مقالات رأي

من الإسطرلاب إلى «مسبار الأمل».. فصل من قصة العرب وعلوم الفلك عبر التاريخ

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

في شباط/ فبراير 2021، أصبحت الإمارات أول دولة عربية تنجح في إطلاق مسبار فضائي بين الكواكب يصل إلى المريخ. غمرت السعادة علماء الدولة الخليجية، وشركاؤهم في جامعة كولورادو الأمريكية، بعدما راقبوا استمرار نجاح المهمة حتى اليوم.

وتحتفل الإمارات، هذه الأيام، بمرور عام على وصول «مسبار الأمل» مداره حول المريخ. ومنذ دخوله المدار، بدأ المسبار مهمته في جمع البيانات في مستودع مفتوح الوصول يمكن لأي شخص التسجيل واستخدامه.

وصممت بعثة المسبار، برنامجًا بحثيًا يمكن للطلاب الجامعيين الإماراتيين، في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، التقدم للانضمام إليه. ومن المتوقع أن يوجّه علماء إماراتيون وأجانب، الطلاب المقبولين لمساعدتهم في تصميم وتنفيذ مشاريع بحثية متعلقة بالمريخ.

ومن المتوقع أن يدور القمر الصناعي حول الكوكب الأحمر، لمدة تزيد عن عامين، لاستكشاف الطقس على كوكب المريخ المثير للاهتمام. وقد تساعدنا البيانات في اكتشاف المزيد حول أسباب فقدان المريخ غلافه الجوي في الماضي. ومن شأن ذلك أن يسلط الضوء على حقيقة ما إذا كانت هناك حياة على سطح المريخ، فيما مضى، وهي واحدة من أكثر القضايا نقاشًا في مجال علوم الفضاء.

لماذا وضعت الإمارات العربية المتحدة المريخ نُصب عينيها؟

كانت الرغبة في إلهام الشباب الإماراتي لأخذ مجال الفيزياء الفلكية، وغيرها من المجالات العلمية في الاعتبار عند التفكير في الوظائف، هي الحافز وراء إطلاق «مسبار الأمل».

وتُبدي سارة الأميري، الإماراتية البالغة من العمر 34 عامًا، والتي ترأس العمليات العلمية لمسبار الأمل، حماسًا وشغفًا شديدًا بعلوم الكواكب. كوزيرة دولة للتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، ورئيسة مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء، تعتبر «الأميري» قدوة للشباب الإماراتي. (اقرأ المقال ذي الصلة، «مسبار الأمل الإماراتي يزيد من اهتمام الطلاب بدراسة علوم الفضاء»).

لكن «الأميري» نفسها، الحاصلة على شهادة في علوم الكمبيوتر، مستفيدة حديثة من إرث ما يسمى بـ «العصر الذهبي للعلوم الإسلامية»، والذي ازدهر ما بين القرن التاسع، والقرن الرابع عشر للميلاد.

«كانت الرغبة في إلهام الشباب الإماراتي لأخذ مجال الفيزياء الفلكية، وغيرها من المجالات العلمية في الاعتبار عند التفكير في الوظائف، هي الحافز وراء إطلاق مسبار الأمل».

«الإسطرلاب» يقود الطريق

يمكن إرجاع أجهزة الكمبيوتر، والملاحة الحديثة على الأرض – وعبر نظامنا الشمسي – إلى الإسطرلاب الذي اخترعه اليونانيون القدماء في القرن الثالث قبل الميلاد. ومع ذلك، لم تُدرَك إمكانيات الإسطرلاب، وتُتقن إلا في القرن الثامن الميلادي، بالعالم العربي، على يد محمد بن إبراهيم الفزاري، وعالم الفلك البتاني، اللذين أدركا الإمكانيات الرياضية اللا متناهية للإسطرلاب.

وكانت مريم العجلية، اللامعة الذكاء في الرياضيات وابنة أحد المهندسين، من أشهر صانعي الإسطرلاب، حيث أتقنت تصميمات جديدة، وحسابات متطورة لصنع إسطرلاب جميل ومبتكر في حلب في القرن العاشر الميلادي. وقد حسنت تصميماتها الجوانب الملاحية وضبط الوقت في الإسطرلاب.

ويوصف الإسطرلاب بأنه الكمبيوتر الأول. وبفضله أصبح في إمكان البحارة التنقل بشكل دقيق، كما أصبح بإمكان علماء الفلك، التعرف بسهولة على النجوم والكواكب. بتركيبه المؤلف من أقراص من المعدن، أو الخشب، عليها علامات محيطية ومؤشر، لا يختلف الإسطرلاب كثيرًا عن الساعة الشمسية. وقد كان بمثابة بوصلة للنجوم وساعة يمكنها أيضًا حساب المسائل الرياضية المعقدة.

ومن الممكن أن يكون الإسطرلاب مصنوعًا في حجم صغير، وببساطة وإتقان، أو يمثل إبداعات مزخرفة للغاية مصنوعة من المعادن الثمينة. وطوال أكثر من ألف عام، كان الإسطرلاب قادرًا على تحديد مدى نجاح أي رحلة بحرية أو برية. وقد حظي الإسطرلاب بتقدير المسلمين لأن في الإمكان استخدامه لتحديد أوقات الصلاة، وتحديد اتجاه القبلة، نحو الكعبة في مكة، بشكل صحيح. وشملت الاستخدامات الأخرى حساب ارتفاعات المباني والجبال، ورسم الخرائط، والتحديد الدقيق لحدود الأرض في قضايا الإرث، والأغراض الزراعية.

المستكشفون الأوروبيون والإسطرلاب

في القرن الحادي عشر للميلاد، أدخل البحارة العرب الإسطرلاب إلى أوروبا، بدءًا من شبه جزيرة أيبيريا. في ذلك الوقت، استولى البحارة الإسبان، والبرتغاليون على الإسطرلاب، وشرعوا في رحلات ملاحية استكشافية حول القارة الإفريقية وعبر المحيط الأطلسي. كما اعتمد جميع علماء الفلك الأوروبيين المهمين أيضًا على الحسابات التي أتاحها الإسطرلاب حيث قاموا بإنشاء خرائط للكون أكثر تفصيلًا.

وفي القرن السادس عشر، أسس نيكولاس كوبرنيكوس، نظريّاته الفلكية على حسابات علماء الفلك المسلمين في العصور الوسطى، وقاده ذلك لوضع نظريته القائلة بأن الشمس مركز الكون، باستخدام حساباته المعتمدة على الإسطرلاب. في وقتٍ لاحق، قُدّم العالم الإيطالي جاليليو للمحاكمة من قبل الكنيسة الكاثوليكية، لدعمه النظرية نفسها، وقضى آخر أيام حياته في الإقامة الجبرية، لكنه واصل استخدام التلسكوب والإسطرلاب الخاص به، والمعروض الآن في معرض أوفيزي في فلورنسا بإيطاليا.

«بفضل نماذج الإسطرلاب الجميلة المبكرة، والمعروضة في العديد من المتاحف حول العالم، كان من الممكن القيام بالرحلات البحرية، وتفعيل التجارة الدولية، وتحقيق تقدم فلكي غيّر التاريخ».

التقدم في الجبر

وفي الوقت الذي انتشر فيه استخدام الإسطرلاب، ازدهرت أول دراسة منهجية للجبر، إذ تم تطوير علم الجبر من قبل علماء الرياضيات المسلمين، وكثيرٌ منهم من بغداد، التي ذاع صيتها كمدينة للعلوم. ففي العهد العباسي (750-1258) شجّع بيت الحكمة نشر المعرفة.

وغالبًا ما يُعتبر العالم الفارسي أبو جعفر الخوارزمي، من القرن التاسع للميلاد، مؤسس علم الجبر. وقد كتب كتابًا عن المعادلات الجبرية. كما يعود للخوارزمي الفضل في نشر استخدام الأرقام الهندية – العربية، والتي حلت محل الأرقام الرومانية غير العملية.

في نهاية المطاف، أُعتمد النظام العشري للخوارزمي، على نطاق واسع في أوروبا، في القرن الخامس عشر، بعد ستمائة عام من شيوع استخدامه في العالم الإسلامي. كما شهد العصر الذهبي للعلوم الإسلامي،ة تقدمًا في علم المثلثات والهندسة، وساهم بشكل مباشر في تطوير تقنية GPS الحديثة، أو نظام الملاحة العالمي لتحديد المواقع، التي جعلت من الممكن تحقيق تقدم ملحوظ في استكشاف الفضاء.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

بفضل نماذج الإسطرلاب الجميلة المبكرة، والمعروضة في العديد من متاحف العالم، كان من الممكن القيام بالرحلات البحرية، وتفعيل التجارة الدولية، وتحقيق تقدم فلكي غيّر التاريخ. والآن، توجه هذه التقنيات المركبات الفضائية في طريقها إلى الكواكب الأخرى. ببساطة، يعدّ نجاح مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ أحد أحدث الأمثلة على ذلك.

تيرا شوبارت هي صحفية ومدربة إعلامية مقيمة في لندن

مقالات ذات صلة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى