أخبار وتقارير

مهرجان «القاهرة للجاز».. «سفراء الأنغام» في ملتقى «دبلوماسية الموسيقى»

على مدار تسعة أيام، عانقت أنغام «الجاز»، سماء العاصمة المصرية، تحت مظلة مهرجان «القاهرة الدولي للجاز» Cairo jazz festival، في دورته الثالثة عشرة، والتي تنوعت أنشطتها ما بين الحفلات، ووش العمل، والمعارض، وغيرها.

ولعل هذه الدورة الأطول في عمر الحدث، الذي اختتم فعالياته الجمعة 5 نوفمبر/تشرين الثاني. ويقول المسؤول الإعلامي للمهرجان، مصطفى فاروق: «تعد هذه النسخة الأكبر في تاريخ المهرجان؛ فلأول مرة تمتد فعالياته لتسعة أيام، كما شاركت فيه 20 فرقة من 13 دولة، وهو أكبر عدد للمشاركات التي استضافها مهرجان الجاز عبر تاريخه».

أطلق المهرجان، لأول مرة، عام 2009، بمبادرة من عازف البيانو والمؤلف الموسيقي المصري، عمرو صلاح، بهدف إثراء الوعي المجتمعي بالموسيقى وألوانها، وتحديدًا موسيقى الجاز. ومن الناحية التاريخية، تعود نشأة موسيقى الجاز إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والمجتمعات الأمريكية الأفريقية منها على وجه التحديد، حيث بدأ يتشكل لديها هذا اللون الموسيقي مع أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وبرغم الجذور الأمريكية للجاز، إلا أن لونه الموسيقي الخفيف والسلس استطاع أن يعزز شعبيته الفنية على مستوى العالم.

«دبلوماسية الجاز»

«امتداد للانخراط عبر دبلوماسية الجاز، التي تعود إلى ستة عقود، منذ الزيارة التاريخية لمصر، التي قام بها نجم موسيقى الجاز الشهير لويس أرمسترونج».

جوناثان كوهين السفير الأمريكي بالقاهرة

وفي كلمة له بحفل الافتتاح، اعتبر السفير الأمريكي بالقاهرة، جوناثان كوهين، مشاركة فرق أمريكية بالفعاليات «امتداد للانخراط عبر دبلوماسية الجاز، التي تعود إلى ستة عقود، منذ الزيارة التاريخية لمصر، التي قام بها نجم موسيقى الجاز الشهير لويس أرمسترونج». ويمكن هنا استدعاء الصورة الفوتوغرافية الشهيرة للمغني وعازف الجاز الشهير، لويس أرمسترونج، وهو يعزف على آلة «الترومبيت»، بصحبة زوجته أمام الأهرامات، خلال زيارته الشهيرة إلى القاهرة في نهاية يناير1961. وتعتبر تلك الصورة، إلى اليوم، واحدة من أشهر لقطات أحد أبرز أيقونات الجاز الغربي في العالم.

في المسافة التي تفصل بين أرمسترونج (1901-1971) وبين الفرق الموسيقية الشابة، التي شاركت في مهرجان القاهرة للجاز، يمكن تأمل حركة التطوّر، التي لم يكف هذا اللون الموسيقي عنها، على مدار تلك السنوات؛ «فالجاز له سحره الخاص، يشبه البحر الواسع متعدد الألوان والدرجات، وهو ما يمكن تأمله في حفلات مهرجان الجاز هذا العام»، يقول «فاروق».

مشاركة أوروبية

وإلى جانب مشاركة ثلاث فرق أمريكية في المهرجان، برزت كذلك مشاركات أوروبية لافتة، منها فرق من: الدنمارك، والنمسا، ولوكسمبرج. وقد شاركت نحو عشر فرق أوروبية هذا العام، وساهم برنامج الاتحاد الأوروبي في مصر في رعاية تلك المشاركة، كما يقول المسؤول الإعلامي للمهرجان، الذي يضيف أن «استقرار حال السفر نسبيًا خلال الفترة الأخيرة، بعد عرقلة طويلة بسبب كوفيد-19، ساهم في زيادة وسلاسة وصول الفرق الأجنبية ومشاركاتهم، علاوة على الإقبال الملحوظ من الجمهور على حضور الحفلات».

حضور عربي 

وجاءت مشاركة السودان وفلسطين، في فعاليات المهرجان، كسابقة أولى للبلدين. وكانت الفلسطينية “بانه” Bannah، من أبرز المشاركين من مطربي الجاز، وقد سبق لها  تقديم حفلات عدة، ضمن مهرجانات غنائية مشابهة، منها: «مهرجان البحرين للجاز».

https://www.bue.edu.eg/

وتقول «بانه» لـ«الفنار» إن «المشاركة في مهرجان القاهرة للجاز، طموح لأي فنان عربي، خاصة لمن يغني موسيقى الفيوجن fusion (موسيقى مختلطة تجمع بين الجاز وموسيقى فلكورية متنوعة)، فالجاز ليس فقط لونًا موسيقيًا شهيرًا محبوبًا في العالم الغربي فقط، ولكن في العالم العربي أيضًا».

وقدمت الفنانة الفلسطينية عرضًا بعنوان «تحية للمغنيات Tribute to the divas»، متضمنًا أغنيات للعديد من نجمات العالم العربي والغربي. وعن ذلك تقول: «سعيدة بالعرض لأنني أغني بشكل متنوع، وبأكثر من أسلوب، وأكثر من لغة». وتروي «بانه» كيف تعلقت منذ صغرها بأغاني الجاز، سواء الغربية أو العربية، قائلة:  «كبرت ونشأت على أغاني فيروز، خاصة أغاني الجاز التي لحنّها لها زياد الرحباني، وأحاول دائمًا في حفلاتي دمج موسيقى الجاز مع الأغنية العربية التي أقدمها».

وتتابع: «في فلسطين، لدينا كثير من المطربين الذين يغنون الجاز، فهو لون موسيقي وغنائي له جمهور في كل مكان».

أساطير الجاز

وتم تكريم المُلحن اللبناني زياد الرحباني، خلال فعاليات الدورة الثانية من المهرجان، التي أقيمت عام 2010. أما في دورة العام الجاري، تم تكريم اثنين من رواد موسيقى الجاز في مصر، وهما: الموسيقار المصري هاني شنودة، ومجدي بغدادي.

ويبرز إحياء سيرة ملهمي الجاز، ضمن أهداف المهرجان، سواء عبر التكريم، أو الفعاليات التي تسعى لمد الجسور بين الجمهور من الجيل الجديد، ورواد هذا اللون الموسيقي.

«كبرت ونشأت على أغاني فيروز، خاصة أغاني الجاز التي لحنّها لها زياد الرحباني، وأحاول دائمًا في حفلاتي دمج موسيقى الجاز مع الأغنية العربية التي أقدمها».

بانة فنانة فلسطينية

وفي هذا السياق، تم تنظيم معرض «أساطير الفرق المصرية»، الذي يضم عشرات الصور الفوتوغرافية حول أبرز الفرق الموسيقية المصرية المرتبطة بفن الجاز على مدار تاريخها، منها فرقة «المصريين»، و«لو بيتيت شاتس les petit chats»، و«سكاي روكيتس»، بالإضافة إلى صور أبرز نجوم الجاز، ومنهم: إسماعيل الحكيم، نجل الكاتب والمفكر الراحل توفيق الحكيم، وبوب عزام. وإلى جانب الصور الفوتوغرافية لعدد من الحفلات المتفرقة لتلك الفرق، أضاف منظمو المعرض حكايات مُدونة بجوار الصور، تمنح الزوار لمحة أكثر اتساعًا وإحاطة، بقصة ظهور كل فرقة منها في سياقها التاريخي.

وبجوار الركن المخصص لصور الفنان هاني شنودة، يستطيع الزائر قراءة كلمات عن تشجيع أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ، لشنودة على توظيف موسيقى الجاز الغربية في الأغنية العربية، ومن هنا أسس فرقته الشهيرة «المصريين».

وبحسب القائمين على المهرجان، فإن هدف المعرض «توثيق هذا التاريخ بكل تفاصيله الموسيقية والاجتماعية، لتقديمه إلى الأجيال التي لم تعش التجربة، ولم تسمع عنها، ولم تتأثر بها مباشرة، ولكن شهدت تأثيرات بعيدة لها في المشهد الموسيقي المعاصر».

شراكة ثقافية وتعليمية

تم تنظيم المعرض داخل قاعة «مارجو فيون»، بمركز التحرير الثقافي، التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة. ووفق مدير المركز طارق عطية، كان للمركز دورًا في عرض وتنسيق صور الفرق المصرية، بطريقة تجعل الزائر، وكأنه جزء من تجربة درامية خاصة، ليشعر كما لو كان في حفل جاز لفرقة من الفرق المصرية القديمة.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويوضح «عطية» طبيعة ذلك الدور قائلًا: «كنا على تواصل مستمر، مع منظمي المهرجان، حول كيفية حكي قصص الفرق المصرية على جدران الجاليري، بحيث تبدو كرحلة شيقة ترصد ستينات القرن الماضي، وصعود فرق الجاز في مصر. وكما اهتممنا بتوفير فرصة للجمهور للاستمتاع بحفل موسيقي؛ سعينا كذلك لاستضافة ندوات معرفية لموضوعات ذات صلة، منها: تاريخ الجاز، على سبيل المثال».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى