أخبار وتقارير

الدعم النفسي لطلاب الجامعات اللبنانية «طوق نجاة» في طوفان الأزمة الاقتصادية

تحت وطأة وباء كوفيد-19، وأزمة اقتصادية طاحنة، يجد بعض طلاب الجامعات، في لبنان، أنفسهم أمام جائحة مختلفة، تضرب صحتهم النفسية بقسوة؛ فتحيل أحلامهم، نحو الغد، إلى «كوابيس» لا يكاد يبددها شيء.

فمع فقدان الليرة اللبنانية نحو 90% من قيمتها، خلال العامين الأخيرين، انضم ثلاثة أرباع السكان إلى صفوف الفقراء، كما يخبرنا بذلك تقرير لوكالة «رويترز»، نشرته الشهر الجاري.

من هنا، تضاعفت أزمة طلاب الجامعات؛ فلم تعد مشكلاتهم قاصرة على قيود مواجهة فيروس كورونا، على العملية الدراسية، بل صاروا يتحملون، مع أبناء شعبهم، نصيبهم من «شح المال»، وإن وجدوه اكتشفوا أنه بات عبارة عن «أكوام ليس لها قيمة تذكر»، بتعبير الوكالة.

دعم نفسي مجاني

أمام هذه المعطيات، لم يعد مفاجئًا، معاناة بعض هؤلاء الطلاب من مشكلات نفسية، مثل الاكتئاب، أو الشك في المستقبل. وربما كان من حسن الطالع، لأولئك المتضررين، أنهم وجدوا في برامج دعم نفسي مجانية، أعدتها جامعات لبنانية، ما يشبه «طوق نجاة» من المحنة.

يقول الشاب اللبناني دانيال (21 عامًا)، وهذا اسم مستعار، لـ«الفنار»: «منذ زمن طويل وأنا أعاني الاكتئاب والقلق، لكن تدهورت صحتي النفسية أكثر، بسبب العزلة أثناء الإغلاق الصحي، وفقدان الدخل الذي كان يصلني من أسرتي، والخوف، وانعدام الأمن».

«يوم أن أرسلت تلك الرسالة الإلكترونية لطلب الاستشارة النفسية من الجامعة، كنت في حالة انهيار نفسي كامل. من المجهد للغاية أن أقلق بشأن المال والرسوم، بعد أن شهدت العديد من الوفيات بسبب فيروس كورونا».

ونتيجة للانهيار الاقتصادي، لم يعد أمام هذا الشاب، الذي يدرس بالجامعة اللبنانية الأمريكية، فرصة للعمل، مثلما كان في السابق. لذلك، وقبل أربعة أيام من بداية الفصل الدراسي، قرر مباشرة عمل بدوام جزئي، في إحدى الحانات، من أجل كسب بعض المال.

«من المفترض أن تكون وظيفة صيفية. أيامي طويلة جدًا، وأحيانًا أظنها لا تنتهي، لكنني أحاول التأقلم معها ما أمكنني ذلك». هكذا قال.

في مواجهة تلك الضغوط، انهار طالب إدارة الأعمال باكيًا أثناء مقابلة عمل. لحظتها، قرر السعي من أجل الحصول على استشارة مجانية للصحة النفسية تقدمها الجامعة. «ما جرى كان بمثابة جرس إنذار. تلقيت جلسات استشارية نفسية منذ فترة، وكل ما يمكنني قوله الآن، هو أنها ما كنت أحتاجه منذ البداية».

بالمثل، لا تخفي طالبة الهندسة المعمارية، ريم أبو إبراهيم، معاناتها من مشكلات نفسية أثرت على دراستها وأدائها الجامعي. تقول ريم: «يوم أن أرسلت تلك الرسالة الإلكترونية لطلب الاستشارة النفسية من الجامعة، كنت في حالة انهيار نفسي كامل. من المجهد للغاية أن أقلق بشأن المال والرسوم، بعد أن شهدت العديد من الوفيات بسبب فيروس كورونا».

وعن تقييمها لتجربة اللجوء إلى طلب دعم نفسي، تضيف: «هذه الاستشارة هي أفضل تجربة خضتها لأنها الخطوة الأولى في رحلة الشفاء، حيث تساعدني على إيجاد توازن نفسي بين كل ما يجري من حولي، مثل معاناة والديّ تحت وطأة الضغوط المالية، وصحتي النفسية، ودراستي الجامعية. كأنك تخوضين معارك عدة في آن واحد».

ومثل جامعات أخرى، صممت الجامعة اللبنانية الأمريكية «برامج خاصة لتلبية احتياجات الطلاب الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية. وعززت وحدة الاستشارة الخاصة بها، ومنحت الطلاب الذين يعانون الاكتئاب الشديد، وضعف القدرة على التركيز، خيار الالتحاق ببرامج دراسية محدودة الوقت، عوضًا عن العبء الكامل المكون من خمسة برامج لكل فصل دراسي».

ويقول رائد محسن، عميد شؤون الطلاب في الجامعة اللبنانية الأميركية: «تستغرق الحالات التي لها علاقة بالاكتئاب، والقلق الاجتماعي، والقلق من الامتحانات، جل وقت الاستشاريين النفسيين في الجامعة. أغلب الطلاب قلقون بشأن مستقبلهم».

«تستغرق الحالات التي لها علاقة بالاكتئاب، والقلق الاجتماعي، والقلق من الامتحانات، جل وقت الاستشاريين النفسيين في الجامعة. أغلب الطلاب قلقون بشأن مستقبلهم».

رائد محسن
عميد شؤون الطلاب في الجامعة اللبنانية الأميركية

ويضيف محسن: «على المستوى الأكاديمي، تأثرت جودة التعليم في جميع أنحاء العالم بسبب جائحة كوفيد-19. يجد الطلاب أنهم لا يحصلون على ما يرغبون فيه من تعليم».

«ننمو لنزهر»

من جهتها، أطلقت جامعة القديس يوسف مبادرة «ننمو لنزهر» Rise to Bloom، وهي مبادرة خاصة تستهدف الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين، في أعقاب انفجار مرفأ بيروت الهائل في 4 آب/أغسطس 2020، والذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص وأصيب فيه الآلاف وخلف 300 ألف شخص من دون مأوى.

ويقول القس فادي شدياق، المستشار التنفيذي لرئيس الجامعة، والمسؤول عن المبادرة: «كان الغرض خلق بيئة إيجابية، وداعمة لنا جميعًا، في ظل هذا الوضع الكئيب. تأثر العديد من الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس، بشكل مباشر بعد انفجار المرفأ، فقدوا أقاربهم؛ دمرت منازلهم؛ وخسر أولياء أمورهم أعمالهم».

ويضيف شدياق: «أصبح لديهم شعور بالفشل المحتوم، وأنهم بلا مستقبل في هذا البلد. مشكلة الطلاب الجوهرية هي انعدام أي يقين لديهم بشأن مستقبلهم. هل يجب عليهم التفكير في مغادرة البلاد، هل يمكنهم دفع رسوم جامعتهم، وما الذي يحمله المستقبل لهم؟ كلها أسئلة بلا إجابة».

ولأنها مبادرة «شاملة ومتعددة الأوجه»، فهي تتيح مجموعة من الأنشطة البدنية والنفسية لمجتمع الجامعة وعائلاتهم، ومنها: عقد المناقشات الجماعية والاستشارات الفردية، وإقامة الأنشطة الخارجية، مثل: المشي لمسافات طويلة، والبستنة (أعمال الحدائق)، وقطف الكرز ودروس اليوغا وتدريبات التنفس.

يقول شدياق: «نظمنا مسابقات للخطابة، وتصوير مقاطع فيديو ملهمة لمساندة الطلاب وتشجيعهم على نشر رسائل إيجابية مفعمة بالأمل، واكتساب المرونة في دعم بعضهم البعض». كما نشرت الجامعة دليلًا توجيهيًا للطلاب يزودهم بإرشادات حول كيفية العيش خلال الجائحة والأزمات العصيبة».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

إزاء تلك المحاولات لمد يد العون لمن يحتاج إليه، يرى دانيال أنه «على الرغم من الأزمات التي تخيم على كل أفق والمتاعب اليومية، إلا أن روح الطلاب الشابة تتغلب على كل ذلك في حال حصلت على المساعدة المناسبة»، ويقول في الختام: «أطلب من الجميع ألا يسمحوا لمجريات هذا البلد بالتأثير عليهم، وألا ينزعجوا من تبعات الجائحة، فحلول المشكلات ممكنة وكثيرة».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى