أخبار وتقارير

هل نشأ التحنيط قبل ما يعرفه العالم بألف سنة؟ فريق بحثي يجيب

قبل عام واحد، انضمت سليمة إكرام، أستاذة علم المصريات بالجامعة الأمريكية في مصر، إلى فريق بحثي، للمساعدة في تحليل بقايا محنطة بمقبرة مكتشفة، حديثًا، جنوب منطقة سقارة الأثرية (غرب القاهرة)، للتأكد من «نسبة هذه البقايا للدولة القديمة»، في عملية بحثية «قد تؤدي إلى إعادة كتابة تاريخ التحنيط المصري«.

كان الهدف الأساسي من استدعاء عالمة الآثار الباكستانية، هو «المساعدة في إجراء أشعة سينية« لبقايا مقبرة «خوي» الفرعونية، من أجل «حسم الشكوك حول تاريخ بداية التحنيط عند الفراعنة، بعدما خالفت تقنيات التحنيط بالمقبرة المكتشفة، كل الأدلة الأثرية التي رجحت انتسابها للدولة الحديثة«، في مفاجأة «تخالف كل ما درجت عليه دراسة الآثار المصرية« بالمجتمع الأكاديمي.

يعود تاريخ اكتشاف المقبرة الفرعونية إلى نيسان/أبريل 2019، بواسطة البعثة المصرية لاسكتشاف المجموعة الهرمية للملك جد كارع إسيسي بجنوب سقارة برئاسة محمد مجاهد، والتي مولتها مؤسسة العلوم التشيكية. وقد اختارتها مجلة الآثار الأمريكية     (Archaeology Magazine)  كأحد أهم 10 اكتشافات أثرية، للعام نفسه، كما «صُنفت ضمن الاكتشافات الأكثر جذبًا للأنظار خلال العام الحالي«.

وعن مهمتها، قالت عالمة الآثار الباكستانية، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، لـ«الفنار«: «سحبنا عينات من البقايا المحنطة لتحليلها مرة ثانية عبر خاصية الكربون المشع الجديدة، في معامل المعهد الفرنسي بالقاهرة، والتي ستظهر نتائجها خلال الأشهر الستة المقبلة«.

«سحبنا عينات من البقايا المحنطة لتحليلها مرة ثانية عبر خاصية الكربون المشع الجديدة، في معامل المعهد الفرنسي بالقاهرة، والتي ستظهر نتائجها خلال الأشهر الستة المقبلة«.

سليمة إكرام
أستاذة علم المصريات بالجامعة الأمريكية في مصر

وأضافت: «إن تأكد انتماء المقبرة الفرعونية للدولة القديمة، فهذا سيجعلنا نعيد كتابة تاريخ التحنيط من جديد، لأن ذلك يعني أن تقنيات التحنيط الحديثة تم استخدامها قبل ألف سنة عما درسناه من أن استخدام تقنيات التحنيط بدأت مع الدولة الحديثة«.

ورغم توصل «إكرام«، الحائزة على جائزة التميز البحثي من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2007، لـ«انتساب البقايا المحنطة إلى الدولة القديمة، من خلال استخدام الأشعة السينية والتحليلات الكيميائية؛ لكن الفريق البحثي طلب منها مزيدًا من التأكيد من خلال استخدام خاصية استخدام الكربون المشع«.

على مدار الأعوام الأربعة الماضية، عمل نحو تسعة أعضاء في فريق بحثي مصري، في كشف مقبرة فريدة من نوعها لشخص يدعي «خوي» كان يشغل منصب «النبيل» لدى الملك، في أواخر عصر الأسرة الخامسة من الدولة القديمة.

وكانت زينب حشيش، أستاذة الآثار المصرية بجامعة بنى سويف، من أوائل الباحثين في الفريق، بعدما التحقت به، في عام 2018، كمتخصصة في عمل الإسعافات الأولية للبقايا المحنطة المتناثرة، والتي تم اكتشافها داخل حجرة الدفن، إلى جانب الفحص الأنثروبولوجي؛ لتحديد النوع، والعمر، والأمراض، في المقبرة الفرعونية المكتشفة.

https://www.bue.edu.eg/
زينب حشيش واحمد جبر من الفريق البحثي خلال عملية فخص البقايا المحنطة لمقبرة «خوي» الفرعونية. ( الصورة: زينب حشيش)

بدأت «حشيش» العمل في الاستكشافات الأثرية، كمفتشة آثار، في منطقة نائية، بمحافظة كفر الشيخ (شمال دلتا النيل)، عقب التخرج من  جامعة طنطا المصرية، قبل أن تحصل على دبلومة دراسية تخصصية في الفحص الأنثروبولوجي للبقايا العظمية الأثرية، ودورات تخصصية من جامعات في أمريكا وبريطانيا، ساعدتها على العمل كمدربة بمدرسة الحفائر الأمريكية بالجيزة، والتدريس الأكاديمي، في العام 2017.

وقالت «حشيش»، في اتصال هاتفي مع «الفنار»: «كل الأدلة الأثرية أكدت» أن صاحب المقبرة هو «خوي». مضيفة أن التصميم المعماري للمقبرة، من المناظر والنقوش والنصوص، «كلها تنتمي إلى الدولة القديمة».

وتستعيد الأكاديمية المصرية، بعض وقائع اكتشافها المقبرة الجديدة، فتقول: «أثناء قيام رئيس البعثة باستكمال أعمال التنظيف، والتسجيل للمجموعة الجنائزية للملك جد كا رع إسيسي، عام 2019، بدأت تظهر مصطبة جديدة، مميزة ببعض الدلالات الملكية، ومع استكمال أعمال التنقيب تم الكشف عن اسم صاحبها المدعو «خوي»، والذي يبدو من ألقابه، أنه مرتبط بصلة قرابة مع العائلة المالكة».

وقد تضمنت الأدلة الأثرية التي أرّخَت انتماء المقبرة للدولة القديمة، «وجود الأوانى الكانوبية الخاصة بالمقبرة الفرعونية، والتي تنتمي، أيضًا، لعصر الدولة القديمة»، بحسب «حشيش»، التي أوضحت أن وظيفة هذه الأواني «حفظ الأحشاء الداخلية المستخرجة من تجويف البطن، أثناء عملية التحنيط، فضلًا عن أن وجودها يؤكد أن صاحب المقبرة تم تحنيطه».

«كل الأدلة الأثرية أكدت» أن صاحب المقبرة هو «خوي». التصميم المعماري للمقبرة، من المناظر والنقوش والنصوص، «كلها تنتمي إلى الدولة القديمة».

زينب حشيش
أستاذة الآثار المصرية بجامعة بنى سويف

العامل الثالث، الذي توصل إليه الفريق البحثي ضمن اكتشافاته للمقبرة الفرعونية، يتمثل في «تأكيد الفحص الأنثروبولوجي لجميع البقايا المحنطة، التي تم العثور عليها داخل حجرة الدفن، أنها تعود إلى فرد واحد»، وفق أحمد جبر، أحد أعضاء الفريق، وهو مفتش آثار، متخصص في البقايا الآدمية.

وقال «جبر»، الذي عمل، أيضًا، لثلاث سنوات كمدرب في مدرسة الحفر الأمريكية بالجيزة، لـ«الفنار»:  «التقنيات المستخدمة في التحنيط للمقبرة الفرعونية، من كمية الزيوت الكبيرة، والكتان الموجود بكثافة وجودة عالية، تحاكي طريقة التحنيط المستخدمة في الدولة الحديثة وما بعدها».

وأوضح أن «نماذج الدولة القديمة في التحنيط قليلة»، وتستخدم طريقة مختلفة وهي طريقة القولبة، التي تعتمد على إضافة طبقة من مادة البلاستر على الجسم لمنحه الشكل العام، والطبيعي للجسم».

ورغم أهمية اكتشاف المقبرة الفرعونية في العام قبل الماضي، لكن «تتضاعف هذه الأهمية، بعد حسم الفريق لانتساب المقبرة للأسرة الملكية القديمة، كما أظهرت الأشعة السينية، والفحوصات الأنثروبولوجية».

لذلك، تقول سليمة إكرام: «إذا اتضح أنها مومياء تعود لتاريخ الدولة القديمة، فيتعين علينا مراجعة ما نعرفه عن التحنيط في ذلك الوقت، كما سيجعل مشروعنا ممتدًا، لفهم سبب تميز هذه المومياء، مقارنة بجميع المومياوات الأخرى، التي تم تحضيرها بطريقة مختلفة تمامًا».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويؤيد «جبر»، ما ذهبت إليه عالمة الآثار الباكستانية، حيث أوضح أن «ثبوت ارتباط البقايا المحنطة بالدولة القديمة، سيساهم في تغيير مفهومنا عن التحنيط، ويدفعنا لإعادة كتابة تاريخه من جديد، لأن ذلك يعني أن أساليب التحنيط المعروفة بارتباطها باكتشافات الدولة الحديثة، كانت موجودة قبل ذلك بألف سنة».

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى