أخبار وتقارير

تحديات في طريق «مولنوبيرافير».. أول دواء بالفم لفيروس كورونا

في خطوة قد تزيح تلالًا من الأعباء عن كاهل القطاعات البحثية والطبية، حول العالم، يأتي إعلان شركة الصناعات الدوائية الأمريكية «ميرك» Merck، عن أقراص «مولنوبيرافير»، كدواء للمصابين بفيروس كورونا، مثل بصيص أمل في نهاية النفق.

ومع تفاؤل الكثيرين بقرب إنتاج دواءٍ يؤخذ عن طريق الفم، ضمن جهود التصدي للوباء المنتشر عالميًا، منذ نحو عامين، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض التحديات، كما يقول باحثون وخبراء.

الشركة الأمريكية، التي قالت إن تلك الأقراص أظهرت نتائج مشجعة لعلاج الفيروس، تقدمت بطلبٍ لهيئة الدواء والغذاء الأمريكية للتصريح بالاستخدام الطارئ لعقارها الجديد، كما أقرته هيئة الدواء في بريطانيا كأول علاج لأعراض كوفيد 19 عن طريق الأقراص. ويعد «مولنوبيرافير» أول عقار، يستخدم عن طريق الفم، لعلاج كوفيد-19، خلافًا للأدوية الأخرى المصرح بها، والتي تؤخذ عن طريق الوريد أو الحقن.

وتعتمد طريقة عمل العلاج الجديد على النفاذ إلى خيوط الحمض النوي النامية لإحداث الفوضى بها، فمن المعروف أنه بمجرد دخول الفيروس إلى الجسم، يبدأ في نسخ جينوم حمضه النووي لتكوين فيروسات جديدة. في المقابل، يعمل العقار على إدخال أخطاء في الشفرة الجينية للفيروس، ما يؤدي إلى إنتاج نسخ معيبة منه في الجيل التالي من جينوم الفيروس، تؤدي إلى إنتاج طفرات تساهم في انهيار مزرعة الفيروس داخل الجسم.

تأتي أهمية الدواء الجديد في تقديم العلاج للمرضى، في وقت مبكرٍ من الإصابة بالفيروس، بما يحول دون اكتظاظ المستشفيات بالمصابين، وخاصة في الدول التي لا تزال فيها نسب التطعيم متدنية.

ويقول إسلام حسين، الباحث المتخصص في علم الفيروسات بولاية بوسطن الأمريكية:  «مولنوبيرافير دواء فعال بدرجة ممتازة، حيث أثبتت التجارب السريرية أنه يخفض من معدل دخول المستشفى والوفاة بنسبة 50%. وبالتأكيد، فإن توافر أدوية فعالة مثله، جنبًا إلى جنب مع اللقاحات، سيلعب دورًا مهمًا في تقليل الحاجة إلى العلاج بالمستشفى أو حدوث وفيات. كما من المحتمل أن يؤدي إلى إنهاء الجائحة على المدى الطويل، ومن أهم مميزات الدواء الجديد أنه يؤخذ عن طريق الفم بسهولة».

«مولنوبيرافير دواء فعال بدرجة ممتازة، حيث أثبتت التجارب السريرية أنه يخفض من معدل دخول المستشفى والوفاة بنسبة 50%»..

إسلام حسين
الباحث المتخصص في علم الفيروسات

التجارب السريرية

ويشير البيان الصحفي الصادر عن شركة ميرك إلى أن التجارب السريرية الأولى على العقار، والتي أجريت على 775 مريضًا من المصابين بكوفيد-19، بينت أن 7.3% فقط، ممن تلقوه احتاجوا الدخول إلى المستشفى لتلقي العلاج السريري، مقابل 14.1%  ممن أعطوا علاجًا وهميًا. وبينما لم يمت أي ممن تناولوا «مولنوبيرافير»، توفي ثمانية مصابين ممن تلقوا العلاج الوهمي فيما بعد.

في ضوء ذلك، يعتقد حسين أن «الصورة لا تزال غير مكتملة. حتى الآن، تم إجراء تجربة مرحلة ثالثة لتقييم هذا الدواء. وتضمن التقييم الأولي للنتائج بيانات من حوالي ٧٥٠ شخصًا شاركوا في التجربة. وبناءًا على فعالية الدواء الملحوظة، توقف تضمين المزيد من المرضى. ومن المتوقع أن تحتوي الورقة البحثية التي ستنشرها الشركة على المزيد من التفاصيل، وربما المزيد من البيانات عن عدد أكبر من خضعوا للتجارب على الدواء».

وفيما يرى حسين أن «النتائج المتاحة توحي بدرجة أمان عالية للدواء» إلا أنه يقول إنه «من الصعب الآن الحكم على جميع جوانب سلامة العقار الجديد، في ظل غياب نتائج تفصيلية منشورة في ورقة علمية محكمة، من المتوقع أن تصدر قريبًا». ويضيف: «لكن لا يجب أن نغفل قرار هيئة الدواء البريطانية التي منحت هذا الدواء تصريحًا بالاستخدام الطارئ. وفي الغالب، فإن هذا القرار اعتمد على فحص دقيق لنتائج الفاعلية والسلامة. ومن المرجح أن تتضح الصورة بشكل أفضل في المستقبل القريب».

توافر دواء «مولنوبيرافير» عالميًا

بحسب بيان شركة «ميرك»، فإنها تلتزم بالوصول العالمي للدواء، وقد وقعت اتفاقيات طوعية، غير حصرية، مع شركات لتصنيعه في مختلف أنحاء العالم، لتسهيل وصوله إلى 100 دولة من الدول، ذات الدخل المتوسط والمنخفض.

«المشكلة الكبيرة التي ستواجهنا ستكون في سرعة التشخيص حيث يتطلب الدواء الجديد أن يؤخذ في الأيام الأولى من حدوث الإصابة».

أحمد رفعت  
أستاذ الأورام بكلية الطب في جامعة أسيوط

وعن ذلك، يتساءل عالم الفيروسات الجزيئية، حول إمكانية توفر هذا العلاج، وخاصة بالنسبة للدول الفقيرة. ويقول: «أهم العقبات التي تواجه توفر هذا الدواء عالميًا هي سعره المرتفع، والمتوقع أن يصل إلى سبعمائة دولار أمريكي للدورة العلاجية الواحدة لمدة ٥ أيام، لكن هناك أيضًا خطوة جيدة اتخذتها الشركة المنتجة، وهي منح ترخيص لبعض الشركات في الهند، لتصنيع الدواء وبيعه بسعر يتراوح ما بين 15 و20 دولار بالدول ذات الدخل المحدود».

وقد تقدمت عدة دول بطلبات لشراء الدواء، ومنها فرنسا التي طلبت 50 ألف جرعة، والولايات المتحدة التي طلبت 3.1 مليون دورة علاجية، مقابل 2.2 مليار دولار. وطلبت الحكومة اليابانية شراء 1.6 مليون دورة علاجية من العقار. أما بريطانيا، التي تواجه إصابات من بين الأعلى في العالم، فقد أكدت حكومتها، في 20 أكتوبر/تشرين الأول، أنها طلبت 480 ألف دورة علاجية من الدواء نفسه. وقال وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد في بيان صحفي: «إنه يوم تاريخي لبلادنا، لأن المملكة المتحدة باتت أول دولة في العالم توافق على مضاد للفيروسات يمكن تناوله في المنزل للعلاج من كوفيد-19»، مضيفًا: «سيغير ذلك وضع الأفراد الضعفاء، والذين يعانون من قصور في المناعة، بتمكينهم قريبًا من استخدام هذا العلاج الثوري».

مخاطر وتحديات

على الجانب الآخر، يرى باحثون أن ثمة مخاوف بشان درجة الأمان الخاصة بالعقار. ويقول أحمد رفعت أستاذ الأورام بكلية الطب في جامعة أسيوط: «أي علاج له أضرار جانبية، ولم تنته التجارب على الدواء حتى الآن، لمعرفة التفاصيل كافة بشأنه. ميرك شركة كبيرة ولها رصيد كبير من الثقة. ولكن ما وصل إلينا حتى الآن هو البيان الصحفي الخاص بالشركة فقط، وننتظر نتائج رسمية قريبًا». ويرى رفعت أنه حال نجاح العلاج فإن «المشكلة الكبيرة التي ستواجهنا ستكون في سرعة التشخيص حيث يتطلب الدواء الجديد أن يؤخذ في الأيام الأولى من حدوث الإصابة».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

علاجات أخرى

وتتسابق شركات الأدوية، راهنًا، للحصول على تراخيص لاستخدام عقارات أنتجتها لعلاج فيروس كورونا، مثل شركة «فايزر» التي أنتجت عقار «باكسلوفيد»، وشركة التكنولوجيا الحيوية «آتيا فارماسيوتيكالز» Atea Pharmaceuticals في بوسطن، بولاية ماساتشوستس الأمريكية، حيث تعمل على تطوير عقار مضاد للفيروسات. وبالمثل، تعمل شركة «جيلياد ساينسز» من أجل تطوير نسخة على هيئة أقراص من عقار «ريمديسفير».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى