أخبار وتقارير

التعليم العالي في سوريا الممزقة.. قطاع متخم بالمشكلات وباحثون أمام مصاعب شتى

وسط تحديات جمة تواجه قطاع التعليم العالي في سوريا، جراء الحرب التي تمزق البلاد منذ أكثر من أحد عشر عامًا، جاءت فعاليات ندوة، عُقدت مؤخرًا، ضمن مؤتمر مجلس الأكاديميين المعرضين للخطر (كارا)، عبر الإنترنت، لتقدم فرصة لمناقشة المشكلة من أوجه متعددة، بواسطة باحثين سوريين من داخل وخارج البلاد.

نظم المؤتمر برنامج «كارا سوريا» الذي انطلق عام 2016 لدعم الأكاديميين المتضررين من الأزمة السورية، تحت عنوان: «أصوات من المجتمع الأكاديمي السوري»، حيث طرح المشاركون، خلال الفعاليات، التي جرت بين السادس والعاشر من كانون الأول/ديسمبر الجاري، دراسات شتى تتوافق مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

وقد ركز الباحثون على «الصعوبات تواجه إجراء البحوث متعددة التخصصات، بين الباحثين عبر الحدود، في ظل وجود فجوات ثقافية». (اقرأ المقال ذي الصلة: جامعات بريطانية توفر ملاذًا آمنًا للباحثين الهاربين من حروب الشرق الأوسط).

وعن ذلك، قال نضال عجاج، المحاضر السابق في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة حلب: «أصبحت البحوث متعددة التخصصات، والكتابة التعاونية متعددة المؤلفين شائعة على نحوٍ متزايد، بهدف حل المشكلات التي تتجاوز حلولها نطاق التخصص الواحد». وأضاف، وهو طالب دكتوراه بجامعة «كينت» البريطانية: «هذا النهج ساعد الأكاديميين السوريين المقيمين في تركيا، حاليًا، على نشر أبحاثهم في المجلات العلمية».

«أصبحت البحوث متعددة التخصصات، والكتابة التعاونية متعددة المؤلفين شائعة على نحوٍ متزايد، بهدف حل المشكلات التي تتجاوز حلولها نطاق التخصص الواحد».

نضال عجاج
المحاضر السابق في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة حلب

مع ذلك، قالت براء خضر، الباحثة السورية ما بعد الدكتوراه في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا بالسويد، إن هناك «توترات بين العلماء المقيمين في المملكة المتحدة، والسوريين في المنفى بسبب الاختلافات الثقافية واللغوية».

وأوضحت: «يميل الباحثون السوريون إلى قبول الاقتراحات التي قدمها أقرانهم الأجانب من دون أن يسعدهم ذلك، وقد فشلت بعض الأوراق البحثية، في مرحلة النشر، عندما لم يتمكن المؤلفون من التوصل إلى حل. لذلك، ولتجنب مثل هذه الاشتباكات، أقترح وجوب أن يحدد كل عضو من أعضاء الفريق أهدافًا واضحة، مع تبادل المعارف والخبرات في البداية، حتى يعرف الجميع ما الذي سيحصلون عليه من هذا التعاون». (اقرأ المقال ذي الصلة: التعليم العالي للسوريين في الوطن والمنافي … نقاش أكاديمي عابر للحدود)

«بودكاست» لتثقيف المزارعين السوريين 

وخلال الندوة نفسها، دار النقاش حول قيام مجموعة من الباحثين بإنتاج بودكاست من 15 حلقة لـ 1200 مزارع نازح في شمال غرب سوريا لتعزيز الزراعة المستدامة. وقال مارتن سبينيلي، أستاذ البث الإذاعي والوسائط الإبداعية في جامعة «ساسكس» البريطانية: «يروج زملاؤنا على الأرض للتطبيق (البودكاست) في أوساط المزارعين ويوضحون لهم طريقة استخدامه».

Syrian academics in exile
دار النقاش خلال الندوة حول قيام مجموعة من الباحثين بإنتاج بودكاست من 15 حلقة لـ 1200 مزارع نازح في شمال غرب سوريا لتعزيز الزراعة المستدامة. لقطة شاشة من الندوة عبر الإنترنت).

وقالت ميريلا باربو، المحاضرة الأولى في إدارة اللوجستيات وسلسلة التوريد، في كلية إدارة الأعمال بالجامعة نفسها، إن المبادرة تهدف إلى تحقيق الهدف الثاني للتنمية المستدامة للأمم المتحدة، وهو: «القضاء على الجوع». وأضافت: «تم تصميم جميع الأنشطة لإشراك المزارعين السوريين ومشاركة النتائج».

https://www.bue.edu.eg/

في حديثه عن دورة المعلومات الزراعية قبل الحرب، قال شاهر عبد اللطيف، وهو باحث مستقل وعضو في برنامج «كارا سوريا»: «كانت المراكز الزراعية في سوريا تقدم للمزارعين أحدث الأبحاث وتحصل على تعليقاتهم».

وأضاف «عبد اللطيف»، الحاصل على درجة الدكتوراه في الزراعة المائية والتكنولوجيا الحيوية من جامعة هومبولت في برلين: «البودكاست أتاح للمزارعين، إمكانية الوصول إلى المعرفة، والتقنيات، والممارسات الزراعية، لتحسين حياتهم في عصر يشهد تغيرات في المناخ». وقال: «سيكون لهذا تأثير طويل المدى على المزارعين. ويمكن استنساخ هذا المشروع التجريبي لمساعدة اللاجئين في مناطق الصراع الأخرى».

تحديات التعليم في شمال غرب سوريا

وفي إحدى الجلسات الختامية للندوة، ناقش قادة الجامعات والأكاديميون واقع وتحديات التعليم العالي في شمال غرب سوريا.

«كان هدفنا الحفاظ على الموارد البشرية في المناطق المحررة وتزويد المجتمع المحلي بالقدرات اللازمة لإعادة بناء ما دمرته الحرب».

عبد العزيز الدغيم
الاقتصادي السوري ورئيس جامعة حلب الحرة

وكان من بين المتحدثين، عماد برق، رئيس مجلس التعليم العالي بالحكومة السورية المؤقتة، وهي حكومة معارضة تشكلت عام 2013، ومقرها تركيا. وقد أنشأ المجلس، منذ العام 2015، عدة مؤسسات تعليمية في مناطق سيطرة المعارضة، منها جامعة حلب الحرة، كبديل للجامعات التابعة للحكومة المركزية في دمشق. (اقرأ المقال ذي الصلة: مستقبل مجهول في انتظار طلاب الجامعات في مناطق المعارضة).

وقال «برق» إن رؤية المجلس «تتمثل في إنشاء نظام تعليمي شامل، لبناء جيلٍ واعٍ يمكنه إعادة بناء بلده، وتعزيز البحث الأكاديمي، وتوفير فرص متساوية للوصول إلى التعليم العالي في شمال غرب سوريا، للسكان المحليين والنازحين على حدٍ سواء، فضلًا عن الحرص على إشراك المرأة في صنع القرار».

ويعمل «برق»، الذي درّس، سابقًا، علم الاجتماع في جامعة البعث بحمص، وجامعة تشرين في اللاذقية، عضو هيئة تدريس في جامعة حلب الحرة. ويوضح: «هناك 14,700 طالب في الجامعات الخاصة والعامة المنتسبة لمجلس التعليم العالي بالحكومة السورية المؤقتة، لكن عدد أعضاء هيئة التدريس هناك 225 فقط».

بدوره، قال عبد العزيز الدغيم، الاقتصادي السوري ورئيس جامعة حلب الحرة، إن جامعته «تلعب دورًا رئيسيًا في إقناع الطلاب في المناطق، خارج سيطرة النظام، بعدم الهجرة». وأضاف: «كان هدفنا الحفاظ على الموارد البشرية في المناطق المحررة وتزويد المجتمع المحلي بالقدرات اللازمة لإعادة بناء ما دمرته الحرب».

وأشار الدغيم إلى أن الجامعة، «على الرغم من مواردها المحدودة، أتاحت للطلاب دراسة الطب والصيدلة والصحة العامة والهندسة والإلكترونيات وعلم الأحياء والقانون والعلوم الإنسانية وغيرها من المواد. وتابع: «بعض الأكاديميين الذين يعيشون في تركيا بدأوا في العودة. لدينا 75 عضوًا تدريسيًا الآن، من بينهم ثمانية أساتذة و15 أستاذًا مساعدًا. احتفلنا بتخريج الدفعة الرابعة من طلابنا، بما في ذلك 600 طالب و17 من خريجي الطب».

فجوة معرفية وعزلة أكاديمية

في المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام السوري، «يعاني 65% من الطلاب من فجوات معرفية كبيرة بسبب النزوح وتعطيل التعليم والصدمات والحاجة إلى العمل». من واقع خبرته في العمل مع منظمة شفق، وهي مؤسسة غير حكومية تقدم الخدمات الإنسانية للسكان النازحين، تحدث عن الأزمة إبراهيم محمود، المحاضر السابق في جامعة حلب، قائلًا: «لدينا الكثير من المتسربين في التعليم الابتدائي، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات الالتحاق بالتعليم العالي».

تفتقر الأقسام العلمية إلى المختبرات. أنا أعطي محاضرات نظرية فقط. ليس لدينا معدات لإجراء التجارب. يؤثر هذا على جودة التعليم».

إبراهيم محمود
المحاضر السابق في جامعة حلب

وأضاف: «تفتقر الأقسام العلمية إلى المختبرات. أنا أعطي محاضرات نظرية فقط. ليس لدينا معدات لإجراء التجارب. يؤثر هذا على جودة التعليم».

وبدوره، أوضح فاتح شعبان، وهو أكاديمي سوري حاصل على درجة الدكتوراه في الجغرافيا البشرية، إن هناك مشكلة أخرى «تتمثل في تجزئة التعليم العالي في سوريا بين العديد من الهيئات الإشرافية»، وقال: «المؤسسات قد تكون تابعة للحكومة السورية المؤقتة، أو حكومة الإنقاذ المتحالفة مع هيئة تحرير الشام، أو السلطات التركية، أو قد لا تكون خاضعة لأية جهة على الإطلاق».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وتابع «شعبان»: «بالنسبة لكثيرين، يعتبر الاعتماد والاعتراف بالمؤسسات أكثر الأشياء حاجة في الوقت الحالي، كما أن هناك مشكلة أخرى، وهي عدم وجود وثائق سفر وقلة التأشيرات الممنوحة للأكاديميين السوريين، ما يشعرهم بالعزلة، وعدم القدرة على النشر، أو الحصول على وظائف في الخارج. النزوح المتكرر ترك الناس مُعدمين وغير قادرين على الاندماج في المجتمعات الجديدة».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى