أخبار وتقارير

السودان: الإضراب سلاح القطاع الأكاديمي لمناهضة الإطاحة بالمدنيين

فيما لا تزال الأزمة السودانية تراوح مكانها، بعد عشرة أيام من إطاحة الجيش بالحكومة المدنية، برئاسة عبد الله حمدوك، تلجأ قطاعات أكاديمية إلى توظيف سلاح الإضراب العام، من أجل المطالبة بإعادة المدنيين إلى السلطة.

ونظمت الوثيقة الدستورية، التي أبرمت بين ممثلي القوى المدنية، وقادة الجيش السوداني، في العام 2019، شراكة إدارة السلطة في السودان بين المدنيين والعسكريين، عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، في انتفاضة شعبية، في وقت سابق، من العام نفسه. (إقرأ التقرير ذو الصلة: الجامعات السودانية مغلقة حتى إشعار آخر)

وكان من المقرر أن يتناوب العسكريون والمدنيون على رئاسة “مجلس السيادة” الذي يقود المرحلة الانتقالية حتى إجراء انتخابات عامة في يوليو 2023، غير أن قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، استبق موعد تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى الشريك المدني، وأصدر حزمة قرارات، في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، قضت بحل حكومة حمدوك، ومجلس السيادة، مع تعديل بعض نصوص الوثيقة الدستورية، بما يعيد تشكيل الخارطة السياسية في المشهد العام ككل.

وبينما وعد البرهان بتشكيل حكومة مدنية جديدة، تحت شعار “تصحيح مسار الثورة”، لم يعلن عنها بعد، تتزايد الضغوط المحلية والدولية على قادة الجيش من أجل التراجع، وإعادة إشراك المدنيين في السلطة، والإفراج عن المعتقلين.

وشهدت المدن السودانية مظاهرات حاشدة، يوم السبت 30 أكتوبر/تشرين الأول، ضد الإطاحة بالمدنيين، سقط خلالها نحو 15 شخصًا، وأصيب حوالي مائتين، بحسب بيان نقابة اطباء السودان الشرعية على فيسبوك. وعقب تلك التظاهرات، توقفت الدراسة في الجامعات والمعاهد والمدارس بجميع أنحاء البلاد.

“مطالبنا واضحة ولن نتراجع عنها، ونعتبر ما حدث انقلابًا عسكريًا حتى عودة الأمور إلى طبيعتها”.

نقيب الأساتذة بجامعة الخرطوم  منال عامر

كجزء فاعل في هذا المشهد، ينشط القطاع الأكاديمي في السودان، ضمن التحركات الأهلية المناهضة لقرارات الجيش، حيث أصدر تجمع المهنيين السودانيين، وهو تنظيم يضم النقابات السودانية كافة، بيانًا، أمس الخميس، عبر فيسبوك جدد فيه الدعوة إلى العصيان المدني، يومي 7 و8 نوفمبر.

وكان تجمع أساتذة الجامعات والكليات والمعاهد العليا السودانية، قد دعا، في وقت سابق، منتسبيه إلى الإضراب عن العمل، والعصيان المدني حتى عودة الديمقراطية. وقال في بيان نشر بصفحته الرسمية عبر فيسبوك في 31 أكتوبر/تشرين الأول: “عندما تكون الحصة وطن، يكون واجبنا المهني والأخلاقي والثوري أن نؤديها في الشوارع… وكما علمتنا التجربة: إن الشوارع لا تخون. ندعوكم إلى الاصطفاف في خط الثورة والإضراب السياسي الشامل عن العمل وقوفًا ضد الانقلاب المشؤوم على إرادة الشعب. ونقول لمن في عينهم رمد، لا لن نعود الي الوراء، ومكانكم مزبلة التاريخ”.

الأساتذة في صدارة المشهد

ولم يكن الأساتذة بمنأى عن الهم العام، إذ أعلنت الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم في بيان عبر الفيسبوك عن مشاركتها في العصيان المدني، بالإضافة إلى جامعات حكومية أخرى.

أساتذة جامعة الخرطوم يرفعون لافتات لدعم التحول المدني الديمقراطي في البلاد يوم 30 أكتوبر . (الصورة: مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم).
أساتذة جامعة الخرطوم يرفعون لافتات لدعم التحول المدني الديمقراطي في البلاد يوم 30 أكتوبر . (الصورة: مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم).

ونظم عدد من الأساتذة بجامعة الخرطوم، وقفة تضامنية، رفعوا فيها لافتات تحمل عبارات تقول: “لا للحكم العسكري” و”إخراج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية ” و”دعم التحول المدني الديمقراطي”. وتقول نقيب الأساتذة بجامعة الخرطوم، منال عامر، في تصريح إلى “الفنار”: “الوضع الحالي معقد، اتخذنا قرارًا بالمشاركة في العصيان المدني، والإضراب الشامل عن العمل، بناءًا على قرار لجنة الطوارئ في النقابة، نيابة عن مجلس النقابة، للمشاركة مع النقابات والاتحادات في البلاد كافة. وسنواصل ذلك حتى عودة الديمقراطية والحكم المدني. مطالبنا واضحة ولن نتراجع عنها، ونعتبر ما حدث انقلابًا عسكريًا حتى عودة الأمور إلى طبيعتها”.

“نساند التحول المدني الديمقراطي، وهناك إضراب عام، وعصيان مدني، ينفذه الجميع، ومنهم أعضاء هيئة التدريس. ولن يثنينا قطع الإنترنت والاتصالات، وتحويل البلاد إلى سجن كبير، عن المشاركة في أعمال الثورة”.

أنور دفع الله، رئيس مؤسسة الباحثين السودانيين

من جانبه، يقول رئيس مؤسسة الباحثين السودانيين أنور دفع الله: “نساند التحول المدني الديمقراطي، وهناك إضراب عام، وعصيان مدني، ينفذه الجميع، ومنهم أعضاء هيئة التدريس. ولن يثنينا قطع الإنترنت والاتصالات، وتحويل البلاد إلى سجن كبير، عن المشاركة في أعمال الثورة”.

ويقوم دفع الله حاليا بتمرير عريضة لجمع توقيعات الباحثين وأساتذة الجامعات في السودان، شملت 300 توقيع حتى الآن، لرفض أي إجراءت اتخذها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وللمطالبة بمنظومة حكم ديمقراطي مدني. وأوضح رئيس مؤسسة الباحثين السودانيين: “نؤكد التزامنا التام بعدم التعاون مع الانقلاب العسكري، بأي صورة من الصور، أو دعم أي من أنشطته، تحت أي مسمي، لتمكينه، أو استدامة قوته وسيطرته على البلاد”.

سنوات من انقطاع الدراسة

طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، شهدت الجامعات والمعاهد العليا في السودان، فترات انقطاع وصلت إلى عام ونصف العام على الأقل، حُرم خلالها الطلاب من دارستهم. وجاء ذلك بالتزامن مع الاحتجاجات التي خرجت ضد الرئيس السابق عمر البشير، بالإضافة إلى الإجراءات الاحترازية ضد تفشي وباء كوفيد-19، من إغلاق للمدارس، والتحول نحو التعليم الإلكتروني، ثم كارثة السيول والفيضانات التي ضربت البلاد في سبتمبر/أيلول من العام الماضي. (إقرأ التقارير ذات الصلة: العام الدراسي الجديد في السودان مع وقف التنفيذ و فيضان السودان يُغرق المدارس والجامعات وأحلام الطلاب).

“يؤثر الوضع السياسي بشكل كبير على الدراسة. كثير من الطلاب والأساتذة يشاركون في حالة العصيان المدني”.

نشوى عيسى، الأستاذ المساعد بجامعة النيلين بالخرطوم

عن ذلك، تقول الأستاذ المساعد بجامعة النيلين بالخرطوم، نشوى عيسى لـ”الفنار”: “يؤثر الوضع السياسي بشكل كبير على الدراسة. كثير من الطلاب والأساتذة يشاركون في حالة العصيان المدني”. وبحسب عيسى، فإن الأعمال الحكومية كافة “متوقفة، بما فيها الجامعات والمدارس”.

الطلاب.. ضحايا في الظل

في ظل الأوضاع المضطربة، يبرز الطلاب كضحايا في الظل؛ حيث يتعثر مسارهم الدراسي لأسباب لا يد لهم فيها. وتقول الطالبة بالسنة الثالثة في كلية الصيدلة بجامعة النيلين، زينب الهواري: “فقدت عامًا دراسيًا كاملًا بسبب الأحداث التي جرت في البلاد، ولست متأكدة تمامًا من موعد تخرجي في الجامعة بسبب الوضع السياسي الراهن”. وتعرب عن اعتقادها بأن مشاركة الطلاب في العمل السياسي من أجل إعادة الحكم المدني في السودان “ضرورة من أجل مواصلة العملية الديمقراطية”. وأوضحت: “لا يهم مستقبلنا في الوقت الحالي بقدر ما يهمنا مستقبل وطننا السودان”.

“تعرض زملائي في جامعة الخرطوم لانتهاكات عديدة على يد القوات النظامية. تم إخلاء المدن الجامعية بالقوة، وجرى نهب وسرقة أغراض بعضهم، وحلق رؤوسهم”

بدر علي، الطالب بكلية الهندسة في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا

ولا تقف المشكلات التي يواجهها الطلاب عند هذا الحد، فقد شهدت بعض المساكن الطلابية بجامعة الخرطوم “اعتداءات من القوات النظامية لإجبار الطلاب على تركها والمغادرة؛ خشية مشاركتهم في المظاهرات”، وفق شهادات بعضهم. ويقول الطالب بكلية الهندسة في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، بدر علي: “تعرض زملائي في جامعة الخرطوم لانتهاكات عديدة على يد القوات النظامية. تم إخلاء المدن الجامعية بالقوة، وجرى نهب وسرقة أغراض بعضهم، وحلق رؤوسهم”. (إقرأ التقرير ذو الصلة: طلاب سودانيون يعتصمون ضد انتشار العنف وسوء الخدمات في السكن الجامعي).

وقد أدان بيان لجامعة الخرطوم عبر الفيسبوك هذه الأعمال، قائلًا: “تدين جامعة الخرطوم، بأغلظ العبارات، أعمال السرقة والنهب التي نفذها نظاميون، ويرتدون الزي العسكري، بحق طلاب داخليات مجمع الوسط (مساكن طلابية تتبع الجامعة)، الذين تعرضوا لأبشع الإهانات والإساءة والشتم والضرب”.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

في السياق نفسه، وجهت بعض الاتحادات الطلابية، ووزارات الخارجية، إرشادات لطلابها بالسودان؛ لتفادي تعرضهم لأية مخاطر في ظل الأوضاع الراهنة. وأصدر الاتحاد العام لطلبة الصومال، الذي يمثل أكبر عدد من الطلاب الأجانب في السودان (7000 طالب)، تحذيرًا، في السادس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، جاء فيه: “نحث جميع الطلاب على تجنب المناطق المزعجة”. كما دعت منظمات تعليمية أجنبية، طلابها في الجامعات السودانية، بالابتعاد عن مناطق الصراع، أو التجمعات خلال الفترة المقبلة، حفاظًا على سلامتهم.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى