أخبار وتقارير

جدل حول التعليم الطبي والأجور بالجزائر بعد استقطاب فرنسا 1200 طبيب

من بين ألفي طبيب أرادت وزارة الصحة الفرنسية استقطابهم من الخارج، نجح 1200 طبيب جزائري، في «اختبار التحقق من المعرفة»، في خطوة أولى لممارسة العمل بالضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، ما أثار موجة من الجدل بالقطاع التعليمي والجامعي، وعلى أكثر من مستوى.

ونشر الاتحاد الوطني للدكاترة والباحثين الجزائريين، قائمة للأطباء الذين تم قبولهم للعمل بالهياكل الصحية الفرنسية، موضحًا أن أكثر الذين تم قبولهم «من ذوي الخبرة الكبيرة». ووصف محمد الفال، عضو الاتحاد، في تصريح لـ«الفنار»، الأمر بأنه «استنزاف للطلبة الجزائريين الذين بات كل حلمهم الخروج من البلد بسبب الظروف، وغياب التجهيزات اللائقة التي تمكنهم من تقديم شيء لأبناء بلدهم».

وأضاف أن الحكومة الجزائرية تنفق على كليات الطب، والمعاهد العليا للصحة، من أجل تكوين كوادر «يستفيد منها قطاع الصحة الفرنسي»، مشيرًا إلى أن الطبيب العام يدرس ست سنوات، وثلاث أخرى في التخصص.

وبحسب العربي بن حارة، عضو عمادة الأطباء الجزائريين، يتخرج من كليات الطب بجامعات الجزائر، سنويًا، أكثر من ثلاثة آلاف طبيب متخصص في مختلف الأمراض، بعد خوضهم مسابقة قبول التخصص التي تلي اجتياز السنوات الست في دراسة الطب العام.

ويوضح «بن حارة» أنه بعد دراسة وخدمة فعلية بمختلف المؤسسات الاستشفائية في البلاد لثلاث سنوات، يلزم القانون خريجي الطب بخدمة مدنية مدتها ثلاث سنوات، بمستشفيات الشمال، وسنتين بمستشفيات المحافظات الجنوبية، وهو ما يعتبره الأطباء الجددد «تعقيدًا» في مشوارهم الدراسي والمهني.

خريجو كليات الطب والهجرة

من جانبه، يقول سمير ناصري، من المكتب الوطني للاتحاد العام الطلابي الحر بالجامعات الجزائرية، لـ«الفنار» إن حوالي 80% من طلاب الطب يحلمون بالهجرة، وأغلب هؤلاء يحققون مرادهم بعد انتهاء فترة التخصص، لأن المستشفيات الأوروبية ليس لديها الوقت لإعادة التكوين، فهي تعتمد على الكوادر الطبية الجاهزة، بحسب تعبيره.

«إذا كانت وزارة الصحة الفرنسية قد أعلنت عن قبول 1200 طبيب جزائري للعمل بمستشفياتها، فإن الجميع قد ينهار لو تم الكشف عن العدد الإجمالي للمشاركين في المسابقة من الجزائر».

سمير ناصري
المكتب الوطني للاتحاد العام الطلابي الحر بالجامعات الجزائرية

ويضيف «ناصري»: «إذا كانت وزارة الصحة الفرنسية قد أعلنت عن قبول 1200 طبيب جزائري للعمل بمستشفياتها، فإن الجميع قد ينهار لو تم الكشف عن العدد الإجمالي للمشاركين في المسابقة من الجزائر».

ويقول الطبيب الجزائري لهلالي موفق، إن الطالب «يبدأ في بناء خريطة هروبه من الوطن منذ سنوات دراسته الأولى بالجامعة، بسبب طريقة التعامل، والإغراءات التي تصله من الخارج من خلال هيئات حكومية، أو خاصة، أو من خلال ما يرويه الزملاء العاملون هناك، لذلك فإن أغلب طلبة الطب يفكرون في الهجرة».

ويضيف أن اختيار خريجي الطب، الانتقال إلى الدول الأوروبية والخليجية، سنويًا، بمثابة «الهروب من الواقع المر الذي يعيشه قطاع الصحة في الجزائر، وفي ظل القوانين التي تجعل الطبيب آخر اهتمامات الدولة».

رواتب متدنية     

ويعزو طالب الطب، عبد القادر سرحان، ظاهرة هجرة الأطباء، إلى مستوى الرواتب المتدنية، مقارنة بدول الجوار، إلى جانب غياب المؤسسات الاستشفائية اللائقة، وعدم صياغة قوانين للصحة تحفز الأطباء للعمل، وفق تعبيره. وإلى جانب تلك الأسباب، يقول لهلالي موفق إن الأطباء كثيرًا ما يواجهون «إدارات لمؤسسات استشفائية منفرة للكفاءات».

من جهته، يستنكر الطبيب مراد جنان، بولاية قسنطينة، إعلان الحكومة إنفاق مليارات الدولارات على القطاع الصحي، خلال الأعوام الأخيرة، «دون أن تتمكن الدولة من إنجاز مستشفى بالمواصفات العالمية».

ليست فرنسا وحدها

وتشير آخر الإحصائيات التي تحوزها عمادة الأطباء في الجزائر، إلى وجود أكثر من  28 ألف طبيب جزائري مهاجر، منهم 15 ألفًا في فرنسا، في حين يتوزع الباقون في دول عدة، منها: الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وألمانيا، ودول الخليج العربي. ويقول «بن حارة» إن 80% من الأطباء الجزائريين المهاجرين يعملون في فرنسا، لتقارب دراسة الطب بين الجامعات الفرنسية والجزائرية، فضلًا عن عدم وجود مشكلة في اللغة، نظرًا لدراسة الطب بالفرنسية في جامعات الجزائر.

«المستشفيات الأوروبية تستقطب أطباء الجزائر بما توفره من امتيازات، ومنح إضافية، نظير الخدمة والبحث. والحكومة الفرنسية أسقطت شرط معادلة الشهادة للأطباء الجزائريين في السنوات الأربع الأخيرة، بغية تسهيل انتقالهم إلى فرنسا».

العربي بن حارة
عضو عمادة الأطباء الجزائريين

ويقول عضو عمادة الأطباء الجزائريين إن المستشفيات الأوروبية تستقطب أطباء الجزائر بما توفره من امتيازات، ومنح إضافية، نظير الخدمة والبحث، مشيرًا إلى إسقاط الحكومة الفرنسية شرط معادلة الشهادة للأطباء الجزائريين في السنوات الأربع الأخيرة، بغية تسهيل انتقالهم إلى القطاع الصحي في فرنسا.

ولا يقتصر الأمر على فرنسا وحدها، إذ يقول عبد النور سريح، من نقابة الأطباء الجزائريين، إن أكثر من 1400 طبيب جزائري، دخلوا ألمانيا للعمل خلال السنوات الخمس الأخيرة. ويضيف في تصريح لـ«الفنار» أن العدد مرشح للارتفاع، مشيرًا إلى تكفل الحكومة الألمانية بتعليم الأطباء الجزائريين الوافدين إليها، اللغة الألمانية، وبتغطية شاملة، للتغلب على عائق اللغة.

كما تتنافس الدول الخليجية – والكلام لعبد النور سريح – على استقطاب الخبرات الجزائرية في الطب، عبر مسابقات كبرى، وبمرتبات مغرية، مع توفير إمكانيات حديثة ومتطورة، وفق قوله. ويوضح أنه قبل العام 2019، تمكنت السعودية من استقطاب أكثر من 500 طبيب جزائري.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وأمام هذه المعطيات، راسلت عمادة الأطباء، ومختلف نقابات القطاع الصحي، الرئاسة، ووزارة الصحة، من أجل التدخل وتوفير ما يمكن توفيره للأطباء، وتحفيزهم ماديًا ومعنويًا مع تعزيز الإمكانيات، وهو ما لم يتم، بحسب الأطباء أنفسهم. ويقول العربي بن حارة إن الطبيب الجزائري «أصبح مخيرًا بين الهجرة لتحسين أوضاعه، أو البقاء في الوطن مع الصبر، وأحيانًا المشاركة في الاحتجاجات والإضرابات التي لا تثمر سوى بالوعود».

مقالات ذات صلة:

الجزائر: خطوات رسمية لإلغاء تدريس الفرنسية بعد عقود من قانون التعريب

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى