أخبار وتقارير

وصايا وتمارين أحمد مراد ضد ملل الكتابة في «القتل للمبتدئين»

بخلاف مؤلفاته السابقة، لا يقدم الكاتب المصري أحمد مراد، في كتابه الجديد «القتل للمبتدئين»، عملًا روائيًا، وإنما تجربة سردية عن علاقته الشخصية بعالم الكتابة والسينما، وكذلك الملل، الذي يعده سببًا رئيسيًا للكتاب الصادر حديثًا عن «دار الشروق» المصرية.

ويأتي هذا العمل، بعد سبع روايات للمؤلف، كانت أولاها «فيرتيجو» (2007)، وآخرها «لوكاندة بير الوطاويط» (2020)، وبينهما روايات ذاع صيتها، وخاصة بعد تحولها لأعمال سينمائية، مثل: «الفيل الأزرق».

يعترف الكاتب، المولود في العام 1978، بأنه يعاني من أعراض الملل منذ طفولته، فيقول: «لا أكاد أستقر على حالة مزاجية، أو رياضة محددة، أو نوعية قراءة مفضلة، ولا أكاد أكتب في موضوع واحدٍ مرتين، فقد مللت من الجريمة السياسية بعد ثاني رواياتي (تراب الماس) رغم النجاح، فقررت خوض تجربة الفانتازيا والرعب في رواية (الفيل الأزرق)».

ومع هذا التنويع بين ألوان الكتابة، عبر مشروعه الروائي، يشير «مراد» إلى علاقته بالملل، قائلًا: «مللت محاولات البحث عن تصنيف لما أكتب، ومللت اللغة، ومللت أساليب الحكي، ومللت بعض أبطالي، فقتلت بعضهم، وضغطت على البعض الآخر، لتصبح الفائدة الأساسية لكل ذلك الملل المزمن هي عدم قدرتي على الثبات، الشك الدائم في جودة ما كتبت، ومحاولاتي المضنية في الوصول للمعنى بأسرع وقت».

فضول السينما

وتبدو علاقة أحمد مراد بالسينما من ركائز الكتاب، ليس فقط بسبب دراسته بقسم التصوير السينمائي، في المعهد العالي للسينما، ولكنه يتحدث عن علاقته بهذا الفن كأحد الملامح التي ساهمت في تشكيل طفولته، فقد كان طفلًا «شديد الفضول لا يتوقف عن الأسئلة»، كما يصف نفسه.

«اكتب عن أسوأ مخاوفك، عما يؤرق منامك ويؤلمك، وعما تتمناه. اكتب، وكأن ما تكتبه، هو آخر ما ستكتب قبل رحيلك، ولا تنس أنك الآن قد أصبحت.. قاتلًا محترفًا للملل».

أحمد مراد
 مؤلف كتاب «القتل للمبتدئين»

ويتحدث الكاتب عن حمله الكثير من بذور الإلهام للكتاب الجديد، من سنوات التكوين الأولى، بما فيها علاقته بوالديه. ويلقي الضوء على «فن الكتابة والحكي»، باعتباره المادة الرئيسية للكتاب، في ضوء تجربته في تدريس هذا الفن، عبر ورش قدمها لهواة يرغبون في احتراف الكتابة.

وخلال تلك الورش كانت الأسئلة تتكرر، وكذلك التخبطات، التي يقول «مراد» إنها قادرة، في حد ذاتها، على إحباط وإعاقة أي شخص، حتى لو كان لديه موهبة جامحة. على رأس هذه الأسئلة: «هل أنا موهوب أم لا؟». في كل الأحوال لا شيء يمكن أن يخسره الإنسان بمحاولته الكتابة، ستكون الخسارة فقط إذا كان بداخلك كاتب ماهر قبل أن تتولى بنفسك إحباطه ودفنه حيًا، بالملل، على حد قوله.

لا تنس تقدير إنجازك

ويسعى الكتاب، الذي يقع في 332 صفحة، إلى الهبوط من سماء التخيلات «الحالمة» حول عالم الكتابة الروائية والسينما، بتعبير صاحبه، إلى أرض الواقع العملي، ومحاولة رسم خريطة تساعد صاحبها على تنظيم تدفق الأفكار بداية من كونها هاجس ملح، مرورًا بالبناء المتصاعد، وصنع حبكة متماسكة دراميًا، وصولًا إلى حرفية كتابتها في سيناريو سينمائي جذاب.

بلغة سلسة، يسترسل أحمد مراد، عبر صفحات الكتاب، في سرد تجاربه على امتداد مراحل متنوعة من حياته، ما بين حجرات الطفولة، والاحتراف، والإخفاقات، ويلتقط من كل تجربة وجهات نظر يدعو كل قارئ إلى تأملها في حياته. ويقول في إحداها: «توقف عن الاستهانة بأفكارك المجنونة، والتافهة، ومخاوف الطفولة الساذجة من وجهة نظرك، فقد تكون هي المادة الخام، والمشاعر التي ستحتاجها لكتابة روايتك أو فيلمك يومًا ما. كتبت رواية (الفيل الأزرق) بإحساس طفل خائف».

ويستعرض «مراد» كيف أن «الشغف» كان وراء أجمل روايات وأفلام السينما عالميًا، مستشهدًا بسلسلة «هاري بوتر»، ويتساءل: «ما الذي كان يمكن أن يحدث إذا ملّت مؤلفتها، جي كي رولينج، من عالم السحر، واعتبرت أن ما تكتبه مجرد حكايات طفولية غير جديرة بالكتابة؟». لكن، هل تحتاج الكتابة إلى طقوس؟ سؤال آخر يتأمله المؤلف قبل أن يجيب بأنه من المؤكد أنها تحتاج لتكريس وقت محدد.

«توقف عن الاستهانة بأفكارك المجنونة، والتافهة، ومخاوف الطفولة الساذجة من وجهة نظرك، فقد تكون هي المادة الخام، والمشاعر التي ستحتاجها لكتابة روايتك أو فيلمك يومًا ما».

أحمد مراد

ويعتبر «مراد» أن الكتابة اليومية أمر لابد منه، تمامًا كالتزام دوام العمل، والدراسة، والمؤكد أيضًا أنه يحتاج إلى ربطها بروتين يومي محدد المدة، وكذلك بعدد كلمات محدد. وقد استقر المؤلف، في تجربته الشخصية، على معدل كتابة ألف كلمة يوميًا. ويروي كيف أنه يضع لنفسه مكافأة مع هذا الالتزام، كالخروج ليلًا، أو السفر في نهاية الشهر، مع إنجاز عدد الكلمات المطلوب. «بصفتك كاتبًا، فأنت مدير نفسك، لذا، لا تنس أبدًا تقدير إنجازك» يقول الكاتب.

سيناريو فيلم الفيل الأزرق 2

ويتضمن الكتاب، السيناريو الكامل لفيلم «الفيل الأزرق 2»، كتطبيق عملي على تقنيات كتابة السيناريو والمعالجة الدرامية (Treatment)، التي يتطرق المؤلف إلى عناصرها، بداية من اختيار طريقة السرد (Narrative Style)، وتحديد الشخصية التي ستقود الأحداث، وغيرها من العناصر التي ستحمل المعالجة، وتنتقل بها من الورق إلى الشاشة.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

والكتابة، وفق الكتاب الذي بين أيدينا، ليست فعلًا «سهلا ومضمونًا»، ومع ذلك، فهي قادرة على تغيير حياة الإنسان للأبد، شرط أن يحترمها ويخلص لها، ولا يبخل عليها بالقراءة المكثفة، والوقت الذي سيؤثر على روتين الحياة، والشرط دائمًا وراء كل كتابة أن يستمتع من يكتب بما يكتب، وينقل تلك المتعة للمتلقي. «المتعة رسالة إنسانية يحققها الفن بتفرد»، يقول المؤلف.

وبحسب الكتاب نفسه، فإن الكتابة الحقيقية رحلة صيد خيالية لقتل حيوان «الملل» الكامن بين ضلوعنا، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق سوى عبر الكتابة بشغف. وفي الختام، يخاطب أحمد مراد، القارئ، قائلًا: «اكتب عن أسوأ مخاوفك، عما يؤرق منامك ويؤلمك، وعما تتمناه. اكتب، وكأن ما تكتبه، هو آخر ما ستكتب قبل رحيلك، ولا تنس أنك الآن قد أصبحت.. قاتلًا محترفًا للملل».

مقالات ذات صلة:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى