أخبار وتقارير

الجزائري محمد زائيري .. رائد علم الجودة والتميز الحكومي في الشرق الأوسط

بعد مسيرة مهنية، امتدت لنحو أربعة عقود، توفي الأكاديمي الجزائري محمد زائيري، في العشرين من شهر (تشرين الأول) أكتوبر الماضي، عن عمر ناهز 65 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا من الأبحاث والمبادرات التي أرست الأساس المتين لآليات قياس الجودة والتميز لدى حكومات وهيئات عدة.

«زائيري»، المعروف بريادته المعرفية في ذلك المجال، وأدواره المؤسسة لبرامج «التميز الحكومي»، في أكثر من بلد عربي، ولد في أيلول/ سبتمبر 1956، لأسرة جزائرية في بلدة صغيرة تابعة لدائرة الكويف الجزائرية، قرب الحدود مع تونس.

في عام 1975، انتقل إلى بريطانيا لاستكمال دراساته العليا. وبحلول عام 1979، حاز درجة البكالوريوس في علوم البوليمرات والتكنولوجيا من جامعة أستون، برمنجهام. ولم يستغرق سوى عام واحد فقط، لينال درجة الماجستير في تكنولوجيا السلامة عام 1980 من نفس الجامعة، أتبعها بالحصول على درجة الدكتوراه من جامعة ستافوردشاير في إدارة التكنولوجيا عام 1989.

بكلمات ناعية، تحدثت أرملة الأكاديمي الراحل، ناريمان حاج حمو، هاتفيًا، إلى «الفنار»، قائلة: «فقدت زوجًا، ومرشدًا، وشريك حياة، ومدربًا، وصديقًا مقربًا، لكن ما يريحني من هذا الألم، هو معرفة أن إرثه سيستمر، وأن عمله الرائع سيواصل تذكيرنا بكيفية وجود رجل عظيم كان».

وكانت «حاج حمو»، التي تشغل منصب المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز الابتكارات التعليمية وحلول المعرفة المتخصصة (CLICKS)، قد تعرفت على زوجها الراحل، لأول مرة، عام 2003، حين كان الأخير مديرها الأول بجامعة حمدان بن محمد الذكية، في دولة الإمارات، التي كانت تحمل وقتها اسم «الكلية الإلكترونية للجودة الشاملة». وبالنسبة لها، فقد «كان (زائيري) مرجعًا ومعلمًا في مجاله، مؤمنًا بالجودة وبدوره في ضرورة إنتاج ونشر المعرفة، مما جعله يترك خلفه إرثًا من النجاح البحثي والأكاديمي والخيري والشخصي والعائلي». (إقرأ القصة ذات الصلة: ناريمان حاج حمو أكاديمية جزائرية تسعى لتغيير مفهوم التعلم عن بعد).

«فقدت زوجًا، ومرشدًا، وشريك حياة، ومدربًا، وصديقًا مقربًا، لكن ما يريحني من هذا الألم، هو معرفة أن إرثه سيستمر، وأن عمله الرائع سيواصل تذكيرنا بكيفية وجود رجل عظيم كان»

ناريمان حاج حمو
زوجة زائيري والمؤسس والرئيس التنفيذي لمركز الابتكارات التعليمية وحلول المعرفة المتخصصة (CLICKS)

ونعت وزيرة التطوير الحكومي والمستقبل في الحكومة الإماراتية، عهود الرومي، الأكاديمي الراحل، حيث قالت في تغريدة عبر موقع تويتر: «فقدنا أحد أبرز العقول والخبرات العالمية في ميدان التميز المؤسسي، وشريكًا فاعلًا قدّم خبراته وأسهم في رحلة التميز لحكومة الإمارات بعزمٍ وإخلاصٍ وتفانٍ».

تجربة ثرية

على الصعيد المهني، بدأ الأكاديمي الجزائري الراحل مسيرته في مجال الصناعة  كمصمم لبرامج الجودة، إضافة لعمله كأستاذ فخري في كلية الإدارة بجامعة برادفورد بالمملكة المتحدة منذ سبتمبر 2009، والتي أشرف خلالها على نحو خمسين رسالة دكتوراه، تغطي موضوعات متنوعة، وتتناول جوانب مختلفة من إدارة الجودة وتنفيذها على أساس عالمي.

 وخلال عمله مع كبرى شركات الصناعة في بريطانيا، طوّر «زائيري» طرقًا وإرشادات مفيدة للشركات عند التفكير في إدخال ابتكارات معقدة قائمة على التكنولوجيا، ومسؤولًا عن تطوير استراتيجية إدارة المخاطر على أساس مبادئ الجودة. كما تولى، منذ عام 1996، مسؤولية إدارة المركز الأوروبي لإدارة الجودة الشاملة، والذي تم تصميمه بهدف دعم الصناعة والتجارة من خلال البحوث التطبيقية والعمل الاستشاري في مجال إدارة أفضل الممارسات.

الأكاديمي الجزائري محمد زائيري مع زوجته ناريمان حاج حمو. (الصورة بإذن من ناريمان حاج حمو).
الأكاديمي الجزائري محمد زائيري مع زوجته ناريمان حاج حمو. (الصورة بإذن من ناريمان حاج حمو).

وفي تصريح لـ«الفنار»، عبر البريد الإلكتروني، يقول  أستاذ الإدارة بجامعة يورك سانت جون البريطانية، ديفيد واير، إن زائيري «كان عالمًا ذكيًا، ومنتجًا، وصادقًا تمامًا، وأصبح شخصية عالمية في وضع المعايير وأفضل الممارسات والتميز المؤسسي». كما أكد  أن الراحل كان «مدركًا لأهمية الحيوية في إدارة تطبيق المعرفة في مجال الممارسة».

وتمتد معرفة الأكاديمي البريطاني بزائيري منذ عام 1990، حين اختاره في منصب محاضر في كلية الإدارة بجامعة برادفورد، قبل أن يعملا معًا بعدما انضم واير إلى فريق زائيري  في برنامج رئيس الوزراء الإماراتي للتميز الحكومي بدولة الإمارات العربية المتحدة.

تطوير مفهوم الجودة عربيًا

امتد تأثير الأكاديمي الجزائري إلى الجامعات والمؤسسات الحكومية في العالم العربي، وخاصة بعد اختياره عام 2002لتأسيس أول جامعة إلكترونية في الشرق الأوسط، وهي جامعة حمدان بن محمد الإلكترونية.

ساعد «زائيري» بعض الهيئات العربية الحكومية في تصميم برامج للجودة، ومنها: الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، وبلدية العين الإماراتية، بالإضافة إلى دوره في مراجعة نتائج وآليات قياس الجودة. وكان أحد مؤسسي جمعية الشرق الأوسط للجودة، عام 2006، والتي اتخذت من دبي مقراً أساسياً لها، وهدفت إلى نشر مبادئ إدارة الجودة الشاملة في منطقة الشرق الأوسط عبر تنظيم دورات تدريبية، وتقديم توصيات للعديد من المؤسسات.

«كان عالمًا ذكيًا، ومنتجًا، وصادقًا تمامًا، وأصبح شخصية عالمية في وضع المعايير وأفضل الممارسات والتميز المؤسسي». كما أكد أن الراحل كان «مدركًا لأهمية الحيوية في إدارة تطبيق المعرفة في مجال الممارسة».

ديفيد واير
أستاذ الإدارة بجامعة يورك سانت جون البريطانية

وأسس «زائيري»، كذلك، نحو تسعة عشر جائزة وميدالية في مجال التميز والجودة، أبرزها «جائزة مصر للتميز الحكومي»، التي تستهدف «تكوين جهاز إداري كفء وفعال يطبق مفاهيم الحوكمة».

ولم تغب المبادرات عن مسيرة الأكاديمي الراحل، إذ صمم مبادرة لـ«التميز في المدارس»، في أيلول/ سبتمبر عام 2002، في الإمارات، والتي استهدفت أكثر من 600 مدرسة ساعدها برنامج المبادرة في تبني مباديء الجودة والتميز من خلال التقييم الذاتي، والنموذج العام للتميز.

من جانبها، قالت جولي آي فورست بو، نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية، بكلية «تشيبيوا فالي» التقنية الأميركية، عبر حسابها على «لينكد إن»، إن «زائيري طوّر العديد من نماذج التميز التي تم تنفيذها في جميع أنحاء العالم. كان متحدثًا قويًا وكاتبًا غزير الإنتاج. ساعد عمله عددًا لا يحصى من المنظمات على التقدم في رحلات التميز ، وسيستمر في العيش من خلال البرامج التي أنشأها».

وأضافت الأكاديمية الأميركية، التي عملت في فترات سابقة مع زائيري، أن الأخير «كان مصدر إلهام في قدرته على تطوير وتنفيذ أفكاره، حتى يمكن تبنيها من قبل العلماء والممارسين. كما كان محبوبًا ومحترمًا في جميع أنحاء العالم وسيُفتقد كثيرًا».

«كان مصدر إلهام في قدرته على تطوير وتنفيذ أفكاره، حتى يمكن تبنيها من قبل العلماء والممارسين. كما كان محبوبًا ومحترمًا في جميع أنحاء العالم وسيُفتقد كثيرًا».

جولي آي فورست بو
نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية، بكلية «تشيبيوا فالي» التقنية الأميركية

وكان الدور الأبرز للأكاديمي الجزائري الراحل في المنطقة العربية، حينما شغل منصب كبير مستشاري مكتب رئيس الوزراء بحكومة الإمارات العربية المتحدة، منذ أكثر من عشر سنوات، حيث طوّر في تلك الفترة العديد من برامج التميز الحكومي في الإمارات، وترأس لجان التحكيم في أكثر من برنامج للتميز الحكومة داخل الدولة.

في مقابلة سابقة، شرح الأكاديمي الراحل أهمية تطبيق التميز في المؤسسات العربية، قائلًا: «التميز هو الاهتمام بالتحسين، وهو ما يساعد الدول على معالجة المشاكل وبناء المستقبل، وتحسين نوعية الحياة، إضافة إلى تحقيق التفاعل المطلوب.  والتميز هو أن نساهم في إسعاد الناس، وهو إحدى المهام التي خلقنا الله لتنفيذها».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

وعلى امتداد محطات تجربته بين الدراسة والممارسة، قدم «زائيري» حصيلة ضخمة من الأبحاث الرائدة، والتي جاوز عددها 400 بحث علمي. وبفضل جهوده في تصميم برامج الجودة طيلة مشواره المهني، حصد عددًا من الجوائز الدولية، منها: جائزة لانكستر من الجمعية الأميركية للجودة، وجائزة ايشيكاوا – هارينجتون من منظمة الجودة لمنطقة آسيا والباسيفيك، وجائزة ميدالية يوشيو كوندو من الأكاديمية الدولية للجودة، وكذلك ميدالية الإنجاز مدى الحياة من جمعية الجودة الأسترالية AQO، وغيرها.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى