أخبار وتقارير

امتحانات الدور الثالث بالعراق.. ارتباك بالمدارس وقرار رسمي بالإلغاء

بعد سنوات من اعتماد نظام امتحانات الفرصة الثالثة، والمعروف باسم الدور الثالث، كإجراء طارئ، لخدمة الطلاب الذين يعانون من آثار النزاعات والحروب، قررت وزارة التربية في العراق، وقف العمل بهذا النظام، خلال العام الدراسي الحالي، في خطوة تثير ردود فعل متباينة.

استحدثت هذه الممارسة في الأصل لمساعدة التلاميذ والطلاب المتأثرين بأوضاع عدم الاستقرار وغياب الأمن، وسط انتقادات بشأن أثرها في تراجع المستوى التعليمي. وهذه ليست المرة الأولى التي تقرر فيها الوزارة إلغاء الدور الثالث، قبل أن تغيّر موقفها، في مناسباتٍ سابقة.

وعلى مدار العقد الماضي، سُمح لطلاب الصف الثالث المتوسط، والسادس الإعدادي، عدة مرات، بإجراء اختبار الدور الثالث. وفي عام 2020، أعلنت وزارة التربية إنهاء هذه الممارسة، وقوبلت الخطوة بمناشدات من الطلاب بإعادة النظر في القرار.

ويرحب الطالب في الصف السادس الأدبي، أحمد العزاوي، بمنحه فرصة إعادة تقديم امتحان الرياضيات بعد حصوله على 40 من 100 في محاولته الثانية. ويقول: «نجحتُ في جميع الاختبارات النهائية ما عدا الرياضيات. هل يتوجب عليّ أن أعيد هذا العام بسبب 10 درجات فقط؟» وكان من شأن ذلك أن يؤخر آماله في إنهاء المدرسة الثانوية والالتحاق بالجامعة.

في حديثٍ له مع «الفنار»، يشرح ما جرى قائلًا: «لأسباب عائلية، اضطررنا للانتقال إلى ديالى، شمال شرقي بغداد، وقد درست بمفردي وفق نظام الانتساب إلى إحدى المدارس. وكل هذا أثّر على تعليمي».

في 19 كانون الثاني/ يناير، تجددت آمال «العزاوي» مع قرار الوزارة بالسماح لـ«الطلبة المنتظمين في الصف السادس الإعدادي بفروعه كافة، وللدراستين الصباحية والمسائية، الراسبين منهم بدرسٍ أو درسين، لسنتين أو السنة الأخيرة، بأداء الامتحان وفقا لنظام المحاولات». وأعلنت الوزارة، مع ذلك، أن العمل بنظام الدور الثالث سيتوقف اعتبارًا من العام الدراسي الحالي، والأعوام المقبلة في جميع المراحل الدراسية.

تدبير طوارئ أسيء استخدامه

كان نظام اختبار الدور الثالث بمثابة إجراءٍ اتخذته الحكومة، لمساعدة التلاميذ والطلاب العراقيين المتضررين من النزوح، أو عدم الاستقرار جراء النزاعات الأهلية التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003.

«الممارسة كانت إجراءًا طارئًا لمساعدة الطلاب الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة، أو أداء الامتحانات، لمواصلة تعليمهم. ولسوء الحظ، وعلى الرغم من أن حالة الطوارئ أوشكت على الانتهاء، إلا أن الإجراء لا يزال ساريًا».

خليل حلاوجي
مدىر إحدى المدارس الثانوية للبنين بالموصل

ويقول خليل حلاوجي، مدير إحدى المدارس الثانوية للبنين، بمجموعة مدارس الأوائل الخاصة في الموصل، لـ«الفنار» إن الممارسة كانت إجراءًا طارئًا لمساعدة الطلاب الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة، أو أداء الامتحانات، لمواصلة تعليمهم. ويضيف أنه لسوء الحظ، وعلى الرغم من أن حالة الطوارئ أوشكت على الانتهاء، إلا أن الإجراء لا يزال ساريًا.

https://www.bue.edu.eg/

في المقابل، يقول الطالب «العزاوي» أن «سوء جودة التعليم، والفساد المؤسسي، يمثلان، في حد ذاتهما، حالة طوارئ». ويتابع: «لم أكن لأؤيد مثل هذا النظام للامتحانات لو كنتُ أعيش في بلد يتمتع بتعليم أفضل وأكثر تكاملًا. هذا الإجراء طبيعي للتعويض عن مثل هذه الإخفاقات وضعف الأداء».

قرار حاسم

وأعاد محمد حسن، الطالب في السنة الثانية بكلية الطب في الجامعة العراقية ببغداد، امتحان علم الأحياء مرتين في امتحانات التخرج من الثانوية، قبل عامين، ليحرز علامات أعلى. وعن تجربته، يقول لـ«الفنار» إنه كان يعلم أن المنافسة على الجامعات ستكون شرسة، لذلك توقع الحصول على 88 فقط من أصل 100 في امتحان الفرصة الأولى.

واجه «حسن» معضلة تأجيل الامتحان للمرة الثانية في علم الأحياء، مع خطر الفشل، أو دفع رسوم عالية للالتحاق بنظام التعليم الموازي في إحدى الجامعات الحكومية. ويوضح: «كنتُ بحاجة للحصول على درجة لا تقل عن 97 للانضمام إلى كلية الطب. كان قرارًا حاسمًا من شأنه أن يغير حياتي. لم أتمكن من حفظ المنهج الدراسي عن ظهر قلب. تُقيّم الامتحانات هنا قدراتنا في الحفظ بدلاً من الفهم».

بعد أوقاتٍ عصيبة، شكك فيها في قراره عدة مرات وتعرض لانتقادات آخرين، حصل في النهاية على درجة 99 في مادة الأحياء والتحق بكلية الطب. ويقول: «لولا ذلك القرار (امتحانات الدور الثالث)، لما كنتُ هنا الآن. لم أكن طالبًا مهملًا في حياتي، لكن مناهجنا، حتى في كليات الطب، ليست مفيدة. إنهم يقومون بتلقين الطلاب وإعدادهم لحفظ المواد الدراسية مثل الببغاوات. حتى الامتحانات الوزارية لإنهاء الدراسة الثانوية لا يمكنها تقييم التحصيل العلمي للطلاب».

مخاوف من تراجع جودة التعليم

من جهة أخرى، يشكك بعض المعلمين والطلاب في قيمة المنافسة في ظل مثل هذه الفرص الإضافية. ويعتقد «حلاوجي» أن قصة «حسن» ليست القاعدة. ويضيف: «عادة ما يبذل الطلاب الذين يحصلون على علامات كاملة للالتحاق بكليات الطب جهودًا جبّارة، ويأخذون دروسًا صيفية لتحقيق ذلك. هذه ليست القاعدة. معظم الذين يؤيدون الدور الثالث من الطلاب المهملين».

«من الخبرة المتراكمة، نعلم أن هناك تدابير محددة لتقييم التدريس والتعلم بناءًا على المحاولة الأصلية الأولى، والمحاولة البديلة. كمية المعرفة لدى أولئك الذين فشلوا في المحاولتين أقل بكثير مما هو مطلوب للنجاح».

أمير الأعسم
محاضر عراقي بجامعة جنوب الأورال الحكومية الروسية

من جانبه، يعتقد أمير الأعسم، المحاضر في كلية الهندسة الإلكترونية وعلوم الكمبيوتر بجامعة جنوب الأورال الحكومية الروسية، أن المحاولة الثالثة غير صحيحة أكاديميًا، ولا تقيس بدقة معرفة الطالب. ويقول لـ«الفنار»: «من الخبرة المتراكمة، نعلم أن هناك تدابير محددة لتقييم التدريس والتعلم بناءًا على المحاولة الأصلية الأولى، والمحاولة البديلة. كمية المعرفة لدى أولئك الذين فشلوا في المحاولتين أقل بكثير مما هو مطلوب للنجاح».

ويصف «الأعسم»، الذي عمل محاضرًا في إحدى الجامعات العراقية قبل سفره للخارج، امتحانات الدور الثالث بـ«الرشوة السياسية للشعب».

ارتباك إداري

ويقول علي العطار، مدرس الفلسفة في مدرسة ثانوية بالكوفة، جنوب بغداد، إنه استقبل طلابًا جددًا اجتازوا امتحان الدور الثالث قبيل امتحانات منتصف الفصل الدراسي في مرحلتهم الدراسية الجديدة. ويروي لـ«الفنار»: «طلبت مني المدرسة إجراء اختبارين لهم، وتقدير مستوى مشاركتهم اليومية اعتباطيا. هذه مهزلة».

وفي مدرسة «حلاوجي» أيضا أنضم طالب إلى صفه الجديد قبل أسبوع من امتحانات منتصف الفصل الدراسي. وعن ذلك يقول: «فاته شهرين من دراسته. نحن في حيرة من أمرنا: كيف يمكننا السماح له بأداء امتحانات منتصف العام. سألنا الوزارة ولم نحصل على إجابة حتى الآن».

لذا، يطالب «حلاوجي»، مدير إحدى المدارس الثانوية بالموصل، باعتماد نظام جديد للامتحانات ولوائح القبول الجامعية. ويضيف: «في بعض الأحيان، تكون الامتحانات الوزارية سهلة للغاية. في العام الماضي، على سبيل المثال، تم قبول 700 طالب في كليات الطب في الموصل بينما لا تستطيع الجامعة استيعاب هذا العدد».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويرحب «حلاوجي» بالقرار الأخير بإنهاء امتحانات الدور الثالث، قائلًا: «أدعو أيضًا إلى إلغاء إضافة عشر درجات إلى الدرجة الكلية لمساعدة الطلاب الراسبين على النجاح، والعودة إلى خمس درجات فقط للطلاب الذين يحتاجون لاجتياز مادتين فقط». كما يطالب بخصم خمس علامات من الطلاب الذين يخوضون امتحان الدور الثاني كما كان في السابق». وبنبرة شاكية، يختتم حديثه بالقول: «من أجل عراق أفضل، لا نحتاج إلى الجيوش، بل إلى ثورة في التعليم».

مقالات ذات صلة:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى