أخبار وتقارير

نازحون سوريون يروون لـ«الفنار» حكاياتهم مع التعليم المهني في إدلب

قبل سبع سنوات، اضطرت الحرب الأهلية في سوريا، الشاب باسل العموري (27 عامًا) إلى ترك دراسته بكلية الآداب في جامعة حماة، والنزوح مع أسرته من مدينة كفرزيتا، إلى إدلب شمال البلاد. واليوم، يشعر «العموري» أنه «محظوظ» بعدما انخرط في تعلم صيانة الأجهزة المنزلية بمعهد «عطاء المهني».

بدأ المعهد، الذي يتبع جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية – وهي منظمة إنسانية مسجلة في تركيا (2013) – منذ حزيران/يونيو 2020، بإطلاق رابط للتسجيل الإلكتروني للراغبين في التعلم. ووفق مقطع فيديو، نشرته الجمعية، على موقع «يوتيوب»، بلغ عدد المسجلين، خلال أسبوع واحد أكثر من 4 آلاف، تم قبول 352 طالبًا منهم، بين إناث وذكور، حسب معايير معينة «حيث كانت الأفضلية للفئات المستضعفة من ذوي الاحتياجات الخاصة، والأرامل، والأيتام».

وقدم المعهد «حوافز مالية شهرية للطلاب في حال حقق الطالب نسبة دوام تتجاوز 90%»، كما «تم تخريج 330 طالبًا وطالبة، أكثر من 40% منهم حصلوا على فرص ضمن اختصاصاتهم، فيما لجأ بعضهم إلى فتح مشروعه الخاص»، وفق الجمعية نفسها.

أقيم المعهد، بدعم من منظمة «سبارك» الهولندية، لتقديم شهادة دراسية في 12 تخصصًا مهنيًا، بهدف «توفير فرص تدريب مهني للشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عامًا، في الشمال السوري، وخلق فرص عمل».

«ارتفاع نسب البطالة في الشمال السوري إلى نسب غير مسبوقة كان دافعًا رئيسيًا لتأسيس معهد تعليمي يقدم شهادات في تخصصات يحتاجها سوق العمل في المنطقة».

فياض شغري
مدير المعهد

ويحصل خريجو المعهد، الذي تتراوح فترة الدراسة به بين ثلاثة وستة أشهر، على شهادة تعليمية في تخصصات عدة، أبرزها: «تمديدات كهربائية، وتمديدات صحية، وصيانة الأدوات المنزلية الكهربائية، وصيانة وتركيب أنظمة الطاقة شمسية، والحلويات والمعجنات، والحلاقة الرجالية، والحلاقة النسائية، والخياطة النسائية».

مثل آخرين، تمكن باسل العموري، بعد انتهاء فترة التدريب التي استغرقت ستة أشهر، من بدء مشروع لصيانة الأجهزة المنزلية في بلدة أطمة الحدودية مع تركيا، والتي يقطنها آلاف النازحين من مناطق الحرب في الداخل السوري.

ويقول «العموري» في تصريحات لـ«الفنار»، عبر رسالة صوتية: «لم أتصور قط أنني سأنقطع عن جامعتي، وأترك مدينتي، لأنتقل إلى حياة جديدة مليئة بصعوبات لا تحصى، لكن توافر فرصة التعليم البديلة خففت من وطأة النزوح، وساعدتني على الالتحاق بسوق العمل، وتوفير مصدر دخل لأسرتي، والأهم استعادتي لثقتي بنفسي بعدما تبددت الآمال والطموحات».

ويضيف: «طاردتنا أصوات المدافع وأزيز الطائرات وزخات الرصاص خلال النزوح، وكان هذا دافعًا رئيسيًا للبحث عن أي منفذ يساعدنا على الحياة الآمنة، وهو ما وجدته في فرصة التعليم المهني التي كانت بديلًا مقبولًا، وخاصة مع وجود سوق عمل لهذه المهن في الشمال السوري».

من جانبه، يقول فياض شغري، مدير المعهد، في اتصال هاتفي مع «الفنار»: «ارتفاع نسب البطالة في الشمال السوري إلى نسب غير مسبوقة كان دافعًا رئيسيًا لتأسيس معهد تعليمي يقدم شهادات في تخصصات يحتاجها سوق العمل في المنطقة. اخترنا التخصصات بعد دراسة احتياجات المجموعات السكنية في الشمال السوري، سواء كانوا سكانًا من أبناء المدينة أو نازحين».

يضيف «شغري»، وهو خريج قسم الإحصاء بكلية العلوم، جامعة حلب، ومقيم بمدينة إدلب: «الهدف من هذه التدريبات المهنية تأهيل كوادر للعمل في مهن مطلوبة بالشمال السوري، وتأمين خبرات لخلق فرص عمل للعاطلين الذين لم يستكملوا تعليمهم، والأولوية في اختيار الطلاب الذين يسجلون بآلالاف، تكون للفئات المستضعفة».

ويبلغ عدد الأساتذة في المعهد، الذي يحمل غالبيتهم شهادات جامعية، 12 مدربًا، من الجنسين. وقد صمموا مناهج دراسية للطلاب تتناسب مع الوقت المخصص للدورات التعليمية، ومستويات الدارسين المتفاوتة، بحسب «شغري».

من هؤلاء المدربين، أمون المحمود، مدربة الخياطة النسائية، والتي تتقاضى 250 دولار شهريًا، مقابل العمل لأربع ساعات يوميًا. بالنسبة لها، مثلت فرصة العمل وسيلة لتحسين ظروفها المادية والمعيشية، بعدما اضطرت إلى ترك بلدتها الأصلية كفرزيتا بمحافظة حماة، قبل سنوات، هربًا من العمليات العسكرية التي دمرت أغلب المناطق السكنية.

«رغم التحديات التي واجهتها في البداية، إلا أن العمل بعد تجربة النزوح والشتات أفادني في استعادة ثقتي بنفسي».

أمون المحمود
 مدربة الخياطة النسائية

وتقول «المحمود»، التي تقيم بمخيمات النازحين في بلدة أطمة، في رسالة صوتية لـ«الفنار»: «رغم التحديات التي واجهتها في البداية، إلا أن العمل بعد تجربة النزوح والشتات أفادني في استعادة ثقتي بنفسي».

وتوضح أكثر: «شملت هذه التحديات صعوبة وصول الطالبات للمعهد بسبب الازدحام وسوء الطرق، بالإضافة إلى عدم توفر الماكينات والمواد الأولية للمتدربات في منازلهن، حتى يطورن خبراتهن بشكل عملي، ومساعدتهن على الالتحاق بسوق العمل لاحقًا، وكذلك صعوبة دمج الطلاب كونهم من بيئات مختلفة من داخل القطر السوري».

الصعوبات ذاتها واجهتها نور (21 عامًا)، طالبة سابقة بالمعهد، بعدما انقطعت عن دراستها النظامية، إثر نزوح أسرتها من بلدة جرجناز. التحقت الفتاة السورية بالمعهد في تخصص الحلاقة النسائية لستة أشهر، قبل أن تبدأ مزاولة عملها الخاص من المنزل.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وعن تجربتها، تقول: «ساهمت في تجهيز عدد من العرائس داخل مخيمات النازحين وفي البلدة التي أسكن فيها، وقد ساهم ذلك في دخول عدد كبير من الخريجات سوق العمل». وتضيف: «أي فرصة تعليم بديلة تعد أمرًا ضروريًا لمساعدة آلاف النازحين والنازحات على استكمال حياتهم، وخاصة في ظل عدم قدرة المعاهد المهنية في الشمال السوري على استيعاب كل الراغبين في التعلم، والذين يعيشون على المعونات».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى