أخبار وتقارير

ما يجب فعله لتعليم طلاب سوريا اللاجئين بلبنان في دراسة حديثة

بين المأمول والممكن للطلاب السوريين اللاجئين في لبنان فجوة تترجمها الأوضاع الاقتصادية والقانونية لهم، وأعداد أولئك الذين لم يحالفهم الحظ، منهم، في الالتحاق بقطار التعليم. وتسلط دراسة حديثة لمبادرة «ريتش» (Refugee REACH Initiative)، التابعة لكلية الدراسات العليا بجامعة هارفارد الأمريكية، الضوء على هذه القضية.

وتقول الدراسة إنه من الممكن أن يلعب المعلمون «دورًا كبيرًا» في تضييق هذه الفجوة بين الفرص التعليمية التي يحلم بها الطلاب اللاجئون، وتلك المتاحة أمامهم في ظل حالة التهميش الشديدة التي يعانون منها.

الدراسة التي تحمل عنوان: «نشعر بكم: ما يتمّنى الطلاب اللاجئون السوريون أن يعرفه أساتذتهم»، تهدف إلى وضع خطوات وإجراءات عملية لصانعي السياسات، والمعلمين، والباحثين، لمساعدة الطلاب في الاستفادة من الفرص التعليمية المتاحة، من خلال التعرف على أفكار وتجارب شباب اللاجئين.

وقد استغرقت الدراسة ثمانية أشهر من المشاهدات في ثلاث مدارس لبنانية، وأكثر من مائة ساعة من المقابلات التي أجريت مع طلاب سوريين في الصف التاسع، بالإضافة إلى أساتذتهم وعائلاتهم، في العام الدراسي 2018/2019.

«معظم ما نسمعه عن تعليم اللاجئين هو: كيف خذلت المدارس والمعلمون الطلاب اللاجئين؟. ومع ذلك، عندما نستمع إلى الطلاب، نتعرف أيضًا على الخبرات التي لديهم في المدرسة والتي تساعدهم على البدء في بناء المستقبل الذي يتخيلونه ويأملون فيه».

سارة درايدن بيترسون
الأستاذ المشارك بكلية الدراسات العليا بجامعة هارفارد، ومديرة المبادرة

مسألة مساعدة المعلمين للطلاب «ربما تكون صعبة لكن ليست مستحيلة»، كما يقول طلاب، وذلك من خلال الدراسة بالنظم التربوية المبنية على قدرة التوقع، والشرح، والإنصاف، والرعاية، وفق الدراسة.

وتقول سارة درايدن بيترسون، الأستاذ المشارك بكلية الدراسات العليا بجامعة هارفارد، ومديرة المبادرة: «معظم ما نسمعه عن تعليم اللاجئين هو: كيف خذلت المدارس والمعلمون الطلاب اللاجئين؟. ومع ذلك، عندما نستمع إلى الطلاب، نتعرف أيضًا على الخبرات التي لديهم في المدرسة والتي تساعدهم على البدء في بناء المستقبل الذي يتخيلونه ويأملون فيه».

ولبنان ثاني أكبر دولة مضيفة للاجئين السوريين، حيث يقطن فيه أكثر من مليون لاجيء مسجل، وحوالي 500 ألف غير مسجلين، في أعلى معدل للاجئين بالنسبة إلى المساحة على مستوى العالم، وفق تقرير لمعهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بالجامعة الأمريكية في بيروت.

وفي تقييم لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، للعام الدراسي 2019/2020، فإن 33% من الأطفال السوريين اللاجئين في سن التعليم الابتدائي، لم يتابعوا تعليمهم. وبحسب ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم المفوضية، فإن مجموع التلاميذ السوريين المسجلين لدى المفوضية للعام الدراسي 2020/2021، بلغ 321 ألفًا و512 طالبًا. وأوضحت أن نسبة السوريين المسجلين بالمدارس اللبنانية تبلغ 51.80%، بينما تناهز نسبة غير الملتحقين بالمدرسة 48.20%.

وقالت «أبو خالد» إن وزارة التربية أطلقت في آب/أغسطس، خطة خماسية للتعليم العام، ووضعت الأسس لـ«استيعاب عدد إضافي للتلاميذ المنتقلين من القطاع الخاص إلى العام، وضمان التعليم المرن للجميع».

تقول محاسن مدللـه، التي تعمل بإحدى المدارس اللبنانية في التأهيل النفسي، إن الطلاب بحاجة إلى معاملة لطيفة نظرًا لما مروا به خلال مرحلة النزاع. (الصورة: مزنة الزهوري).
تقول محاسن مدللـه، التي تعمل بإحدى المدارس اللبنانية في التأهيل النفسي، إن الطلاب بحاجة إلى معاملة لطيفة نظرًا لما مروا به خلال مرحلة النزاع. (الصورة: مزنة الزهوري).

ويصف الطلاب اللاجئون أنفسهم – كما تقول الدراسة – بـ«المتأخرين عن الطالب المواطن» لكونهم يرتادون المدرسة فقط في الفترة المسائية، ولمدة أقصر من زملائهم اللبنانيين، كما يعانون من محاولات التعويض عن سنواتهم الضائعة، في سعيهم لتعلم الإنجليزية. وقد حدد الطلاب أهدافًا قصيرة وطويلة المدى، مثل: اجتياز امتحانات الصف التاسع، والالتحاق بالجامعة، ومتابعة أهدافهم المهنية، وبناء العلاقات والمساهمة في مجتمعاتهم في لبنان وسوريا، لكنهم يجدون أنهم «غير قادرين» على تحقيقها.

ويقدم فيدور شوبرا، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه بجامعة كولومبيا، الذي شارك في الدراسة، إجابة عن علة عدم قدرة الطلاب السوريين على تحقيق هذه الأهداف، قائلًا إن الأمر «يعود إلى القيود الشديدة على حقوقهم القانونية والاقتصادية في العمل، والعلاقات المحدودة مع مدرسيهم اللبنانيين في الدوام الثاني، وصعوبات التعلم بلغة جديدة (الإنجليزية)، وانعدام عام للانتماء والتواصل في لبنان». وأوضح أن الطلاب لا يجدون تجاربهم وهوياتهم تنعكس في المناهج الدراسية، ما يجعلهم غير قادرين على الاندماج والتأقلم.

وبدورها، تقول «بيترسون»: «في هذا البحث، وجدنا أنه من خلال هذه العلاقات، يستطيع المعلمون دعم الطلاب للتغلب على الاستبعادات التي يواجهونها أثناء العيش كلاجئين، ولجعل ما يتعلمونه وثيق الصلة بتجاربهم الخاصة».

وتطالب الدراسة بتقديم المزيد من التدريب للمدرسين على أنظمة التعلم المبنية على التوقع، والشرح. وتنادي بضرورة دعمهم للوصول إلى برامج التأهيل المهني، حتى يتمكنوا من التعرف، بشكل فعال، على احتياجات الطلاب.

من جانبها، تقول محاسن مدللـه، التي تعمل بإحدى المدارس اللبنانية في التأهيل النفسي، إن الطلاب بحاجة إلى «معاملة لطيفة

«الطلاب بحاجة إلى معاملة لطيفة

نظرًا لما مروا به خلال مرحلة النزاع، كما يحتاجون إلى معلمين يستطيعون فهمهم والتعامل مع متطلباتهم. ومن الضروري تعيين مدرسين سوريين يستطيعون التواصل مع الطلاب وبناء علاقات جيدة معهم».

محاسن مدللـه
تعمل بإحدى المدارس اللبنانية في التأهيل النفسي

نظرًا لما مروا به خلال مرحلة النزاع، كما يحتاجون إلى معلمين يستطيعون فهمهم والتعامل مع متطلباتهم. ومن الضروري تعيين مدرسين سوريين يستطيعون التواصل مع الطلاب وبناء علاقات جيدة معهم».

وتتحدث «مدللـه» عن التحديات التي يواجهها الطلاب السوريون، مثل نقص أعداد المعلمين «بسبب تدني الأجور التي يتقاضونها نظير التدريس في الفترة المسائية والبالغة نحو 90 دولارًا شهريًا، ونادرًا ما يحصلون عليها». لذلك، تطالب بتقديم حوافز مادية، جنبًا إلى جنب، مع التدريب والموارد اللازمة.

ويتسق كلام محاسن مدللـه مع ما توصي به الدراسة، من ضرورة زيادة ساعات التدريس، وتخصيص التعليم التعويضي، أثناء أو بعد ساعات الدراسة العادية، وتوفير الدعم اللغوي، وتحقيق المساواة في الوصول إلى الموارد، والدعم، وتوزيعها وفق احتياجات الطلاب اللاجئين.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وتحث الدراسة المعلمين على بذل المزيد من الجهد للتعرف على الطلاب كـ«أفراد» عبر الإصغاء لأفكارهم وهواجسهم، ومقاربتهم بلطف، عبر تقدير احتياجاتهم، ومساعدتهم في ترجمة المواد للتخفيف من وطأة حواجز اللغة، ومساعدتهم في تبسيط بعض المحتويات التعليمية التي تبدو إقصائية، أو لا تعترف بكونهم يتمتعون بنفس الحقوق والفرص لغيرهم من الطلاب.

وفي سبيل الوصول إلى تلك الغاية، فإن التحدي المتمثل أمام الباحثين وصناع السياسة، والمعلمين، يتمثل في تهيئة الظروف التي يمكن لجميع المعلمين، في ظلها، الحصول على الموارد، والوقت، والفرص لتعلم كيفية إنشاء هذه الأنواع من العلاقات، لتوفير التعليم للطلاب اللاجئين، كما تقول مديرة المبادرة التي أعدت الدراسة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى