أخبار وتقارير

فنون النماذج المصغرة.. محاكاة البشر والحياة بأعمال في حجم عقلة الإصبع

على مدار ثلاثة أيام بين الثالث والعشرين والخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الجاري، استضاف مركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا المصرية، معرض «مصر الرابع لفنون النماذج المصغرة» (EGYHOBBY 2021)، ليقدم أشكالًا متنوعة من فن «المُصغرات» للبشر والبيوت وحتى السفن والطائرات.

ويحاكي هذا الفن، الذي برز قبل أعوام، الواقع عبر تصغيره وإعادة النظر إلى تفاصيله الدقيقة، حيث يقوم بتقديم مُجسمات للأشخاص والأماكن والأشياء في أحجام مُصغرة تصل أحيانًا إلى حجم عقلة الإصبع. وفي أحجام دقيقة، بدت ملامح المصغرات، بمختلف أشكالها، وبتفاصيلها الأصغر، واضحة للزائرين.

ووظف المعرض الإضاءة لإبراز معالم أكثر من عمل فني، لاسيما الأعمال التي تُجسد معالم مكانية وأثرية، كمُجسمات تُحاكي بناء قبة الصخرة بالمسجد الأقصى، ومساجد قاهرية قديمة، وباب زويلة الأثري في مصر، وهي مصنوعة من الخشب الدقيق، وتم استخدام الإضاءة بصورة تُبرز الشقوق والثنايا التي تركها الفنانون للإيحاء بأثر العامل الزمني على سطح نماذجهم المُصغرة.

يقول الفنان سيد فؤاد، وهو يقترب من مجسمات طائرات مصغرة، من صنع يده، تحاكي طائرات حربية قديمة من دول عربية عدة، مثل: مصر، والسعودية، وسوريا، إنه تأثر منذ طفولته بالطيران ارتباطًا بوالده الذي كان ينتمي لهذا السلاح الجوي. وعن تنوع الأعمال بالمعرض، الذي ضم أكثر من ثلاثمائة عمل فني، يشير في تصريح لـ«الفنار»، إلى أن ذلك يأتي كتطور استغرق سنوات بعد تأسيس مجموعة EGYHOBBY، المعنية بذلك الفن، في العام 2013.

«جميع النماذج يتم تنفيذها يدويًا، وهذا من شروط المشاركة في المعرض. وتتنوع الخامات المستخدمة ما بين الخشب، والمعدن، والصلصال، والبلاستيك، وأعواد الكبريت، وإعادة تدوير الخردة»،

سيد فؤاد
أحد منظمي المعرض

ويضيف، وهو أحد مؤسسي المجموعة، أنهم بدأوا تجميع ممارسي هواية المُصغرات في مصر، حتى بلغ عدد المشاركين في المعرض الأخير نحو خمسين فنانًا؛ منهم من اتجه لتجسيم مبانٍ تراثية، ومنهم من اختار الآلات العسكرية والمركبات باختلافها، وحتى البشر.

وضم المعرض عددًا متنوعًا من تصميمات المراكب والسفن المُصغرة التي اعتمد فيها صُناعها، بشكل رئيسي، على خامة الخشب والمواد المعاد تدويرها، والخيوط. وتبرز تنويعات السفن ما بين سفن تاريخية، وأخرى تحمل رمز «مفتاح الحياة»، وهي تُحاكي مراكب الشمس التي عُرفت في مصر القديمة.

«جميع النماذج يتم تنفيذها يدويًا، وهذا من شروط المشاركة في المعرض. وتتنوع الخامات المستخدمة ما بين الخشب، والمعدن، والصلصال، والبلاستيك، وأعواد الكبريت، وإعادة تدوير الخردة»، وفق «فؤاد» الذي يضيف: «علاوة على الخامات والعمل اليدوي، فإن الفنان الذي يعمل في مجال المصغرات، يجب أن يكون شديد الشغف بهذا الفن، لأنه يحتاج إلى وقت طويل وصبر ودقة متناهية، ما يجعلنا نستعين أحيانًا بأدوات غاية في الدقة كالتي يتم استعمالها لدى  أطباء الأسنان، لنتمكن من حفر وإبراز تفاصيل على مساحات غاية في الصغر، كما يجب أن يكون الفنان مُطلعًا على الخلفية التاريخية والفنية للنموذج الذي يقوم بتنفيذه».

مُصغرات من زمن مضى

وكان بإمكان زوار المعرض إدراك ما يشير إليه سيد فؤاد حول إلمام الفنان بالسياق التاريخي والاجتماعي لما يعبر عنه، من خلال عدد من المصغرات، ومنها ما قدمه الفنان أحمد الفايد، عبر نموذجين للشارع المصري خلال سنوات الثمانينات والتسعينات، مستعينًا بمعالم العمارة، ولافتات إعلانية ميّزت واجهات المباني في تلك الفترة.

وقد برز «التراث» كموضوع لافت بالمعرض، مثل أعمال الفنانة عبير سعد الدين التي يبلغ عمر تجربتها مع فن المصغرات نحو ثلاث سنوات. وتقول لـ«الفنار»: «أنا معنية بشكل خاص بالتراث المصري والعربي، فقدمت البيت الريفي، وغرفة الخبز التقليدية، والمطبخ بمفردات الطعام الشرقي». وتستعين «سعد الدين»، في عملها بمواد بدائية، مثل: الصلصال، والخشب، وعجينة السيراميك، والطين الأسواني. وتقول إنها «تقوم بتجريب خامات مختلفة كل مرة، للحفاظ على مصغراتها من التلف».

وتضيف الفنانة التي تم تكريمها في ختام المعرض: «فن المصغرات مستوحى من فكرة بيت الدُمى الذي يستدعي كثيرًا من ذكريات الطفولة حول البيت متعدد الغُرف الذي تعيش الدمية بداخله، كما يُطلق عليه فن الديوراما Deorama»، وتشير إلى أن هذا الفن «لا يتم تدريسه في كليات الفنون الجميلة، وكل الجهود التي تُبذل في هذا المجال، في مصر أو العالم العربي، محاولات فردية تعتمد على الاجتهاد الشخصي».

«فن المصغرات مستوحى من فكرة بيت الدُمى الذي يستدعي كثيرًا من ذكريات الطفولة حول البيت متعدد الغُرف الذي تعيش الدمية بداخله، كما يُطلق عليه فن الديوراما Deorama»

عبير سعد الدين  

وتعمل «سعد الدين»، إلى جانب مشروعاتها الفنية الخاصة، في مجال التدريب وتعليم فن المصغرات، عبر ورش فنية مباشرة، وعبر الإنترنت، ما أتاح فرصة انضمام متدربات عرب من البحرين والمغرب، صممن فيما بعد، مُصغرات تحاكي التراث المحلي في البلدين.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وتعتزم الفنانة، التي درست النقد الفني بأكاديمية الفنون في مصر، «توثيق فن المصغرات من خلال أبحاث قد تكون رسالتها للماجستير»، وفق قولها لـ«الفنار». وتشرح ؤسعد الدين» خطتها بالقول: «أسعى لتجربة التوثيق من خلال كتاب أطرح فيه ارتباط هذا الفن بأصول مصرية قديمة، مثل مُصغرات الحياة اليومية للمصري القديم؛ من كتابة، وزراعة، وصولًا إلى التحنيط».

ديوراما من السينما

وإلى جانب استلهام بعض الفنانين المشاركين بالمعرض، أعمالهم، من أيقونات سينمائية مثل شخصية «الجوكر»، كان للطابع المحلي الحضور الأكبر بين الأعمال، حيث برز التاكسي القاهري بلونيه الأبيض والأسود، وكذلك القطار. كما جسّد الفنان حسين القيسي، مشهدًا من الفيلم المصري «الممر» (إنتاج 2019)، عبر نماذج مصغرة للممثلين إلى جوار دبابة، جميعها من الصلصال، والفوم والبلاستيك، داخل صندوق زجاجي «لحفظ القطع الديورامية الدقيقة».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى