جهودها من أجل تدريس منهج لدراسات الإعاقة لطلابها في الجامعة، وذلك بمبادرة فردية منها.

الأكاديمية التي تم تشخيص إصابتها بمرض التصلب العصبي المتعدد، وهي في الثامنة عشرة من العمر، تسعى لتعزيز وجود هذه الفئات التي تراها مهمشة في الجامعات والمجتمعات العربية عمومًا.

وتقول الأستاذة المساعدة في الأدب الإنجليزي ودراسات المرأة، بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا، عبر «زووم» لـ«الفنار للإعلام» إن صوت ذوي الإعاقة، وحقوقهم، غائبة بين الدراسين والباحثين. وترى عضو أسرة تحرير المجلة الأكاديمية الدولية «الإعاقة والمجتمع»، أن التغيير في أي شيء يبدأ من صفوف الدراسة، ولهذا تسعى لتوظيف خبراتها، ووظيفتها كأكاديمية، في الدعوة إلى «تكريس حقوق هذه المجموعات، والكيفية المناسبة للتعامل معهم».

دراسات الإعاقة

يعود تاريخ اهتمام شهد الشمري، بهذا التخصص، إلى الفترة ما بين عامي 2011 و2014، عندما كانت تدرس الدكتوراه بجامعة كينت البريطانية. في تلك الفترة، اكتشفت وجود تخصص لدراسات الإعاقة ضمن مناهج دراسات المرأة، يهتم ببحث التمييز ضد المعاقين في التعليم والوظائف، والحد من القمع الممارس ضدهم، وكيفية العمل على رفع الوعي لدى غير المعاقين بقضايا الإعاقة.

«التغيير في أي شيء يبدأ من صفوف الدراسة، ولهذا أسعى إلى توظيف خبراتي، ووظيفتي كأكاديمية، في الدعوة إلى تكريس حقوق هذه المجموعات، والكيفية المناسبة للتعامل معهم».

شهد الشمري
أكاديمية كويتية

حينها، تساءلت «الشمري» عن سر غياب المرأة ذات الإعاقة في العالم العربي، عن وسائل الإعلام، والأدب، والمسرح، والجامعات، وعن أسباب غياب دراسات عربية لتجارب ذوي الإعاقة والصعوبات التي يواجهونها.

 وبتشجيع من ستيلا بولاكي، أستاذتها المشرفة على رسالتها للدكتوراه، تحمست الأكاديمية الكويتية أكثر لتناول القضية بشكل أعمق. كانت «بولاكي» داعمة، ومصدر إلهام لـ«الشمري» حيث قدمت لها «عالمًا جديدًا بالكامل حول دراسات الإعاقة».

وفق حديث الأكاديمية الكويتية، التي تعد أصغر امرأة بقسم اللغة الإنجليزية في جامعتها، فإن تجربتها تلك تمثل «سابقة أولى في تناول الإعاقة من منظور أكاديمي كجزء من دراسات المرأة في العالم العربي، داخل أسوار الجامعة».

يتصدى المنهج الدراسي الجديد، الذي أعدته «الشمري»، لتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى طلابها حول الإعاقة بوصفها «عقاب مأساوي يجب الخشية منه»، كما يقدم وسائل الدمج الاجتماعي للمعاقين داخل المجتمعات العربية، ويستعرض كيفية بناء الأفكار، والخطاب، والأيديولوجيات حول الإعاقة، ويبين علاقة هذا التخصص بدراسات علم الاجتماع.

ولتعزيز ثقافة الوعي بحقوق المعاقين في العالم العربي، تقترح الأكاديمية الكويتية إدخال تغييرات بمناهج المدارس، لتشمل تعريفًا للإعاقة، وحقوق المعاقين، وكيفية دمجهم داخل مجتمعاتهم.

وقد أنجزت «الشمري» عددًا من الأبحاث حول حقوق ذوي الإعاقة في المجتمعات العربية، ومنها: «تمثيل الممثلين الأصحاء لدور المعاقين في المسرح والمسلسلات الكويتي»، (آب/أغسطس 2021) مع الباحث الكويتي حسين العنزي، و«اضطرابات الحياة الأكاديمية: الإعاقة وحدودها» (تشرين الثاني/نوفمبر 2017).

اهتمام خاص بالأدب

وإلى جانب التخصص في دراسات ذوي الإعاقة، تولي الأكاديمية الكويتية، الأدب، اهتمامًا خاصًا. ولها أكثر من إصدار أدبي، تحت عناوين مثل: «خواطر على الجسد»، و«الرأس فوق المياه» الذي صدر العام الجاري، وتتناول فيه العلاقة بين هويات النساء، وأجسادهن، ورحلاتهن في الحياة، وسياسة الحب، والبقاء، والأمل.

وتقول إن دراسة الأدب أهدتها  «الأدوات اللازمة للبقاء على قيد الحياة في العالم». وتضيف: «اعتقدت أنني لن أجد معنى للحياة إلا من خلال الكلمات والأدب». وتوضح أن قصصها تنطلق دومًا «من نقطة المقاومة، والضعف المتزامن للنساء العاشقات اللاتي يعانين من الإعاقة، والرجال الذين يشعرون بالنقص في إعاقتهم، وسط مجتمع يستبعد ويهمش هذه الأصوات».

ولدى «الشمري» مفهوم للأكاديمي يتجاوز ما يرتبط بكتابة الأوراق، أو الأبحاث المنشورة بالمجلات العلمية. وهذا المفهوم يعني الالتزام بمسؤولية أخلاقية وعلمية تجاه المهمشين، وتحسين ظروف الأقل حظًا. وتقول إن طموحها، وعملها يتمثل في الاستثمار في الطلاب ذوي الإعاقة الجسدية، أو الذهنية، وتحسين ظروف حياتهم، وإتاحة فرص أكبر أمامهم للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي.

«طموحي وعملي يتمثل في الاستثمار في الطلاب ذوي الإعاقة الجسدية، أو الذهنية، وتحسين ظروف حياتهم، وإتاحة فرص أكبر أمامهم للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي».

شهد الشمري  

حازت الأكاديمية الكويتية البكالورويوس في الأدب الإنجليزي من كلية الآداب بجامعة الكويت في العام 2008، قبل أن تنال درجة الماجستر من جامعة إكستر البريطانية، في التخصص نفسه، في العام 2009. ولاحقًا، في العام 2014، حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة كينت البريطانية، بتشجيع من أسرتها.

دعم أسري

وتشير شهد الشمري إلى أنه على الرغم من خلفية والديها البدوية المحافظة، إلا أنهما دعماها في مواصلة دراساتها العليا، وشجعاها على ارتياد الجامعات الأجنبية، تاركيْن لها مساحة لحرية الاختيار. وتقول: «كان والداي من الداعمين لي دائمًا في مواجهة الصعوبات. والدي كان مؤمنًا بأن المرأة يجب أن تكون محاربة، وشجعني لاستكمال دراساتي العليا، حتى أستطيع مواجهة أية مشكلات في الحياة».

بعد نيلها درجة الدكتوراه، التحقت بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا بالكويت، كأستاذة متخصصة في دراسات الأدب والمرأة، إلى جانب عملها البحثي. وخلال مسيرتها، نالت «الشمري»، عددًا من الجوائز، مثل: جائزة خريجي التعليم البريطاني للتأثير الاجتماعي (2019)، كما نال بحثها حول «التمييز بالجامعات الكويتية»، جائزة دراسة العام الماضي، من «جمعية الاتصالات الوطنية الأمريكية».

https://www.bue.edu.eg/

«التأثير على الأجيال الأصغر مني في الجامعة يملؤني شعورًا بالفخر والإنجاز لا يضاهيه شعور» تضيف «الشمري» في مقابلتها مع «الفنار للإعلام».

قبل ثلاث سنوات، كانت سارة العبيد، المعيدة بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا، واحدة من طلاب شهد الشمري، قبل أن تزاملها لاحقًا بهيئة التدريس. وتقول «العبيد»، في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام»، إن الأكاديمية المعنية بحقوق المهمشين، كانت مصدر دعم وتشجيع لها ولغيرها من الطلاب. وتشير إلى أنها تتعامل مع طلابها بعناية وانتباه. وبنبرة واثقة، تضيف: «يمكن لأي طالب أن يجد فيها الصديق المقرب والناصح الموجه، متى أراد ذلك».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وتقول سارة العبيد إن طريقة تدريس شهد الشمري، تقوم على المناقشة، وتشجيع الطلاب على مشاركة أفكارهم وآرائهم، من خلال خلق مساحة آمنة لهم. وتوضح: «كانت تخبرنا دائمًا أننا لسنا مجرد دارسين للأدب، وإنما نقاد أيضًا، وأننا بحاجة إلى التفكير خارج الصندوق، وتحليل النصوص بشكل نقدي».

دراسات المرأة في الخليج

وفيما تشير إلى قلة عدد الباحثات في دراسات المرأة بالخليج، تقول شهد الشمري إن الأمر مرتبط، بشكل رئيسي، بـ«استمرار مظاهر التمييز القائمة في المجتمعات العربية والمؤسسات الأكاديمية، والصورة النمطية حول الباحثات المتخصصات في هذه النوعية من الدراسات».

ويعزو تقرير لمعهد «الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة»، التابع للجامعة الأميركية في بيروت، عدم تعميم دراسات النوع الاجتماعي بالمؤسسات الأكاديمية في المنطقة، إلى: «محدودية الموارد، والتركات الاستعمارية، والبيئات الاجتماعية والسياسية السلبية، وعدم المساواة المؤسسية».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى