أخبار وتقارير

الجامعة اللبنانية تبحث عن طوق نجاة من عجز الموازنة وتهاوي الأجور

وسط تداعيات أزمة اقتصادية تعصف بلبنان، تعيش الجامعة اللبنانية، نصيبها من هذا الواقع، حيث تعاني من معضلة مالية خانقة، تربك العملية التعليمية داخل قاعاتها، وتعرقل مسارات طلابها وأساتذتها، على حد سواء.

وقد صنّف البنك الدولي، تلك الأزمة، في حزيران/يونيو 2021، باعتبارها من الأزمات الاقتصادية الأشد حدة على مستوى العالم، منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وتتعدد مظاهر ضائقة الجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد، ما بين العجز عن توفير متطلبات الكليات، وتعثر العملية الدراسية، واضطرار أكاديميين إلى الهجرة، كما يقول مسؤولون وأعضاء بهيئة التدريس.

وخلال الأشهر الأخيرة، شهدت الجامعة، التي تأسست في العام 1951، إغلاقات عدة، كان آخرها بسبب إضراب للأساتذة امتد لنحو ثلاثة أشهر، العام الماضي، احتجاجًا على تراجع قيمة الرواتب، بسبب انهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى قلة المخصصات المالية التي تقدمها الحكومة للجامعة.

محدودية الدعم الحكومي

ويقول رئيس الجامعة، بسام بدران، في اتصال هاتفي مع «الفنار» إنهم يواجهون «أكبر» أزمة مالية في تاريخ الجامعة، مما انعكس على أوضاع الأساتذة والطلاب معًا. ويضيف أن أولوياته الرئيسية، في الوقت الراهن، تتمثل في المطالبة بتعيين عمداء الكليات، بدلًا من المنتهية ولايتهم لتشكيل مجلس الجامعة، بشكل قانوني، وتأمين «زيادات مالية للأساتذة من مشروعات خارجية، في ظل محدودية الدعم المالي من الحكومة للجامعة».

«أعتبر نفسي في مهمة إنقاذ للجامعة. الالتزامات كبيرة، والعجز الذي يواجه مصاريف تشغيل الجامعة بات يؤثر على استمرارية العملية التعليمية».

بسام بدران
رئيس الجامعة اللبنانية

ويعتبر «بدران»، نفسه، في «مهمة إنقاذ» للجامعة التي يصفها بـ«جيش لبنان الثاني». ويوضح: «الالتزامات كبيرة، والعجز الذي يواجه مصاريف تشغيل الجامعة بات يؤثر على استمرارية العملية التعليمية».

وبحسب رابطة أساتذة الجامعة اللبنانية، فقد انخفضت موازنتها للعام الدراسي الحالي إلى نحو 12 مليون دولار، من أصل 265 مليون دولار طالبت بهم إدارة الجامعة، الحكومة اللبنانية، لسد احتياجات الجامعة التي تضم نحو 5200 أستاذًا، و2600 موظفًا، و87 ألف طالب، في 19 كلية.

ويقول العضو التنفيذي بالرابطة، مجتبى مرتضى، لـ«الفنار» إن الأزمة الاقتصادية جعلت رئاسة الجامعة «عاجزة» عن توفير المستلزمات اللوجستية لتشغيل المباني الجامعية، واحتياجات الكليات التطبيقية، والأدوات المكتبية لارتباطها بالدولار الأمريكي، فضلًا عن عجز الأساتذة عن توفير الأدوات المطلوبة للتعليم عبر الإنترنت.

تهاوي قيمة العملة الوطنية

وأدى تهاوي قيمة العملة الوطنية إلى لجوء عشرات الأساتذة بالجامعة إلى نظام التعليم عن بعد، وخاصة بعد انخفاض الراتب الشهري من 3500 دولار أمريكي شهريًا، قبل انهيار الليرة، إلى نحو مائتي دولار في الشهر، بعد فقدانها نحو 95% من قيمتها أمام العملة الأمريكية، بحسب «مرتضى» الذي يعمل أستاذًا بكلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة. ويعزو الأكاديمي اللبناني لجوء الأساتذة لهذا الخيار، إلى الرغبة في توفير تكلفة التنقل التي ارتفعت لمعدلات قياسية.

ويضيف «مرتضى»: «الجميع أصبح عاجزًا عن الاستمرار في القيام بواجباته الأكاديمية، الأمر الذي تسبب في تأخر انطلاق العام الجامعي، ولابد من تدخل من الجهات المانحة، للحفاظ على هذه المؤسسة الوطنية التي تقدم التعليم شبه المجاني للطلاب اللبنانين، والعرب المقيمين في لبنان، وخاصة الفلسطينين والسوريين».

وإلى جانب معاناة الأساتذة المعيّنين، يبدو الأساتذة المتعاقدون، والبالغ عددهم نحو 3500 أستاذ، أكثر تأثرًا بالأزمة. ومن هؤلاء، على عطايا، الذي يعمل بمهنة المحاماة، حاليًا، بعد انخفاض أجره إلى نحو 1120 دولار، يتقاضاها بشكل غير منتظم، كل سنة أو سنتين، دون أن تلتزم الجامعة تجاهه بأي تأمين صحي، أو اجتماعي، أو معاش تقاعدي.

ويقول «عطايا» لـ«الفنار» إن الأستاذ الجامعي يشعر أنه «محاصر في الداخل بسبب ظروف العمل الصعبة، وأنه أرخص شيء في لبنان، بعدما أصبح راتبه أدنى بكثير من رواتب وظائف أخرى».

«الجميع أصبح عاجزًا عن الاستمرار في القيام بواجباته الأكاديمية، الأمر الذي تسبب في تأخر انطلاق العام الجامعي، ولابد من تدخل من الجهات المانحة، للحفاظ على هذه المؤسسة الوطنية التي تقدم التعليم شبه المجاني».

مرتضى مجتبى
أستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية بالجامعة اللبنانية

الكليات العلمية.. الأكثر تضررًا

في غضون ذلك، يبدو الطلاب الحلقة الأضعف، بين الأطراف المتداخلة في العملية التعليمية المتعثرة بالجامعة اللبنانية، فإلى جانب الصعوبات الاقتصادية التي تطال غالبيتهم، ثمة مشكلات تتعلق بالدراسة نفسها. وتقول خديجة بركات (22 عامًا)، الطالبة في كلية طب الأسنان بالجامعة، إن غالبية المناهج التعليمية «لم يتم شرحها، بسبب انقطاع الأساتذة لفترة طويلة، بالإضافة إلى الصعوبات التقنية التي تواجه عملية التعليم عن بعد، بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء»، مشيرة إلى أن طلاب الكليات العملية، هم «الأكثر تضررًا».

وتضيف لـ«الفنار»: «لم نحصل على المواد التدريبية بسبب غياب المواد اللازمة لإجرائها، وعدم تجهيز أماكن التدريب العملية، فضلًا عن اضطرار غالبية الطلاب لترك الدراسة بعد توقف الجامعة عن تقديم المنح المالية».

هجرة أكاديمية

وتسببت الأزمة في مغادرة عشرات الأكاديميين، البلاد، بحثًا عن ظروف عمل أفضل. وغالبيتهم من الأساتذة المتعاقدين بالجامعة اللبنانية. ويقول أحد الأساتذة المتعاقدين الذين اختاروا السفر إلى فرنسا، منذ أشهر، ويدعى (س. ع)، إنه اتخذ الخطوة دون أن يتواصل مع الجامعة، في ظل استمراره بالتدريس عن بعد، بعدما أدرك أن استمرار العمل في الجامعة اللبنانية «بلا طائل معنوي أو مادي». ووفق المصدر نفسه، فقد جاء انتقال غالبية الأساتذة المتعاقدين إلى فرنسا «لكونهم يحملون جنسيتها، في حين استقطبت دول خليجية وأوروبية عددًا أقل».

ويوضح أن السفر هو الخيار المفضل للمتعاقدين، لعدم وجود التزام قانوني أو إداري بالنسبة لهم إزاء الجامعة، واصفًا إياهم بالحلقة الأضعف في الجامعة اللبنانية.

محاولات للحل

أمام كل هذه المعطيات للأزمة، يسعى طلاب سابقون، بالتنسيق مع رابطة الأساتذة، ومسؤولي الجامعة، في البحث عن موارد مالية إضافية، إلى جانب التواصل مع المؤسسات الدولية المانحة، لدعم الجامعة. ومن هؤلاء، خريج الجامعة اللبنانية، والأستاذ بالجامعة الأمريكية في بيروت، جهاد الملاح، والذي يقول إن دعم الجامعة «مسألة أمن قومي في أعلى مراتبه، ويشكل وسيلة مباشرة لتثبيت عشرات الآلاف من الطلاب والأساتذة في أرضهم، والأهم أنه يقدم فرصة لإمكانية مواجهة انهيار لبنان، الدولة والوطن». كما يصف الجامعة بأنها «ضمانة وطنية كبرى».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ويضيف لـ«الفنار»: «عندما تواجه الدول الأزمات والانهيارات، من المفترض أن تبحث عن كيان مؤسساتي واسع الانتشار، يمكن دفعه ليكون رافعة لمواجهة الانهيار، من خلال دعمه اجتماعيًا، وماليًا، واقتصاديًا». كما يشدد على أهمية تقديم الدعم للجامعة اللبنانية باعتبارها مؤسسة تربوية متشعبة، تضمّ عشرات الآلاف، في بلد مثل لبنان.

مقالات ذات صلة:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى