أخبار وتقارير

الطلاب المغاربة في جامعات أوكرانيا.. رحلة الفرار من الحرب إلى تساؤلات المصير التعليمي

مع أول رصاصة انطلقت في الغزو الروسي لأوكرانيا، في الرابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي، تحولت غايات الطلاب المغاربة في الجامعات الأوكرانية من التحصيل العلمي، إلى البحث عن مخرج للفرار من الحرب. ومع تمكن المئات منهم من العودة إلى المغرب، بات التساؤل حول مصيرهم التعليمي موضوع جدل واسع.

حين فكرت في الالتحاق بجامعات أوكرانيا، قبل عام واحد، لم تتوقع سلمى تيسكناني، الطالبة بالسنة الأولى التمهيدية بجامعة خاركوف الطبية، أن تصاب بكسر في ساقها اليسرى، جراء التدافع على الحدود الأوكرانية مع هنغاريا، بعد اضطرارها إلى المغادرة في ثالث أيام الحرب. وتقول «تيسكناني» في تصريح لـ«الفنار للإعلام»، إنها اضطرت إلى مغادرة خاركوف دون تخطيط، أو استعداد، تاركة وثائق السفر لدى إدارة الجامعة، وهو ما زاد من معاناة التنقل بالنسبة لها على الحدود.

تجارب الهرب من الحرب

ولم تكن «تيسكناني» وحدها في ذلك، حيث عاشت منال الهوسي، طالبة طب الأسنان، بـأكاديمية دنيبروبيتروفيسك الطبية الحكومية شرق أوكرانيا، تجربة مماثلة. وتقول «الهوسي» إنها قطعت، مع آخرين، أكثر من 40 كلم، مشيًا على الأقدام، في أجواء باردة، بينما كانت تتساقط الثلوج من السماء. وتشكو، في حديثها مع «الفنار للإعلام»، من تعرضهم، في الطريق من دنيبرو إلى الحدود البولندية عبر مدينة لفيف، لما تصفه بـ«السلوكيات العنصرية». وتضيف أنهم تمكنوا في نهاية المطاف، وبعد معاناة مع الجوع والبرد، من دخول بولندا.

وفيما لا يعرف الطلاب شيئًا عما ينتظر رحلتهم التعليمية، تقول «الهوسي» إن إدارة الأكاديمية أبلغتهم بتوقف الدراسة حتى منتصف آذار/مارس الجاري.

«أُصبت بكسر في ساقي اليسرى جراء التدافع على الحدود الأوكرانية مع هنغاريا، وذلك بعد اضطراري إلى مغادرة خاركوف في ثالث أيام الحرب، دون تخطيط، أو استعداد».

سلمى تيسكناني
طالبة بالسنة الأولى التمهيدية بجامعة خاركوف الطبية – أوكرانيا

في المقابل، آثر يونس زهير، الطالب بالسنة الخامسة في الجامعة الوطنية للصيدلة بمدينة خاركوف، البقاء. وعن هذا القرار، يقول «الفنار للإعلام» إنه لا يزال حائرًا في اتخاد القرار المناسب، وأنه قرر البقاء بالمدينة رغم صعوبة الوضع. ويضيف: «إذا اتخذت قرارًا بمغادرة أوكرانيا، ستذهب كل أحلام السنوات الخمس التي قضيتها بالجامعة. هذا العام، هو الأخير لي في الجامعة قبل التخرج، وقد كنت على وشك تسوية وضعية الإقامة الدائمة لي في أوكرانيا، لذلك فالمغادرة، بالنسبة لي، خسارة كبيرة».

وكلما حل المساء، يلجأ يونس زهير إلى الملاجئ، ومحطات مترو الأنفاق، «رغم اكتظاظها بالناس، وانعدام الظروف الملائمة»، خشية أعمال القصف. كما يشير إلى أنه يعاني من تبعات الحرب في أمور المعيشة  اليومية، مثل: نقص التموين، وغياب الماء الصالح للشرب. أما عن مستقبل دراسته بالجامعة، فيقول إن إدارة الجامعة أبلغت طلابها بإيقاف الدراسة لمدة شهرين كعطلة طارئة.

هموم عائلية عن دراسة الأبناء

وتشكو عائلات مغربية من غموض المستقبل الدراسي لأبنائها. وقد خصصت هذه العائلات مجموعات للتواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي لمتابعة مستجدات هذه القضية المؤرقة لهم. وتقول السيدة آسية، وهي أم لطالب مغربي بإحدى جامعات أوكرانيا إن العائلات المتضررة تناقش، باستمرار، كيفية مساعدة الطلاب العائدين بسبب الحرب، لتعويض التوقف الاضطراري عن الدراسة بجامعاتهم. وتضيف لـ«الفنار للإعلام» أن هذه العائلات تسعى إلى تنظيم أنفسهم، في إطار قانوني، للتواصل مع الحكومة المغربية، لحل مشكلة المستقبل الدراسي للطلاب المتضررين.

وفي هذا السياق، يقدر طارق ماكمان، نائب رئيس الجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد السوفييتية-سابقًا، عدد الطلاب المغاربة في الجامعات الأوكرانية بحوالي اثني عشر ألف طالب. ويقول إن الأولوية الآن تتمثل في مساعدة الطلاب على مغادرة أوكرانيا، ثم الحديث عن كيفية تأمين مستقبلهم الدراسي بالتنسيق مع الوزارات المختصة.

طمأنة رسمية

وفيما طمأن عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المغربي، الطلبة العائدين حول مستقبلهم الدراسي، بأن بلادهم «ستساعدهم على إكمال دراستهم»، أطلقت الوزارة منصة رقمية لجرد قائمة هؤلاء الطلاب، بهدف رصد تخصصاتهم ومستوياتهم الجامعية.

ووفق محمد الطاهري مدير التعليم العالي والتنمية التربوية بالوزارة، فقد سجل أكثر من 3900 طالب، بياناتهم بالمنصة، غالبيتهم من تخصصات العلوم الطبية، وعدد قليل من دارسي الهندسة المعمارية. وأوضح المسؤول المغربي في تصريح لـ«الفنار للإعلام» أن خلية أزمة بالوزارة تعمل حاليًا على تقديم حلول للموقف الراهن لهؤلاء الطلاب. وأضاف: «هذه أزمة استثنائية لم نعهدها من قبل، وتحتاج إلى حلول استثنائية ناجعة».

«خلية أزمة بالوزارة تعمل حاليًا على تقديم حلول للموقف الراهن لهؤلاء الطلاب. هذه أزمة استثنائية لم نعهدها من قبل، وتحتاج إلى حلول استثنائية ناجعة».

محمد الطاهري
مدير التعليم العالي والتنمية التربوية بوزارة التعليم العالي المغربية

وحول تفاصيل إدماج الطلاب العائدين من أوكرانيا في التعليم العالي المغربي، أجاب محمد الطاهري أنه سيتم دراسة ملفات كل طالب على حدة «لأنهم من تخصصات، ومستويات جامعية مختلفة». وتابع أن الوزارة تعالج معطيات الطلاب التي تصلها عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لهم، من خلال خبراء متخصصين، مع الأخذ بعين الاعتبار، مكتسبات الطلاب التعليمية، ما يؤهلهم لخوض اختبارات تقويمية، ودراسة مستوياتهم وقدراتهم اللغوية، لتمكينهم من استكمال دراستهم دون مشكلات.

التنسيق مع الجامعات الأوكرانية

كما أوضح المسؤول التربوي المغربي أنه سيتم التواصل من جانب الوزارة مع الجامعات الأوكرانية، بخصوص المصير التعليمي للطلاب. وفيما وصف محمد الطاهري إحصائيات الطلاب المغاربة في أوكرانيا بغير الدقيقة، قال إن الوزارة تعمل على حصرهم في الوقت الراهن من أجل توفير الأرقام الصحيحة.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويقول مدير التعليم العالي والتنمية التربوية بوزارة التعليم العالي في المغرب، إن شهادات التخرج للطلاب الدراسين بالخارج، تحتاج إلى معادلة من الوزارة المغربية، وخاصة ما يتعلق بممارسة مهنة الطب، لأنها تحتاج إلى رخصة من هيئة الأطباء.

وبدوره، وعلى الرغم من ترحيبه بقرار الوزارة بدمج الطلاب العائدين من أوكرانيا، يقول محمد فقيري، رئيس الجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد السوفييتية-سابقًا، لـ«الفنار للإعلام» إنها «عملية جد معقدة وصعبة، لأن هناك اختلاف كبير في المنهج الدراسي، وفي الآليات، بين الجامعات الأوكرانية والمغربية».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى