أخبار وتقارير

العراق: البصرة خالية من التلوث الإشعاعي بعد ثلاث سنوات من العمل البحثي

بعد ثلاث سنوات من العمل الدؤوب، نجح باحثون عراقيون في إزالة ومعالجة التلوث الإشعاعي، الناجم عن مخلفات استخدام أسلحة كيماوية منذ عقود، بمحافظة البصرة، وفق ما أعلنته، قبل أيام، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد.

بدأت مهام عمل الفريق البحثي لمعالجة التلوث الإشعاعي بالبصرة، ثالث أكبر محافظة عراقية من حيث عدد السكان، منذ يونيو/ حزيران عام 2018، بعد موافقة واعتماد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على خطة العمل.

وقال وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي، نبيل كاظم، في بيان صحفي، إن «المسح العلمي الشامل، والفحص المختبري، الذي نفذه الخبراء الوطنيون في وزارة التعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا، بالتعاون مع هيئة الطاقة الذرية العراقية، ساعد في إزالة ومعالجة المخلفات الإشعاعية، بمحافظة البصرة، التي ترجع إلى حقبة حروب القرن المنصرم».

ويقول ماجد الساعدي، رئيس الفريق البحثي في المشروع لـ«الفنار»: «المخلفات الإشعاعية بالبصرة كانت موجودة منذ أوائل التسعينيات، نتيجة استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب، وبدرجة مرتفعة من الإشعاع، أثناء حرب الخليج الأولى عام 1991، ثم خلال العمليات العسكرية للغزو والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وما بعدها». ويضيف «الساعدي»، وهو أستاذ العلوم بجامعة النهرين: «نجحنا في إزالة ومعالجة المخلفات في 26 موقعًا على امتداد محافظة البصرة. وتتباين هذه المواقع بين منازل تم قصفها باليورانيوم، أو معدات عسكرية متبقية نتيجة القصف، وذلك بالتنسيق مع وزارتي الصحة والبيئة».

«نجحنا في إزالة ومعالجة المخلفات في 26 موقعًا على امتداد محافظة البصرة. وتتباين هذه المواقع بين منازل تم قصفها باليورانيوم، أو معدات عسكرية متبقية نتيجة القصف، وذلك بالتنسيق مع وزارتي الصحة والبيئة».

ماجد الساعدي  
رئيس الفريق البحثي في المشروع

وتسبب بقاء المخلفات الإشعاعية داخل محافظة البصرة، على مدار السنوات الماضية، في «ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، حتى بلغت نحو 800 حالة شهريًا»، بحسب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق.

خطة دقيقة

انتهج الفريق البحثي العراقي، خلال أداء مهمته، آلية محددة، حيث تم تقسيم العمل على مراحل عدة؛ الأولى كانت عبر قياس درجة مستوى الإشعاع في كل موقع للمخلفات الإشعاعية، بواسطة أجهزة متطورة من المنظمة الدولية للطاقة الذرية في فيينا. وتمثلت المرحلة الثانية من العمل في استئصال بعض الأجزاء داخل المواقع التي تم الكشف عن وجود نسب عالية من الإشعاع فيها، أو فيما تبقى منها بعد هدم المبنى بالكامل، ومن ثم جمع التراب الملوث بالإشعاعات في براميل مخصصة لذلك الغرض.

ويوضح «الساعدي»، الذي انتهت مهمته داخل الفريق، أوائل عام 2020، أن المرحلة الأخيرة شملت استخدام فريق المعالجة بعض الأحماض، وإضافتها إلى المواد المطلوب معالجتها، وهي الطريقة التي تتبعها الدول كافة في العمليات المماثلة. وتابع أن قياس مستوى الإشعاع بعد المعالجة كان آخر مراحل عمل للفريق.

من جانبه، يقول إيهاب علي حسن، أحد أعضاء فريق معالجة المخلفات الإشعاعية لـ«الفنار»، إن أبرز المصاعب التي واجهت الفريق كانت «تتمثل في مواجهة الخطر لفترات طويلة، حيث كنا نضطر أحيانًا للمبيت في بعض المواقع لأسبوع أو لعشرة أيام متصلة». وكان «حسن» بدأ العمل في المشروع عقب تخرجه في كلية الهندسة بجامعة الموصل، عام 2013. لكنه اضطر للتوقف عن مهامه، لسنوات عدة، بسبب احتلال عناصر تنظيم «داعش» مواقع قريبة من مواقع التلوث الإشعاعي، قبل أن يعاود الباحث الشاب العمل في عام 2018.

«أبرز المصاعب التي واجهت الفريق كانت تتمثل في مواجهة الخطر لفترات طويلة، حيث كنا نضطر أحيانًا للمبيت في بعض المواقع لأسبوع أو لعشرة أيام متصلة».

إيهاب علي حسن
أحد أعضاء فريق معالجة المخلفات الإشعاعية

ووسط تحذيرات علمية من «استمرار المخاطر التي تهدد البيئة والسكان»، يأمل المهندس العراقي في وجود بيئة نظيفة خالية من الملوثات الكيميائية والإشعاعية، وبناء محطات معالجة في أكثر من محافظات لضمان التخلص من هذه المخلفات على اختلاف كافة أشكالها. وتُشير دراسة علمية نشرتها «منظمة المجتمع العلمي العربي»، في مارس/آذار 2019، إلى «ارتفاع نسبة التشوهات الخلقية لدى الأطفال بعد عام 1991، الناجم عن التلوث الإشعاعي»، وتوقعت «أن تستمر مشكلة التلوث الإشعاعي في جنوب العراق وتأثيراتها الصحية لعشرات السنين».

بدوره، يقول وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي الأسبق، عبد الرزاق العيسى، الذي بدأ الفريق البحثي عمله خلال ولايته وتحت إشرافه، إن بعض المحافظات العراقية «مازالت تحتوي على بعض الملوثات الإشعاعية، والموثقة في دوائر العلوم والتكنولوجيا ووزارة البيئة»، مضيفًا أن هذه المناطق تشمل  بعض المناطق في محافظة الموصل، والمنطقة الحدودية بين العراق والكويت. ويضيف في اتصال مع «الفنار»: «مصادر المخلفات الإشعاعية في المحافظات الأخرى تتباين بين مواقع أو بقايا أسلحة كيماوية ناتجة عن الحروب السابقة، والوسيلة المثلى للتخلص من هذه الإشعاعات، هي التوسع في إنشاء محطات للمعالجة في المناطق التي تم رصدها في السابق».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

وأنشأت وزارة التعليم العالي، قبل عامين، أربعة محطات لمعالجة المخلفات الإشعاعية بمحافظة البصرة. وعن ذلك، يقول «العيسى»: «الكفاءات العراقية القادرة على إنجاز هذه المهام موجودة دائمًا؛ لكن لابد أن تكون هناك إرادة سياسية لتصفية هذه المخلفات بكافة المحافظات التي تعاني من نفس المشكلة».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى