أخبار وتقارير

سيدة خليل.. فنانة النحت بالليزر التي لان لها الحديد

عبر معرضها الذي يحمل عنوان: «نفسي أركب بسكلته (دراجة)»، تقدم الفنانة سيدة خليل (53 عامًا)، نماذج من أعمالها في فن النحت، بما يعكس تجربتها كأول مصرية تستخدم ضوء الليزر في الأعمال الفنية، منذ العام 2000.

وقدمت «خليل» أول تجربة فنية للتصوير الهولوجرافي (Holography) بالمعهد القومي لعلوم الليزر، التابع لجامعة القاهرة، وفق موقع قطاع الفنون التشكيليلة بوزارة الثقافة المصرية.

حصلت الفنانة المولودة بالقليوبية، شمال القاهرة، على بكالوريوس التربية الفنية من جامعة حلوان في العام 1994، قبل أن تحصل على الماجستير في تخصص «نحت الليزر» في العام 2000، ودكتوراه الفلسفة في التربية الفنية، تخصص «نحت»، في العام 2006. وهي أستاذة للنحت بالجامعة نفسها.

المعرض الذي افتتح أبوابه في الثاني والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي، ويستمر حتى الحادي عشر من الشهر الجاري، مقام بقاعة «أوبنتو» بحي الزمالك الشهير، وسط العاصمة المصرية، القاهرة.

وعبر أكثر من عمل فني، تعود سيدة خليل إلى التقنيات التقليدية لفن النحت، لكنها تبتعد عن تشخيص الكتلة وإظهار الشخوص والأجسام، متمسكة بتشكيل الخامات المتعددة بالطريقة التي ميّزت تجاربها.

«حين بدأت العمل بتقنيات الليزر، نهاية تسعينيات القرن الماضي، كنت أفكر في طريقة لتوظيف العلم لصالح الفن، لكنني واجهت مقاومة للفكرة في الهيئات العلمية، والأوساط الفنية التقليدية».

سيدة خليل  

حسب بيان قاعة «أوبنتو» عن المعرض، فإن «خليل» تركز على الجوانب الإنسانية في أعمالها مبتعدة عن الأفكار التقليدية، وتنشغل بالتعبير عن علاقة المرأة والرجل بصور متعددة داخل منحوتاتها. وقد اختارت النحت للتعبير عن رؤيتها للحياة.

ولا ترتبط أعمال سيدة خليل بالقواعد التشكيلية والكلاسيكية في النحت، فالأشكال الآدمية لديها مسطحة إلى حد ما وأكثر نحافة، وأشبه بأشكال هيكلية، أو كهفية تعود إلى عصور الإنسانية الأولى.

في حديثها لـ«الفنار»، قالت: «حين بدأت العمل بتقنيات الليزر، نهاية تسعينيات القرن الماضي، كنت أفكر في طريقة لتوظيف العلم لصالح الفن، لكنني واجهت مقاومة للفكرة في الهيئات العلمية، والأوساط الفنية التقليدية».

وتعزو «خليل» هذا الموقف المناهض لفكرتها إلى عدم وجود «من هم على استعداد لفهم ما يتيحه العلم من إمكانيات لتطوير الفن». لكنها واصلت «المغامرة»، فقررت التعاون مع خبراء المعهد القومي لعلوم الليزر الذين «تشككوا، في البداية، في إمكانية إقامة أشكال نحتية من خامة الفايبر، أو تسريب الضوء من داخلها».

ومنذ تلك اللحظة، بدأت العمل معهم على تجارب لتمرير ضوء الليرز داخل الكتل النحتية للتلاعب بالمنظور، والظلال. ثم أجرت تجارب أخرى لتوظيف الضوء في العمل الفني، بطريقة «الهولوغرافي».

وتبدي «خليل» دهشتها مما تصفه بـ«مبالغة الناس» عند ظهور المطربة المصرية الراحلة أم كلثوم (1898 – 1975)، في حفلات راهنة بتقنية الهولوجرام «لأنها طريقة مستعملة منذ أكثر من 70 عامًا في بعض بلدان العالم، وهذه مفارقة كاشفة عن بؤس تأخرنا التقني»، وفق قولها.

حين طلبت أستاذة النحت دعمًا ماليًا من قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية، لتمويل مشاريعها الفنية، بغية التغلب على ارتفاع تكلفتها، واجهت «تشككًا كبيرًا» في نواياها؛ حيث تزامن ذلك مع صعود اتجاهات الفن المعاصر في الأوساط التشكيلية، وتبني بعض القاعات لهذه التوجهات، وتمويل عروض فنانيها.

وأمام ارتفاع تكلفة العمل بتقنيات الليزر، فقد تراجعت التجربة لسنوات، مما حمل فنانة النحت على العودة إلى العمل بالخامات التقليدية المتاحة، مثل البرونز، والأكريليك، وكذلك الخشب، ضمن مشروعها في التجريب، حيث كانت تقوم بتجهيز الخامات، وصقل الأسطح يدويًا، حتى تصل إلى ما تريد.

Sayeda Khalil
ملصق ترويجي للمعرض الاخير للفنانة سيدة خليل – المصدر: (فيسبوك).

وخلال محاولاتها لإثراء تجربتها الفنية، لجأت سيدة خليل إلى استعمال المرايا، أو انعكاسات العدسات؛ فالخداع البصري – والكلام لـ«خليل» – عنصر ثراء للعمل الفني، ولا يجوز التفريط فيه، أو التخلي عنه، ومن المهم للفنان تأمل المكون الداخلي للتمثال نفسه.

وبفضل التطورات التكنولوجية المتلاحقة، صار التعامل مع تقنيات الليزر أكثر سهولة، فأصبحت صاحبة المعرض تفضل تقطيع الخامات بالليرز، حتى تصل إلى نتائج أفضل.

بخلاف معرضها الذي أقيم في العام 2016، تحت عنوان: «خارج الإطار»، والذي كانت بطلة لغالبية معروضاته، لم تشأ الفنانة سيدة خليل، في المعرض الراهن، إبراز نفسها، بل اختفت من الواجهة لصالح تأمل الأشياء، حيث يقف المشاهد أمام منحوتات تُظهر العجلة الدوارة، عبر 24 قطعة من النحت المعدني، شكلتها «خليل» على هيئات وحالات مختلفة من الدراجة

ومن خلال استعمال تقنيات تقوم على تركيب العمل الفني من الداخل، والاستغناء تمامًا عن عمليات اللحام، وربط أجزاء التمثال داخليًا عبر تركيب مكوناته، بدت الفنانة راغبة في مواصلة التجريب.

«لا يمكن للفنان استلهام التراث بينما معرفته بلحظته الزمنية تعاني من النقص. الفنان المصري القديم انطلق فيما أنجزه من رؤية وفلسفة كانت نتاج عصره. ومن حق الفنان المعاصر الانطلاق من رؤية تنتمي إليه».

سيدة خليل

وفي مقابلتنا معها، تحدثت عن الأمر بالقول: «نحن نمثل جزءًا من حركة الزمن، والنقطة المضيئة في حركته تأتي من التفاصيل التي هي مشاعرنا الإنسانية المتناقضة أحيانًا. تكرار الحركة هو البطل، والمأمول تفتيت العجلة، لأنها على الرغم من تثبيتها، إلا أنها مجرد لحظة من لحظات الزمن».

بعد  أكثر من عشرين عامًا من العمل، تتمسك سيدة خليل بالعمل وفق أساليب الفن المعاصر. وعن ذلك الموقف، تقول: «لا يمكن للفنان استلهام التراث بينما معرفته بلحظته الزمنية تعاني من النقص. الفنان المصري القديم انطلق فيما أنجزه من رؤية وفلسفة كانت نتاج عصره. ومن حق الفنان المعاصر الانطلاق من رؤية تنتمي إليه».

ورغم ما يعانيه الفن المعاصر من «عزلة» في المجتمعات العربية، إلا أنها تعبر عن اعتزازها بـ«الأصداء» التي تتركها أعمالها وما تحققه من «نجاحات تمثلها عمليات البيع والاقتناء»، وفق قولها.

وتتذكر مراحل التجربة، قائلة: «عندما بدأت، لم تكن القاعات الخاصة ترحب بهذا الفن، ولا ترحب باقتناء أعمالنا، لكننا نجحنا في تأكيد وجودنا. بشكل شخصي، تحرص مؤسسات، وشخصيات مهمة على اقتناء أعمالي».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وفيما ترى سيدة خليل أن «الذوق العام يرغب في منحوتات تقليدية تشخيصية»، تقول إنها تحاول، مع فنانين آخرين «تغيير نظرة الناس للنحت؛ عبر إنتاج منحوتات تعبر عن أفكار ومشاعر يصعب الإمساك بها».

وتجمع تجربة أستاذة النحت بين الممارسة، والتعليم، والتدريب، حيث تنظم ورشًا لطلابها، تستهدف إطلاعهم على «أهم التجارب الدولية».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى