أخبار وتقارير

جامعات مضطربة واستقالات بالجملة.. التعليم العالي في السودان أمام عواصف السياسة

فيما تستأنف جامعات سودانية، الدراسة، خلال أسابيع، بعد تعليق العمل لأكثر من شهر، بقطاع التعليم العالي في البلاد، على خلفية الاضطرابات السياسية الأخيرة، تبدي تنظيمات نقابية جامعية انحيازها إلى خيار مواصلة الاحتجاج ضد السلطات الانتقالية.

كانت مؤسسات التعليم العالي في السودان قد توقفت عن العمل، عقب إطاحة الجيش، بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، في الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بالحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك، قبل أن يتوصل الطرفان في الحادي والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إلى اتفاق يقضي بعودة حمدوك إلى منصبه، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، واستكمال المسار الانتقالي، حتى الوصول إلى انتخابات عامة بحلول يوليو من العام 2023.

في المقابل، رفضت قوى سياسية مدنية، منها «تجمع أساتذة الجامعات والمعاهد العليا السودانية»، ذلك الاتفاق، باعتباره «محاولة لشرعنة الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الجيش»، متعهدة بـ«مواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق الحكم المدني الكامل للبلاد».

واستقالت انتصار الزين صغيرون، وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، ضمن 11 وزيرًا، من تحالف «قوى الحرية والتغيير»، بعد أسابيع من قرار حل الحكومة. وقالوا في بيان رسمي، إن الاتفاق السياسي «يكرس ويشرعن للحكم الانقلابي العسكري».

«لدينا تحفظات شديدة جدًا على الاتفاق بين المجلس العسكري ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لكن أعضاء هيئة التدريس قرروا العمل واستئناف الدراسة لما فيه مصلحة الطلاب والمؤسسات. لسنا مع أو ضد الاتفاق لكنه غير واضح المعالم».

منال عامر
نقيب الأساتذة بجامعة الخرطوم

وفي بيان رسمي، صدر في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رفض رؤساء مجالس 12 جامعة سودانية حكومية الاتفاق السياسي، وهي جامعات: الخرطوم، والنيلين، ونيالا، وبخت الرضا، ودنقلا،  والإمام المهدي، وشرق كردفان، والزعيم الأزهري، والبطانة، وزالنجي، والجزيرة، والسودان للعلوم والتكنولوجيا. وجاء في البيان: «نحن الموقعون أدناه نعلن رفضنا لهذا الاتفاق الذي يؤسس للانقلاب العسكري ويدعم الانقلابيين، ونؤكد وقوفنا مع الشارع السوداني الحر الأبي والذي نتشرف بكوننا جزءًا أصيلًا منه».

وعن ذلك، تقول منال عامر، نقيب الأساتذة بجامعة الخرطوم لـ«الفنار»: «لدينا تحفظات شديدة جدًا على الاتفاق بين المجلس العسكري ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لكن أعضاء هيئة التدريس قرروا العمل واستئناف الدراسة لما فيه مصلحة الطلاب والمؤسسات. لسنا مع أو ضد الاتفاق لكنه غير واضح المعالم».

وتعتقد «عامر» أن الوضع في الجامعات «لا يحتمل التأخير؛ هناك طلاب في كليات الطب مضى عليهم تسع سنوات دون أن يتخرجوا، نظرا لأن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت توقف وانقطاع الدراسة، لوقت طويل، بسبب الثورة على نظام (عمر) البشير، مرورًا بجائحة كورونا وأزمة السيول، ثم الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد».

ويقول محمد عبد السلام، أستاذ الهندسة بجامعة شرق كردفان: «كنا نتطلع إلى ترك العسكريين الحكم، ومنح الفرصة للقوى المدنية، لإعادة تشكيل الحياة السياسية بعيدا عن سيطرة العسكر، إلا أن الاتفاق جاء مخيّبًا للآمال، حيث أعاد الشرعية للعسكر، ومنح صلاحيات لا تغني ولا تسمن من جوع لصالح حمدوك وهو ما نرفضه رفضًا تامًا».

Sudan's universities to reopen
تجمع أساتذة جامعة شندي في وقفة احتجاجية ضد المجلس العسكريفي 18 نوفمبر الماضي. 0الصورة: صفحة التجمع عبر فيسبوك).

في غضون ذلك، استقال اثنان من مديري الجامعات احتجاجًا على الاتفاق المبرم، حيث أعلن محمد الأمين أحمد محمد، مدير جامعة النيلين، استقالته في رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، قال فيها: «الآن، وبعد تعيينك من قبل قيادة الانقلاب، فيما سمي بالاتفاق السياسي، لا يشرفني أن أعمل معكم». وبالمثل، أعلنت فدوى عبد الرحمن علي طه، مدير جامعة الخرطوم، استقالتها في بيان بتاريخ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر.

وجاء في بيان فدوى عبد الرحمن: «استقالتي تأتي احتجاجًا على الاعتداء على الطلاب في مجمع الوسط (بجامعة الخرطوم)، بعد انتهاك الحرم الجامعي من قبل قوات ترتدي الزي العسكري»، لكنها سرعان ما تراجعت عن الاستقالة، بعد مطالبة أعضاء بهيئة التدريس بعودتها «لتثبيت ما تحقق من مكاسب إدارية على مستوى جامعة الخرطوم ولصالح استئناف العملية الدراسية».

كما أعلنت مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم، رفضها للاتفاق السياسي، ودعم الحراك السلمي المناهض له «لتحقيق أهداف الثورة»، حيث واصلت جامعات مثل: شندي، والفاشر، وبحري، الاحتجاج ضد قيادة العسكريين للمسار الانتقالي.

«الوضع حرج جدًا. الطلاب يسحبون أوراقهم من الجامعات، وهم في السنوات الأخيرة، لعدم قدرتهم المادية على استكمال الدراسة. والوضع لم يعد محتملًا، بالنظر، كذلك، إلى الطلاب الذين ارتقوا خلال التظاهرات، والذين أصيبوا».

زينب الهواري
الطالبة بالسنة الثالثة في كلية الصيدلة بجامعة النيلين

وتقول منال عامر، نقيب الأساتذة بجامعة الخرطوم: «الرؤية غير واضحة، إلى متى تستمر الفترة الانتقالية؟ وكيف ستستمر؟ الفترة الانتقالية الأولى أجهضها العسكريون، من خلال سيطرتهم على قيادة المجلس السيادي. والمجلس نفسه ما زال يسيطر على المرحلة الانتقالية الجديدة». وتضيف: «أساتذة الجامعات يخشون من كون الانتخابات الديمقراطية لا تمثل أولوية في المرحلة الراهنة».

بدورها، تعبر دعاء الحسن، أستاذة العمارة بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، عن «عدم رفضها للاتفاق، ولكن مع وضع بنود ملزمة لتخلي العسكريين عن الحكم لصالح القوى المدنية طواعية، وخلال فترة محددة. وتوضح بالقول: «لسنا مع أو ضد الاتفاق السياسي، ولكن مع خطوط واضحة تحدد الخطوات المقبلة مع خريطة انتخابات عاجلة».

الطلاب في قائمة الضحايا

ولا تتوقف الخسائر الطلابية جراء الأزمة السياسية المتصاعدة في السودان، على تعثر مسارهم الدراسي، فبحسب لجنة أطباء السودان المركزية، وصل عدد قتلى الاحتجاجات المناهضة للإطاحة بالمدنيين، إلى «44 شهيدًا، ومئات المصابين. ومن بين من فقدوا حياتهم، خمسة طلاب، منهم: الطالب عثمان محمد من جامعة العلوم والتقانة. ومن جامعة النيلين: الطالب محمد آدم هارون، والطالبة ست النفور أحمد باكور من كلية التمريض، والطالب محمد انور الصديق عبد الله خريج كلية التربية، والطالب لؤي تاج أسير الذي تخرج حديثًا في كلية التربية».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

من جانبها، ترى زينب الهواري، الطالبة بالسنة الثالثة في كلية الصيدلة بجامعة النيلين، ضرورة «عودة الدراسة، دون التخلي عن الثورة والحراك السلمي»، في معادلة تصفها بـ«المستحيلة»، وتوضح أكثر، فتقول: «الوضع حرج جدًا. الطلاب يسحبون أوراقهم من الجامعات، وهم في السنوات الأخيرة، لعدم قدرتهم المادية على استكمال الدراسة. والوضع لم يعد محتملًا، بالنظر، كذلك، إلى الطلاب الذين ارتقوا خلال التظاهرات، والذين أصيبوا».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى