أخبار وتقارير

قمة جلاسكو للمناخ: كلمة السر «تعهدات الكبار»

مثل أفعى تضغط ببطء على فريستها حتى الموت، تحوّل تغير المناخ في العقود الثلاثة الماضية من كونه قضية غير مريحة إلى حد ما، إلى حالة طوارئ عالمية تهدد الحياة.

بهذه العبارة البليغة، تلخص الأمم المتحدة واقع أزمة الاحترار العالمي، بالتزامن مع انطلاق أعمال مؤتمرها بشأن تغيرالمناخ (كوب 26)، في جلاسكو باسكتلندا، الإثنين، بعد الافتتاح الرسمي له مطلع هذا الأسبوع، حيث «يراهن العالم على الفرصة الأخيرة، بالمعنى الحرفي للكلمة، لتغيير المسار، ما لم يتم اتخاذ إجراء حاسم»، بتعبير الأمين العام للمنظمة الدولية الرفيعة، أنطونيو جوتيريش.

المؤتمر الذي يستمر لأسبوعين، يشارك فيه أكثر من مائة وعشرين من قادة الدول والحكومات، منهم الرئيس الأميركي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ونظيره الأسترالي سكوت موريسون المدافع الكبير عن استخدام الفحم، إذ إنّ بلاده هي المصدّر الأكبر له عالميًا، وفق موقع “DW” الألماني.

ويغيب عن المؤتمر لاعبون رئيسيون مثل الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي تسجل بلاده أكبر كمية من انبعاثات غازات الدفيئة، وقد طرحت أهدافًا لخفضها لكن خبراء يعتبرونها «غير طموحة»، بحسب الموقع نفسه. كما يغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تعتبر بلاده «من كبار الملوّثين في العالم»، فضلًا عن البرازيلي جايير بولسونارو «المتّهم بالسماح بقطع أشجار الأمازون بشكل كثيف».

وفق جدول أعمال المؤتمر، بحسب الدولة المضيفة، المملكة المتحدة، فإن المفاوضات بين الوفود المشاركة ستبدأ بالجانب الفني أولًا، قبل أن تصل إلى المسؤولين الحكوميين. وفي نهاية المطاف، تُطرح محصلة كل ذلك أمام اجتماعات وزارية رفيعة المستوى، ولرؤساء الدول في الأسبوع الثاني، عندما يتم، أو لا يتم، اتخاذ القرارات النهائية.

ويناقش المؤتمر نقاطًا عدة، أبرزها: تأمين صافي الصفر العالمي بحلول منتصف القرن، والحفاظ على 1.5 درجة مئوية في متناول اليد. وللقيام بذلك، تحتاج البلدان إلى التعجيل بالتخلص التدريجي من الفحم والحد من إزالة الغابات، وتسريع التحول إلى اقتصادات أكثر إخضرارًا.

هذا الهدف المأمول طرحه اتفاق باريس بشأن المناخ في عام 2015، والذي دخل حيز التنفيذ رسميًا في 4 نوفمبر 2016، لكن «إخلال» الدول المتقدمة بالتزاماتها «أفشل» ذلك الاتفاق، بعد تأخر مساهمة الدول الغنية بحصتها في الالتزام بتمويل مكافحة تغير المناخ، بقيمة 100 مليار دولار سنويا للدول النامية «لمساعدتها على التكيف مع الظاهرة، والتخفيف من حدة الارتفاع الإضافي في درجات الحرارة»، وهو ما فاقم معاناة مناطق ومجتمعات عدة من ظروف بيئية متدهورة، كما يقول الباحث المصري في التغير المناخي، صابر عثمان.

«المؤتمر الحالي لن يساهم في إحداث تغير ملموس، ما لم تلتزم الدول المتقدمة بالوفاء بتعهداتها، عبر آليات تنفيذ وتمويل لمبادرات الحد من الاحترار بدعم الدول النامية، والتعاون معها في نقل التكنولوجيا وبناء القدرات».

صابر عثمان
الباحث المصري في التغير المناخي

ويعتقد «عثمان»، المدير السابق لبرنامج التكيف مع تغير المناخ بجهاز شؤون البيئة المصرية، أن المؤتمر الحالي «لن يساهم في إحداث تغير ملموس، ما لم تلتزم الدول المتقدمة بالوفاء بتعهداتها، عبر آليات تنفيذ وتمويل لمبادرات الحد من الاحترار بدعم الدول النامية، والتعاون معها في نقل التكنولوجيا وبناء القدرات».

ويتفق الباحث المصري مع الأراء القائلة بصعوبة تنفيذ أي توصيات للمؤتمر، في ظل الركود الاقتصادي الذي يشهده العالم جراء وباء كوفيد-19، وهو ما يهدد بتكرار نهج عدم الالتزام بمخرجات مؤتمرات مماثلة.

ويقول «عثمان»، الذي درس قضايا تغير المناخ بجامعة شرق أنجليا البريطانية، أن الاحتباس الحراري يحدث نتيجة للأنشطة البشرية خاصة حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات، والتي زادت عن  أي وقت مضى، مما انعكس في آثار شديدة الضرر، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر عن المستويات الطبيعية، والظواهر المناخية المتطرفة من فيضانات وموجات حر شديدة.

وخلال الأعوام القليلة الماضية، شهدت دولًا عدة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقوع فيضانات، وحرائق غابات، وموجات حر قياسية، وتساقط ثلوج. ومن تلك الدول، الكويت والعراق، حيث سجلت درجات الحرارة فيهما ارتفاعات قياسية تجاوزت أكثر من 53 درجة مئوية.

وبحسب تقديرات للأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، فإن الحماية العالمية للمناخ ستتطلب تمويلًا سنويًا بقيمة 800 مليار دولار، كما أشارت إلى ذلك المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها، أنجيلا ميركل في كلمتها أمام مؤتمر جلاسكو.

«توظيف استخدام البيانات يمثل حلًا بديلًا، حيث يمكن استخدامها في مسألة التنبؤ بالمخاطر البيئية، وتصميم برامج للتكيف مع هذه التغيرات الناجمة عنها».

ريتشارد فولك
أستاذ القانون الدولي في جامعة برينستون الأميركية

وشملت مقترحات بعض قادة الدول، في اليوم الأول لمؤتمر جلاسكو، تسعير الكربون كوسيلة فعالة لحماية المناخ، وتطبيق نظام فرض سعر على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الضارة بالمناخ، واستخدام هذه الموارد لتوفير محفزات على الاستثمار في مصادر نظيفة للطاقة. وبدوره، تبنى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيرتش، مبادرة لتشكيل مجموعة خبراء، لقياس وتحليل التزامات الجهات غير الحكومية، فيما يتعلق بصافي الانبعاثات الصفري.

من جانبه، يقول أستاذ القانون الدولي في جامعة برينستون الأميركية، ريتشارد فولك، لـ«الفنار» إن التركيز على الحاجة للاستعداد الكامل لمواجهة أوجه الضعف، والصدمات، والضغوط الناجمة عن تغير المناخ «يتطلب من قادة دول العالم، في المؤتمر، البحث في مجال الابتكار القائم على البيانات، في مجموعة من السياقات، كوسائل غير مكلفة لحماية الشعوب في الدول النامية من آثار التغيرات المناخية»، مشيرًا إلى أن الالتزامات المالية «لطالما شكلت عائقًا» أمام تنفيذ تعهدات الدول في القمم السابقة.

ويقود «فولك» مشروعًا بحثيًا حول الطوارئ المناخية، التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويتضمن المشروع نشر كتب حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لتغير المناخ داخل بلدان المنطقة، وآثاره على نوعية الحياة السياسية وحماية حقوق الإنسان.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ويضيف الباحث الأميركي: «توظيف استخدام البيانات يمثل حلًا بديلًا، حيث يمكن استخدامها في مسألة التنبؤ بالمخاطر البيئية، وتصميم برامج للتكيف مع هذه التغيرات الناجمة عنها، والتي انعكست على التربة والمياه العذبة والتنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، ما أدى في نهاية المطاف إلى ظهور ما يعرف بلاجئي المناخ». وفيما يرى «فولك» أن «الرهان على حدوث تحولات في سياسات الدول الكبرى أمرًا ليس في محله لأسباب اقتصادية وأيديولوجية»، يشدد على «تعاظم الحاجة إلى تعزيز آليات التنبؤ المسبق القائم على البيانات لمحاولة تقليل آثار التغيرات المناخية».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى