أخبار وتقارير

سبأ حمزة.. سيرة الفرار من الحرب إلى البحث العلمي بالمهجر

داخل حافلة مزدحمة بالمسافرين، حملت الشاعرة والباحثة سبأ حمزة، حقائبها مع أطفالها الثلاثة، من العاصمة اليمنية صنعاء إلى مطار مدينة سيئون، في العام 2016، قاصدة الفرار من الحرب التي ما تزال دائرة في اليمن منذ العام 2015.

خرجت من بلادها إلى مصر، ثم إلى تركيا، قبل أن تنتقل في العام 2018، إلى هولندا كلاجئة، لتنشط في الكتابة، والبحث العلمي، بمؤسسات التعليم العالي هناك. وتقول الباحثة اليمنية، المولودة في صنعاء، في العام 1986، إنها أدركت حين خرجت مع أسرتها الصغيرة، نحو عالم مجهول، أن اليمنيين بدأوا مرحلة الشتات.

ورغم هذه التغريبة لزمن غير معلوم، كما تقول سبأ حمزة، إلا أنها تمكنت من نيل درجة الماجستير حول دراسات النوع الاجتماعي، من جامعة أوتريخت الهولندية، عبر منحة ممولة من صندوق الجامعة. وحصلت على أول جائزة شرفية من «صندوق روزانا لمنح المرأة»، وذلك في يوم المرأة العالمي للعام 2020، كما تم ترشيحها لجائزة الهجرة للأدب بهولندا، العام الماضي، عن أولى قصائدها باللغة الهولندية، والتي كانت بمثابة تجربة للكتابة باللغة التي تعلمتها في المهجر.

وعن تجربتها في تعلم اللغة الهولندية، تقول إنها درستها في أول عام بعد وصولها هولندا، واجتازت، خلال ثلاثة أشهر، امتحانات الاندماج والتي تتطلب أن يكون مستوى الدارس A2 في اللغة، ثم واصلت التقدم حتى بلغ مستواها ما بين b1، وb2، بحسب قولها.

لم تكن رحلة الباحثة اليمنية، نحو «تحقيق الذات»، في المهجر أمرًا ميسورًا، حيث تقول في مقابلة عبر «زووم»، مع «الفنار للإعلام» إنها اكتشفت خلال إقامتها بمركز هولندي للاجئين، أن القائمين على المركز لديهم تصورات بشأن اللاجئ باعتباره معدوم الخبرة، وأن عليها البداية من الصفر في الدراسة والعمل، لكونها قادمة من دولة نامية تشهد نزاعًا مسلحًا.

«أجمع بين العلم والفن والأدب، لإحداث تغيير اجتماعي، أو سياسي، أو بيئي انطلاقًا من عمق الفلسفة النسوية التي ترى أن الشخصي هو سياسي بالضرورة».

سبأ حمزة
كاتبة وباحثة يمنية في هولندا

وتضيف أن ثمة مشكلة بالأوطان البديلة تتمثل في تحميل مسؤولية الاندماج للاجئين أنفسهم، من دون الإشارة إلى دور هذه المجتمعات مع اللاجئ واستيعابه، و«التخلي عن النظرة التمييزية تجاهه». وبحسب «حمزة»، فإن مواجهة هذه الصعوبات تتطلب امتلاك قدرة على الاستيعاب والتكيف، حتى يتمكن المهاجر من تجاوز أزمته، والصبر حتى ينجح في تطوير قدراته، بالإضافة إلى البحث عن الأماكن التي يستطيع أن ينمو ويتعلم فيها.

وبعد قراءة مكثفة، وبحث متواصل عن المكان الأنسب لها في البلد الجديد، وجدت سبأ حمزة أن هذا الإعداد الدقيق أسهم في تحسين موقفها كثيرًا عندما قدمت أوراقها بجامعة أوتريخت الهولندية، حيث قررت مشرفتها الأكاديمية أن مستواها العلمي لا يتطلب خوض سنوات الدراسة التأهيلية، خلافًا لما كانت تسمعه في مركز اللجوء.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد ساعدت القراءة والكتابة، الشاعرة اليمنية في تخفيف أثر تجربة الاغتراب عن العائلة، و«مواجهة الاكتئاب الذي مرت به خلال فترة ما بعد الخروج من اليمن». وعن تجربتها الشخصية في المهجر، تقول: «الفَطِن من يتعلم كيف يصنع من وجعه نورًا يضيء له الطريق، لا نارًا تلتهم روحه».

توظيف الأدب في دراسات الجندر

وتعتقد «حمزة» أن اختيارها دراسة الجندر، في رسالتها للماجستير زاد من قدرتها، ككاتبة وتربوية بالدرجة الأولى، في فهم قضايا المرأة، والمجتمعات المهمشة، وتطوير آليات الكتابة والبحث والتدريب من منظور نسوي. وفي الوقت الراهن، تعكف الباحثة اليمنية، على كتابة ورقة بحثية حول «بناء السلام وإدماج المرأة».

كما ساهمت، مع باحثين آخرين بقسم دراسات الجندر، في جامعة رادبود نايميخن، ببحث عن المجتمع الصحي، في كتاب نشر باللغة الهولندية. وتركزت مساهمتها حول «العنف بحق ذوي الاحتياجات الخاصة». وتعمل حاليًا، مع جامعة هلسنكي بفنلندا، على بحث حول «العنف المعرفي والبنيوي». وتقول «حمزة»، الحاصلة على البكالوريوس في تخصص الأدب والتربية من كلية التربية بجامعة صنعاء، إنها توظف خبرتها الأكاديمية في العمل بطرق تربوية، وممارسات فنية بديلة، لتعزيز التغيير الاجتماعي، وبناء السلام.

«اختياري دراسة الجندر في رسالتي للماجستير، زاد من قدرتي، ككاتبة وتربوية بالدرجة الأولى، في فهم قضايا المرأة، والمجتمعات المهمشة، وتطوير آليات الكتابة والبحث والتدريب من منظور نسوي».

سبأ حمزة  

وقد شاركت الشاعرة اليمنية، مع خمسة شعراء يمنيين آخرين، في إصدار ديوان شعري، حمل عنوان: «للمسات ذكرى: نصوص لأصوات يمنية»، صدر العام الماضي باللغة الألمانية، ويستعرض من خلال النصوص الشعرية، تجارب هؤلاء الشعراء. كما أطلقت مجموعتها الشعرية «حصتنا من السماء»، أواخر العام الماضي، بمعرض الدوحة الدولي للكتاب.

أثر تجربة اللجوء  

كان لتجربة اللجوء، التي عاشتها «حمزة»، الأثر الأكبر على مسيرتها الأكاديمية والبحثية، ودافعًا رئيسيًا لها، لتكريس معظم أبحاثها حول قضايا المرأة في اليمن، وآليات تمكينها، والصعوبات التي تواجهها. وبحسب الباحثة اليمنية، التي تم تعيينها، مؤخرًا، كباحثة بالمتحف الوطني لثقافات العالم في هولندا، فإن اللجوء بالنسبة لها، «لا يحمل طابع الصدمة، رغم الصعوبات التي واجهتها» بعد انتقالها، رفقة أطفالها الثلاثة، إلى هولندا.

وعن تجربتها تلك، تقول: «عشت منفية في وطني، كامرأة وكأم، واضطررت للتنقل بين أكثر من بلد بقيود كثيرة. وبطاقة اللجوء كانت بمثابة منفذ لحياة جديدة، وتأكيد على تمتعي بحقوقي كإنسانة في حرية التنقل، وبداية لحياة أفضل وأكثر أمانًا».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وتوضح أن التجارب المتنوعة التي خاضت غمارها، كامرأة ولدت وترعرعت في اليمن، وكأم لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكمهاجرة قسرًا، شكّلت حياتها الشخصية والمهنية، ككاتبة وشاعرة وأكاديمية.

وفي ختام مقابلتها مع «الفنار للإعلام»، تقول إن البعض قد يجد صعوبة في فهم تخصصها المهني الدقيق، إن كانت تربوية، أو أديبة، أو أكاديمية. وتستطرد: «الحقيقة أنني أجد نفسي في كل هؤلاء، وأوظف كل الوسائل المتاحة لي، وأجمع بين العلم والفن والأدب، لإحداث تغيير اجتماعي، أو سياسي، أو بيئي انطلاقًا من عمق الفلسفة النسوية التي ترى أن الشخصي هو سياسي بالضرورة».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى