أخبار وتقارير

عنف ودماء على طريق الانتخابات الطلابية في الجامعات الفلسطينية

على مدار أسبوعين، شهدت ثلاث جامعات فلسطينية أعمال عنف طلابية، أودت بحياة طالب بالجامعة العربية الأمريكية، وإصابة العشرات بجروح بجامعتي القدس وبيرزيت، ما أدى إلى تعليق الدراسة، وتجميد الحركات الطلابية.

وأعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الفلسطينية، في بيان رسمي، توقيع عقوبات تراوحت بين الفصل النهائي والإنذار، بحق «مثيري الشغب»، مع الدفع بمزيد من عناصر الأمن، وإطلاق مبادرة لنبذ العنف داخل الجامعات.

وشملت القرارات الجديدة لمجلس الجامعات الفلسطينية: «إعداد نظام جديد للعقوبات، سيتم طرحه على رؤساء الجامعات، وتشكيل لجنة لدراسة ظاهرة العنف بمؤسسات التعليم العالي، بالإضافة إلى اعتماد مدونة للسلوك الطلابي، واشتراط موافقة الطالب عليها قبل التحاقه بالجامعة».

يقول رائد بركات، المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، في اتصال هاتفي مع «الفنار»: «حوادث  القتل داخل الحرم الجامعي أمر جديد عليها، وخارج تقاليدنا الأكاديمية والمجتمعية، لذلك نشدد على تفعيل لوائح العقوبات في أنظمة الجامعات الداخلية».

وأضاف «بركات»، الذي يتولى منصب مدير عام التعليم الجامعي: «هناك لجنة شُكِّلت برئاسة وزير التعليم العالي، لبحث الأمور من جوانبها كافة، حتى تضع نهاية لهذه الأحداث المأساوية». وامتنع المتحدث باسم الوزارة عن إجابة سؤال حول مدى استعداد الجامعات لتنظيم الانتخابات الطلابية المؤجلة منذ عامين كاملين.

«حوادث القتل داخل الحرم الجامعي أمر جديد عليها، وخارج تقاليدنا الأكاديمية والمجتمعية، لذلك نشدد على تفعيل لوائح العقوبات في أنظمة الجامعات الداخلية».

رائد بركات
المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية

في المقابل، يعتقد أكاديميون وطلاب أن العقوبات الصادرة من مجلس الجامعات «غير كافية لاحتواء الاضطرابات الأخيرة، وأن هذه الموجة الجديدة من العنف تختلف عن الموجات السابقة التي شهدتها مؤسسات التعليم العالي خلال العقود الماضية». وفي ذلك، يقول مجدي حمايل، أستاذ القانون، ورئيس نقابة العاملين بجامعة القدس لـ«الفنار»: «سبب الاشتباكات الرئيسي هو شعور الطلبة بالإحباط من الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى عدم إجراء الانتخابات في موعدها، بمعظم الجامعات الفلسطينية، وكذلك تدخل الأجهزة الأمنية في دعم فصائل طلابية، خشية أن تكون النتائج عكس توجه السلطة الحاكمة في الضفة الغربية».

ويرى «حمايل» أن «الحل يبدأ من تغيير رؤساء هذه الجامعات، وعمداء شؤون الطلبة، ممن تقلدوا مناصبهم لأكثر من عشرين عامًا، والتي تسببت سياساتهم المتساهلة في الوصول بالجامعات إلى هذه المرحلة». ومن جانبه، يعتقد مصطفى جرار، أستاذ الذكاء الاصطناعي بجامعة بيرزيت، أن الجامعة ساحة لخلافات آخرين، من خارجها، يحاولون دفع الحركات الطلابية الممثلة لهم».

وشهدت جامعة بيرزيت، أقدم وأكبر جامعة حكومية فلسطينية، اشتباكات طلابية متكررة منذ بداية الفصل الدراسي، بحسب «جرار»، الذي أوضح في اتصال هاتفي مع «الفنار»، أن السبب الرئيسي لتكرار هذه الحوادث هو «عدم ردع الجامعة للطلبة الذين اعتدوا على غيرهم، في أحداث متفرقة، منذ بداية الدراسة».

شهادات طلابية حول العنف بالجامعات الفلسطينية

لم يتوقع الطالب الفلسطيني (خ.ي) (21 عامًا)، بكلية الاقتصاد وإدارة الأعمال، في جامعة بيرزيت، أن يسفر تمثيله إحدى الحركات الطلابية بانتخابات الكلية، عن إصابات متفرقة في جسده، وتجميد العملية الانتخابية برمتها، جراء الاشتباكات التي وقعت بين ممثلي الحركات المتنافسة.

ويؤيد طالب الاقتصاد، الذي طلب عدم ذكر اسمه، وجهة النظر التي «تتهم إدارة الجامعات بالتساهل مع المتسببين في الاشتباكات». ويضيف، في رسالة صوتية مسجلة لـ«الفنار»: «قدمنا شكوى إلى عمادة شؤون الطلبة منذ أسبوع كامل، بعد وقوع الاعتداء، لكن الجامعة لم تبادر بأيء شيء حيال المتهمين».

في تلك الأثناء، تطورت الاشتباكات بين ممثلي الحركات الطلابية المتنافسة، في الجامعات، إلى نزاعات بين الطلاب أنفسهم داخل الحركة الواحدة «بسبب التنافس على المناصب، كما حدث في حركة الشبيبة الطلابية، وهي الذراع الطلابي لحركة فتح، وذلك في جامعتي بيرزيت والجامعة العربية الأمريكية»، وفق شهادات طلابية من الجامعتين.

«السياق الاستعماري، والعنف المتولد منه، أهم عناصر فهم العنف الداخلي عند فئة الطلبة الذين يسيطر عندهم خطاب الفاعلية؛ ففيما يكبلهم الواقع، ويجعلهم عاجزين، يصبح العنف الداخلي محاولة تعويضية عن المواجهة مع الاحتلال».

علاء العزة
رئيس قسم العلوم الاجتماعية والسلوكية بجامعة بيرزيت

لكن، لماذا وصل التنافس بين الطلبة على الانتخابات إلى حد العنف؟ يجيب أحد ممثلي الحركات الطلابية بالجامعة العربية الأمريكية، (طلب عدم ذكر اسمه)، قائلًا: «السبب هو ما يتم وعد طلاب هذه الحركات به، من مناصب في السلطة والأمن بعد التخرج، خصوصًا إذا كان من ممثلي حركة فتح الطلابية، بالإضافة إلى تعامل الحركات الأخرى مع قضية الانتخابات على أنها محاولة لإثبات كل حزب لشعبيته، بسبب عدم وجود انتخابات تشريعية ورئاسية، ولهذا يعتبرون الانتخابات الطلابية مؤشرًا على رأي الشارع الفلسطيني».

بطريقة مغايرة، ينظر علاء العزة، رئيس قسم العلوم الاجتماعية والسلوكية بجامعة بيرزيت، إلى موجة العنف هذه، باعتبارها «من انعكاسات التفاعلات التي يشهدها المجتمع على الطلاب». ويقول «العزة»، الحائز على درجة الدكتوراه من جامعة رايس الأمريكية، في اتصال هاتفي مع «الفنار»: «السياق الاستعماري، والعنف المتولد منه، أهم عناصر فهم العنف الداخلي عند فئة الطلبة الذين يسيطر عندهم خطاب الفاعلية؛ ففيما يكبلهم الواقع، ويجعلهم عاجزين، يصبح العنف الداخلي محاولة تعويضية عن المواجهة مع الاحتلال».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ويضيف أن العنف أصبح «الأداة الأساسية للأجهزة الأمنية في ضبط المجتمع، ولهذا انعكاساته في طريقة حل المشكلات بين الأفراد، وبالتبعية على طريقة تعامل ممثلي الحركات الطلابية، خصوصًا إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الجسم الطلابي للحزب الحاكم هو المتهم المركزي في أحداث العنف»، لكنه يميز بين موجة العنف الأخيرة، والأحداث السابقة التي شهدتها الجامعات، بسبب «العوامل الجديدة التي طرأت على المجتمع الفلسطيني ككل، بما فيه الحركات الطلابية».

ويوضح «العزة» أن «العنف ليس بجديد، ولكن كان له معنى سياسي في السابق، أما الآن، فأصبح أميل إلى الاعتباطية والدوافع ما دون السياسية، وهنا تكمن الخطورة؛ كان هناك، في كثير من الأحيان، عنف مرتبط بصراعات الحركة الطلابية، أي التنافس ما بين الكتل المنتمية للتيارات الأيديولوجية، وكان هناك قليل من العنف المنبعث من دوافع شخصية كالذي نراه الآن».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى