أخبار وتقارير

الابتعاث السعودي لدراسة السينما.. قصص نسائية وتجارب «واعدة»

في وقت مبكر من تجربتها، أرادت المخرجة السعودية الشابة، رزان الصغير (23 عامًا)، دراسة السينما، لكن لأن هذا التخصص لم يكن متاحًا، في ذلك الوقت، بجامعات موطنها، فقد رضيت بدراسة الإعلام بجامعة الملك فيصل، قبل أن تتبدل أحوالها، في العام 2018، حيث درست الإخراج السينمائي في فرنسا، في أول منحة حكومية بهذا المجال.

كانت «الصغير» واحدة من عشر طالبات سعوديات، اختارهم المجلس السعودي للأفلام، (قبل أن يصبح لاحقًا: هيئة الأفلام السعودية)، للمشاركة في دورة تدريبية، لنحو أربعة أشهر، بمدرسة لافيميس (la femis) الفرنسية للفنون، التابعة لجامعة باريس للعلوم والآداب، حول صناعة الأفلام، من كتابة السيناريو، إلى تقنيات الإخراج السينمائي، في سابقة أولى ببرنامج الابتعاث السعودي.

رؤية 2030 والمرأة السعودية

تقول رزان الصغير، عبر «زووم» لـ«الفنار» إن تجربة الدراسة للمرة الأولى، في الخارج، ساعدتها في التعرف على صناعة الأفلام، وتحديد وجهتها كمخرجة سينمائية، أو كاتبة، واختبار قدراتها على إخراج أعمال لم تشارك في كتابتها. وتوضح أن الشغف بالسينما رافقها منذ سنوات صباها الأولى، بعدما وجدت في هذا الفن «نافذة مهمة» للتعبير عن أفكارها، وتعرفت من خلاله على المجتمعات الأخرى.

«تخطيط المناهج، وطريقة التدريس تحتاج إلى تغيير، فطريقة التدريس في الخارج تعتمد على التحليل، والنقد، وبحث الطالب. المشكلة الرئيسية هنا تكمن في فقر الجانب التطبيقي، مقابل التركيز على الجانب البحثي».

هلا اللحيد
مخرجة وأكاديمية سعودية

وكان مفهومها الشخصي للسينما، حاضرًا في مشاريعها، حيث جسّدت أثر الفقد في فيلمها الأول المعنون: «غرفة الذكريات»، عقب عودتها من فرنسا. وفي فيلمها الثاني: «نفس»، حكت قصة محافظة زوجين على توازن علاقتهما، وعالمهما. وقد شاركت بالفيلم الأخير في عدد من المهرجانات الدولية، مثل: مهرجان البحر الأحمر، ومهرجان Show off في بريطانيا.

ومنذ إطلاق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، «رؤية 2030»، عام 2016، شهدت السعودية تغييرات كبيرة، تضمنت السماح للنساء بقيادة السيارات، ودخول ملاعب كرة القدم، فضلًا عن إعادة افتتاح دور السينما، والسماح بإقامة حفلات غنائية، وتأسيس هيئة عامة للترفيه، كما أجازت السلطات الاختلاط بين الرجال والنساء بالأماكن العامة.

وتستعد «الصغير» للسفر العام المقبل، لدراسة الماجستير في السينما بجامعة لندن للفنون، ضمن برنامج الابتعاث الثقافي، الذي أطلقته وزارة الثقافة السعودية، للمرة الأولى، مطلع العام 2020، لبرامج: «البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه»، في تخصصات علم الآثار، والموسيقى، والمسرح، وصناعة الأفلام، في عدد من جامعات العالم.

وترى السينمائية الشابة أن التغيير الاجتماعي، والاهتمام الرسمي بدعم صناعة السينما، «جاء في وقته الحاسم»، وأضافت: «نحن مستعدون لتكوين سينما تمثلنا كسعوديين، ننمي هويتنا فيها، ونوظف معارفنا التي اكتسبناها من الخارج».

الطريق إلى مهرجان «كان»

ومن بين قلة من السعوديات أتيح لهن دراسة السينما بالخارج، توظف المخرجة هاجر النعيم (32 عامًا)، خبراتها الدراسية في أمريكا، في تطوير المواهب، وتنظيم ورش تدريبية.

تشعر هاجر النعيم، التي شارك فيلمها «المحتجز»، في العام 2018، بمهرجان «كان» السينمائي الفرنسي، أن من مسؤوليتها تشجيع السعوديات الأخريات، ومساعدتهن على تحقيق أحلامهن في صناعة الأفلام. (الصورة بإذن من هاجر النعيم).
تشعر هاجر النعيم، التي شارك فيلمها «المحتجز»، في العام 2018، بمهرجان «كان» السينمائي الفرنسي، أن من مسؤوليتها تشجيع السعوديات الأخريات، ومساعدتهن على تحقيق أحلامهن في صناعة الأفلام. (الصورة بإذن من هاجر النعيم).

درست الفتاة السعودية، نظم المعلومات بجامعة الملك فيصل، قبل أن توفر لها منحة الملك عبد الله، في العام 2017، فرصة دراسة الماجستير في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، بجامعة لويولا ماريماونت الأمريكية، على نحو استثنائي، حيث لم تكن المنحة تشمل الفنون في ذلك الوقت.

وتقول «النعيم» لـ«الفنار» إنها «انبهرت» حين درست السينما في الولايات المتحدة، ما جعلها أكثر إدراكًا لأهمية التعلم في صناعة السينما، وتوظيف الخبرات لسد النقص الموجود في برامج الدراسة التي تتيحها بعض الجامعات بالسعودية، وتنظيم ورش تدريبية للطلاب قبل سفرهم إلى الخارج. ومنذ ممارستها لهواية التقاط الصور العشوائية خلال سنواتها الجامعية، وحتى دراستها للتصوير السينمائي في لوس أنجلوس حيث تقع الجامعة، أدركت «النعيم»، أن المشكلة الرئيسية، بعد الانفتاح الاجتماعي، تكمن في غياب أي مرشد، لأي من الجنسين، في المجال السينمائي، حيث لا يوجد هذا المجال، في السعودية، بعد.

وتشرح أكثر بالقول: «هذه صناعة قائمة على الإلهام، وهذا الجيل الجديد الراغب في الدراسة يحتاج إلى نماذج ملهمة، بالإضافة إلي تعريفه، قبل ابتعاثه، بوجود وظائف أخرى في صناعة السينما، مثل: مساعد المخرج، أو الاستايلست (مصمم الأزياء)، وخاصة في ظل الاندافع نحو العمل كمخرجين ومنتجين، وترك التخصصات الأخرى».

«التغيير الاجتماعي، والاهتمام الرسمي بدعم صناعة السينما، جاء في وقته الحاسم. نحن مستعدون لتكوين سينما تمثلنا كسعوديين، ننمي هويتنا فيها، ونوظف معارفنا التي اكتسبناها من الخارج».

رزان الصغير
مخرجة سعودية

وخلال عملها السابق كرئيسة لقسم تطوير المواهب، بالمجلس السعودي للأفلام، حاولت «النعيم» معالجة هذه المشكلات، عبر التركيز على التعليم، وتثقيف المواهب، وتأسيس هذا المجال من البداية. ونظم المجلس، على مدار عام ونصف من عمل «النعيم»،  نحو عشر ورش تدريبية، في عدد من المدن السعودية، بالإضافة إلى أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا. كما ساهمت، كواحدة من المشرفات على تصميم برنامج الابتعاث الثقافي، في تحديد الجامعات التي يتجه لها الطلاب لدراسة السينما.

وتضيف أن التوعية بدور السينما كنافذة لطرح القضايا والأصوات المختلفة «أمر ضروري ومهم، حتى تنعكس التحولات التي عاشتها المملكة خلال السنوات الخمس الأخيرة على السينما، وتصبح ذات خصوصية». وتشعر «النعيم»، التي شارك فيلمها «المحتجز»، في العام 2018، بمهرجان «كان» السينمائي الفرنسي، أن من مسؤوليتها تشجيع السعوديات الأخريات، ومساعدتهن على تحقيق أحلامهن في صناعة الأفلام.

ولهذا، فقد أسست شركة خاصة، لتطوير الجانب التعليمي في صناعة السينما، بمقابل «رمزي» عبر تنظيم ورش تدريبية وتعريفية للفنون، كما تدير جمعية «أفلامها»، التي أسستها مع تسعة آخرين، بهدف تطوير المواهب، والتوعية بدراسة السينما.

دراسة السينما المتحركة 

المخرجة والأكاديمية هلا اللحيد (27 عامًا)، واحدة من الشابات السعوديات اللاتي درسن السينما في الخارج، بدعم من جامعة الملك سعود، بعدما ظلت دراسة الفنون، لسنوات، غير مدرجة في المنح التي توفرها مؤسسات البلاد.

ملصق دعائي لفيلم
ملصق دعائي لفيلم “نفس” للمخرجة السعودية رزان الصغير.

بدأت رحلتها مع السينما، خلال دراستها للإعلام المرئي بجامعة الملك سعود، كهاوية تستخدم هاتفها في التعرف على تقنيات الرسوم المتحركة، وتشارك في مهرجانات السينما في العالم العربي «كهاوية ومبتدئة». وبعد حصولها على درجة البكالوريوس، انتقلت إلى أمريكا للحصول على دورة تدريبية من «أكاديمية نيويورك للأفلام» في تقنيات الرسوم المتحركة، على نفقتها الشخصية، قبل أن تبتعثها جامعة الملك سعود لدراسة الماجستير في الفنون الرقمية، بمعهد برات للفنون في نيويورك، كأول طالبة في تاريخ المملكة، تبتعثها مؤسسة أكاديمية لدارسة هذا التخصص.

وتقول «اللحيد»، وهي معيدة بجامعة الملك سعود، لـ«الفنار» إنها تطمح إلى تطوير صناعة السينما المتحركة، حتى ترى التمثيل السعودي حاضرًا فيها، وألا يقتصر الأمر على الرجال. وتسعى «اللحيد»، التي حصلت على الماجستير في كانون الأول/ ديسمبر عام 2020، خلال تدريسها لمادة الرسوم المتحركة، إلى تغيير المناهج، وابتكار طرق تعزز قدرات الطلاب أكثر.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وترى أن تخطيط المناهج، وطريقة التدريس تحتاج إلى تغيير، فطريقة التدريس في الخارج تعتمد على التحليل، والنقد، وبحث الطالب، وهو ما تسعى لتطبيقه، كما تقول. وتضيف: المشكلة الرئيسية هنا تكمن في فقر الجانب التطبيقي، مقابل التركيز على الجانب البحثي.

وتعمل الشابة السعودية، التي شارك فيلمها «أم السعف والليف»، بعدد من المهرجانات السينمائية العربية، على إخراج فيلم روائي طويل، حاليًا، إلى جانب تدريس السينما المتحركة، التي ما يزال أعداد الدارسين فيها «محدود جدًا».

تنويع برامج الابتعاث

إزاء هذه التجارب، تقرّ هناء العُمير، رئيسة أول جمعية أهلية سعودية متخصصة في السينما، بما تصفه بالتغير الكبير الناتج عن برامج الابتعاث في مجالات الفنون، بما يتيح اكتساب مجموعات شابة، خبرة واسعة في صناعة السينما بشكل معمق. وتقول «العمير»، التي أشرفت على ورش تدريبية في هذا المجال، لـ«الفنار» إن استمرارية هذه النوعية من البرامج أمر «ضروري»، مشيرة إلى أن استمرار الورش خارج المملكة «أكثر فائدة من جلب المدربين من الخارج».

وتنصح المخرجة السعودية، بتنويع هذه البرامج الدراسية، لتشمل مجالات جديدة، مثل الإنتاج السينمائي، وتصميم المناظر، وهندسة الصوت، وبما يشمل جميع مستويات الدارسين، من المبتدئين، وغيرهم.

مقالات ذات صلة:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى