أخبار وتقارير

«تصحر» أقسام العلوم الاجتماعية.. وجه آخر لمحنة التعليم العالي في اليمن

عندما اشتدت الحرب الأهلية في اليمن، منذ العام 2015، أصبحت الجامعات في مرمى النيران، لكن محنة التعليم العالي في البلاد، لم تقف عند هذا الحد، حيث تواجه أقسام العلوم الاجتماعية، في كثير من الكليات، ما يمكن وصفه بـ«التصحر»، بعد عزوف ملحوظ من الطلاب عن الالتحاق بها.

آخر مظاهر الأزمة تبدى، مؤخرًا، في قرار رئيس جامعة صنعاء بإغلاق التسجيل في قسم التاريخ التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ما فجر جدلًا واسعًا، حول مستقبل أقسام العلوم الاجتماعية بالجامعات اليمنية، في ظل الإغلاقات التي طالت عددًا منها، بدعوى «محدودية فرص عمل خريجي هذه الكليات، وانخفاض التسجيل فيها».

وشهدت كليات التربية والآداب والعلوم الإنسانية في جامعات ذمار، وعمران، وصعدة، والحديدة، وإب، وعدن إغلاق التسجيل في بعض أقسامها، «بعد انخفاض نسب الالتحاق بها من جانب الطلاب»، وفق شهادات لأساتذة من داخلها.

يعود تاريخ مؤسسات التعليم العالي الحديثة في اليمن، إلى فترة السبعينات من القرن الماضي، مع تأسيس جامعة صنعاء، وجامعة عدن. وبحلول عام 2014، زاد عدد الجامعات العامة لتصبح عشر جامعات. وتعمل مؤسسات التعليم العالي العامة، باستثناء الكليات المجتمعية، تحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

وبداية من عام 1994، شهد اليمن نموًّا سريعًا في قطاع مؤسسات التعليم العالي الخاصة، عن طريق تأسيس الجامعات الخاصة التي بلغت 42 جامعة بحلول العام 2014. وفي العام نفسه، أشارت تقارير إلى التحاق أكثر من 310000 طالب في الجامعات العامة والخاصة باليمن، بحسب تقرير مشروع مراقبة الحرية الأكاديمية، الصادر عن شبكة «علماء في خطر»، العام الماضي.

يقول عبدالحكيم عبدالمجيد الهجري، رئيس قسم التاريخ والعلاقات الدولية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة صنعاء، لـ«الفنار»: «قرار التعليق المؤقت للدراسة بالقسم، جاء بموافقة عمداء كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية، بالتنسيق مع الإدارة، بعد التحاق تسعة طلاب فقط في القسم للعام الدراسي الحالي، غير أن غضب الأساتذة داخل الجامعة، وخارجها، جعل الإدارة تتراجع عن القرار».

«قرار التعليق المؤقت للدراسة بالقسم، جاء بموافقة عمداء كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية، بالتنسيق مع الإدارة، بعد التحاق تسعة طلاب فقط في القسم للعام الدراسي الحالي، غير أن غضب الأساتذة داخل الجامعة، وخارجها، جعل الإدارة تتراجع عن القرار».

عبدالحكيم عبدالمجيد الهجري
رئيس قسم التاريخ والعلاقات الدولية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة صنعاء

وأصدر 84 أكاديميًا، أغلبهم من جامعة صنعاء، بيانًا، حصلت «الفنار» على نسخة منه، رفضوا فيه قرار إغلاق القسم، وطالبوا إدارة الجامعة بالتراجع عنه. واعتبر الموقعون على البيان أن الخطوة كانت تمهد لـ«إغلاق القسم الذي يعد أقدم قسم تاريخ في الجامعات اليمنية».

ويعزو «الهجري»، الذي تخرج في القسم نفسه عام 1985، ضعف تسجيل طلبات الالتحاق بالقسم، إلى ما يصفه بـ«تجنب وسائل الإعلام الحديث عن دور خريجي القسم في العديد من المناصب، بالإضافة إلى الإهمال الكبير الذي باتت تواجهه دراسة العلوم الإنسانية، بشكل عام، والتاريخ واللغة العربية، بشكل خاص، في الجامعات اليمنية».

كما أن صدور قرار جامعة صنعاء بوقف التسجيل في القسم – يقول «الهجري» – ارتبط بعامل آخر، وهو «وجود قسم للتاريخ يتبع كلية للتربية الفرعية، تتبع جامعة صنعاء، بعيدًا عن العاصمة اليمنية، والتي يرتفع فيها أعداد المسجلين». ويوضح أن «التراجع عن القرار رسالة دعم للأساتذة، ولوجهة نظرهم المنادية بتطوير المناهج».

وتشهد غالبية أقسام كليات الآداب والعلوم الإنسانية، بالجامعات اليمنية «انخفاضًا كبيرًا في نسب تسجيل الطلبة فيها، خلال الأعوام الأخيرة»، وهو المبرر الذي تستند إليه قرارات وقف التسجيل في بعض الأقسام، أو إغلاقها. وعلى سبيل المثال، «بلغت نسبة التسجيل في جميع أقسام كلية التربية بجامعة عدن نحو 26% فقط من الطاقة الاستيعابية لها»، بحسب أساتذة في القسم.

في المقابل، يذهب أساتذة آخرون في اتجاه مغاير، نحو تفسير أسباب تراجع معدلات الالتحاق بأقسام كليات التربية؛ ويقول علي حفظ الله محمد، الأستاذ بكلية التربية، جامعة ذمار، لـ«الفنار»، إن انخفاض نسب التسجيل داخل هذه الكليات «مرتبط بأسباب متعلقة بالحرب وانقطاع الرواتب، الأمر الذي دفع مئات الأسر إلى اتخاذ قرار بعدم استكمال أولادهم الدراسة الجامعية، وليس نفورًا من هذه الكليات، كما تحاول الجهات الرسمية تصوير الأمر». ويتابع: «هذه الأقسام تأسست، داخل كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية، منذ التسعينيات، لغرض تأهيلي، وليس لها علاقة بسوق العمل».

«إن انخفاض نسب التسجيل داخل هذه الكليات مرتبط بأسباب متعلقة بالحرب وانقطاع الرواتب، الأمر الذي دفع مئات الأسر إلى اتخاذ قرار بعدم استكمال أولادهم الدراسة الجامعية»

حفظ الله محمد
الأستاذ بكلية التربية، جامعة ذمار

ويوضح «حفظ الله»، قائلًا: «المقصود بالغرض التأهيلي هو تنمية مهارات موظفي الأجهزة الحكومية غير الحاصلين على درجة البكالوريوس، أو تأهيل الحاصلين على البكالوريوس لمرحلة الدراسات العليا، ليصبح الدارس واعيًا بالطرق التربوية والتعليمية كافة، ويستطيع تقديم جهدًا علميًا وجيدًا»،

وتؤيد رضية شمسان، الأستاذة بكلية الآداب، جامعة صنعاء، كلام «حفظ الله»، وتقول لـ«الفنار» إن تراجع التسجيل بهذه الكليات التربوية يعود إلى «الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، والتي تؤثر على فرص العمل لخريجيها»، وتضيف: «قضية المخرجات، أو فرص العمل، كثيرة لولا الظروف الخاصة والصعبة التي تعيشها البلد، لأن فرص خريجي هذه الكليات متاحة دومًا، في الظروف الطبيعية، من خلال العمل في مجالات البحث والتدريس في المدارس والجامعات والمراكز التربوية والاجتماعية».

في سياق قريب، يشير تقرير «علماء في خطر»، إلى أنه «منذ بدء الحرب، أحيطت الكثير من المؤسسات التعليمية اليمنية بضربات جوية ونيران المدفعية والبنادق الآلية، فضلًا عن أنشطة عسكرية أخرى من أحزاب متعددة مشاركة في الصراع. كما قامت الجماعات المسلحة بإخضاع الجامعات والكليات والمدارس لأغراض عسكرية وتحويل هذه المنشآت إلى أهداف، وتشير البيانات المتوفرة حول النشاط المسلح في اليمن إلى أن مجتمعات التعليم العالي في اليمن تتعرض للخطر بشكل دوري بسبب هذه الهجمات».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وفيما دعت الشبكة، كل أطراف الصراع، بما في ذلك على السواء الجماعات المسلحة التابعة للدولة وغيرها، إلى التوقف الفوري عن توجيه، أو عدم تمييز الهجمات على أفراد التعليم العالي أو الطلاب أو المنشآت، وإلى ضمان إطلاق سراح العلماء والطلاب والمسؤولين الإداريين بالجامعات، قالت في تقريرها إن اليمن «يجازف بضياع جيل كامل من العلماء، والبحوث، والتقدم الاجتماعي الذي تم إحرازه، والذي كان مقترنًا بالتعليم العالي».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى