أخبار وتقارير

معرض مئوية «فان ليو» بالقاهرة.. سيرة «الظل والنور» في وجوه المشاهير

من فوق جدران قاعة «فيتشر»، بالجامعة الأميركية بالقاهرة، تطل وجوه الشخصيات التي التقطتها عدسة فان ليو، المصور الأرمني المصري (تركيا، 1921- القاهرة، 2002)، ضمن فعاليات المعرض الذي تنظمه الجامعة، احتفالًا بمئوية الراحل الشهير، واسمه الأصلي ليفون ألكسندر بوياجيان.

المعرض الذي يحمل عنوان «فان ليو ــ القاهرة»، يضم 150 صورة من أرشيف الفنان، من مقتنيات مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة بالجامعة، بالإضافة إلى بعض أثاث الاستوديو الخاص به، بما في ذلك مكتبه «الآرت ديكو»، والحامل، الذي كان يعرض عليه أعماله، بالاستديو الذي امتلكه بشارع 26 يوليو، وسط القاهرة، إلى جانب بعض أوارقه الشخصية، كواحد من أبرز مصوري الفوتوغرافيا في القرن العشرين، وأحد رواد فن البورتريه المصور، في مصر.

يستقبل المعرض الزائرين منذ العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، ويستمر حتى العاشر من كانون الأول/ديسمبر الجاري، كما تعقد الجامعة، على هامشه، مجموعة من الفعاليات عن سيرة وأسلوب المصور الراحل.

هناك «جاذبية خاصة لبورتريهات فان ليو، من الصعب تفنيد مسبباتها»

هالة القوصي
 المخرجة السينمائية

ولد فان ليو، في العام 1921، وحين كان في الرابعة من العمر، هربت أسرته من تركيا، إلى مصر، في العام 1925. عاش طفولته بمدينة الزقازيق (شرق دلتا النيل)، قبل أن ينتقل، مع العائلة، إلى القاهرة عام 1930، حيث عمل الأب في شركة «الترام».

التحق «ليو» بالمدارس الأرمنية، ثم بالجامعة الأميركية عام 1940  لكنه لم يستكمل دراسته فيها؛ لشغفه بفن التصوير. بعد ذلك، بدأ العمل باستوديو «فينوس»، الذي كان يمتلكه مصور أرمني آخر، هو «أرتينيان»، ثم افتتح مع أخيه «أنجلو» سنة 1941 استوديو تصوير في غرفتين من بيت العائلة، أطلقا عليه اسم «استوديو أنجلو».

وفي سنة 1947، اشترى فان ليو استوديو «مترو» في شارع فؤاد (26 يوليو حاليًا) بوسط القاهرة، وحوّله إلى استوديو يحمل اسمه، وظل يعمل فيه حتى تقاعد بحلول العام 1998. وقبل وفاته أهدى «ليو» أرشيفه الشخصي إلى مكتبة الكتب النادرة بالجامعة الأميركية بالقاهرة.

تؤرخ الصور التي يضمها المعرض، لملامح شخصيات بارزة في تاريخ مصر الاجتماعي والثقافي والفني، إذ تضم العديد من الشخصيات الشهيرة، من أبرزها: طه حسين عميد الأدب العربي، والروائي يوسف السباعي،  والملحن محمد عبد الوهاب، والنجمة العالمية، ذات الأصول المصرية، داليدا، والفنان عمر الشريف، والفنان أنور وجدي، والفنان رشدي أباظة، والمخرج السينمائي شادي عبد السلام، بالإضافة إلى الممثلات فاتن حمامة، وماجدة الصباحي، والراقصة سامية جمال، والنجمة الاستعراضية شيريهان خلال طفولتها، وبعض هذه الصور لم يُعرَض من قبل.

رغم مرور عشرات الأعوام على التقاط تلك الصور ورحيل أصحابها، إلا أنها «ما تزال قادرة على لفت انتباه رواد المعرض، بفضل التقنيات التي ابتكرها فان ليو في تكوين الكادر، واختيار زوايا الإضاءة». وعن ذلك، يقول المصور الصحفي عماد عبد الهادي لـ«الفنار»: «يُظهر المعرض، بوضوح، التقنيات التي استعملها فان ليو في التقاط صور الأشخاص، أو ما يعرف بفن البورتريه».

ويشير «عبد الهادي»، وهو كبير مصوري صحيفة الأهرام المصرية، إلى أن الصور «تؤرخ كذلك لتحولات في التقنيات المستعملة، منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى نهاية القرن العشرين عند رحيل ليو». ويتابع «عبد الهادي» أن «مصدر السحر، في صور ليو، يأتي من شعوره بكاريزما الشخص الذي يقوم بتصويره، حيث تتميز أغلب صور المعرض بعناصر كاريزمية».

كما يبدد المعرض – يقول «عبد الهادي» – الانطباع الشائع عن «ليو» كـ«مصور للشخصيات الشهيرة، وتُظهر الكثير من الصور التي التقطها للكثير من الشخصيات المجهولة، أنه، كمصور رائد، طبعها بشخصيته  الفريدة، وصارت دالة على وجوده».

«في هذه الصور، تبرز أهم عناصر تكوين البورتريه، وهي الإضاءة، والتكوين، ووجهة نظر المصور في الشخصية، أو رؤيته لها»

عماد عبد الهادي
كبير مصوري صحيفة الأهرام المصرية

من جهتها، ترى المخرجة السينمائية هالة القوصي، أن هناك «جاذبية خاصة لبورتريهات فان ليو، من الصعب تفنيد مسبباتها». وتشير «القوصي» التي عُنيت بتوثيق مساهمة الأرمن في تطوير الفوتوغرافيا في مصر، إلى أن «ليو» كان «متمكنًا من أدواته على الصعيد التقني، لكن هذا ليس كل شيء، ولا يمكن أن يكون كل شيء، حين نتكلم عن منتج فني».

وفي حديثها مع «الفنار»، تقول هالة القوصي إن الصورة التي تُلتقط في استوديو خدمة بمقابل مادي يقدمها المصور لصاحب الصورة، لذلك فالمصور «ليس متحررا من عبء إرضاء الزبون، إلا أن فان ليو، بخلاف غيره من المصورين، كان يُصوّر نفسه كثيرًا، وتحول، في هذا الوضع، إلى زبون نفسه». وتضيف: «هذا الوعي بالذات هو الذي اختبره فان ليو بنفسه: كيف تقدم الذات نفسها، وكيف تتمثل بشكل ثنائي الأبعاد، في شكل صورة، وكيف تنكمش وكيف تتضخم في نفس الوقت».

ويضيف عبد الهادي: «في هذه الصور، تبرز أهم عناصر تكوين البورتريه، وهي الإضاءة، والتكوين، ووجهة نظر المصور في الشخصية، أو رؤيته لها»، معتبرًا أن فان ليو كان «بارعًا في تضفير هذه العناصر».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويحلل عبد الهادي «السمة الدرامية» في الصورة الشهيرة التي التقطها «ليو» لعميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، قائلًا: «اشتهرت هذه الصورة بسبب طابعها الدرامي الذي أوجدته إضاءة ليو، وعيًا بمأساة الحياة التي عاشها بطله مع ظلام أبدي (د. طه حسين كان كفيفًا)، بينما استعمل إضاءة جمالية ناعمة في اللوحات التي قدمها لنجوم ونجمات السينما». وبخلاف صور الأبيض والأسود، التي تميز تجربة المصور الأرمني الشهير الراحل، يشمل المعرض مجموعة من الصور الملونة التي كان يلونها «ليو» يدويًا بعد تصويرها باللونين الأبيض والأسود.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى