أخبار وتقارير

عزة فهمي..أحلام لا تنتهي لإحياء الانتماء والقومية العربية وإنقاذ الحرف اليدوية

توثق فنانة الحلي المصرية البارزة عزة فهمي، تجربتها التي امتدت لأكثر من خمسين عامًا، في كتاب  صدر في 400 صفحة، تحت عنوان «أحلام لا تنتهي..قصة حياة عزة فهمي».

يقدم الكتاب إلى جانب سيرة مؤلفته، تحية لأصحاب الأيدي الذكية، من أرباب الحرف الفنية التقليدية، الذين كان لهم دورًا في تعليم الفنانة، ومساعدتها على اكتساب خبرات جديدة.

عزة فهمي مصممة مجوهرات بارزة، وُلدت في سوهاج بصعيد مصر، وتخرجت في كلية الفنون الجميلة قسم الديكور. تُعد أول امرأة مصرية تتدرب على تصميم المجوهرات، في حي خان الخليلي، أحد أشهر أحياء مصر القديمة، على يد حرفيين وفنانين تقليديين.

طوال مسيرتها أقامت أكثر من 200 معرض حول العالم، ووُصِفت بإحدى أكثر نساء مصر تأثيرًا، وإحدى أبرز مصممات المجوهرات في الشرق الأوسط، وتقود حاليَا فريقَا من المصممين الشبان للحفاظ على هذه الحرفة.

وقعت الفنانة نسخًا من الكتاب، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، في حفل كبير شهده متحف المركبات الملكية بالقاهرة، 10 تشرين أول/أكتوبر الجاري. ويروي قصة نجاحها في تجاوز عقبات كثيرة، طوال حياتها،  بعد محنة فقد الأب السوداني الأصل، والذي كان موظفًا كبيرًا في إحدى شركات القطن.

قلبت وفاة الأب موازين الأسرة، التي انتقلت من الصعيد إلى بيت عائلة الأم، في ضاحية حلوان، جنوب القاهرة، حيث عاشت في مستوى اقتصادي أقل مما اعتادت عليه، لكن قدرة الأم على تدبير موارد جديدة للأسرة ساعد على استكمال الرحلة بغير تعثر.

«كتابي يقدم تحية حارة لفناني الحرف التقليدية، الذين تعلمت منهم، ويعطي مثالًا من تجربتي حول أهمية الدأب والاستمرار».

 تهدي «فهمي» الكتاب إلى والدتها التي علمتها «عيش الحياة بماهو متاح لها، دون تذمر، وبنفس راضية»، كذلك تهديه إلى والدها الذي غرس فيها جذور الإنتماء وعزز لديها محبة الوطن.

يكشف الكتاب ولع صاحبته بالتفاصيل، وحرصها البالغ على استدعاء الماضي في صورة بصرية متتابعة، تقدم مشاهد من الحياة اليومية في مصر، والعادات والتقاليد منذ أربعينيات القرن الماضي، وتركز بصورة رئيسية على دور الأب في صياغة ملامح طفولتها، والذي عزز لديها مفهوم الانتماء لمصر، وفي نفس الوقت دفعها للانفتاح على الآخر، والتأثر بالثقافة الغربية، وذلك نتيجة إيمانه بأهمية الاختلاط بين أبناء العديد من الجنسيات الأجنبية، الذين كانوا يعملون في المؤسسات والشركات، التي تهيمن على اقتصاد مصر آنذاك.

تكتب المؤلفة  كذلك عن سنوات دراستها، وعن المتغيرات التي أوجدها الضباط الأحرار بعد عام 1952، وتظهر الولع الجماهيري بشخص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وسنوات الازدهار في حركة الثقافة والترجمة والأدب، التي ساهمت في رسم ملامح جيل بأكمله.

صور من كتاب عزة فهمي

وكتبت عزة فهمي كذلك عن سنوات دراستها، في قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة، وأجواء الدراسة هناك، على أيدي كبار الفنانين، ثم خروجها من روتين الوظيفة إلى اختيار الحلي مهنة ورحلة، وذلك إثر مصادفة شراء كتاب باللغة الألمانية عن الحلي، رأته في أول معرض تنظمه الدولة للكتاب في العام 1969، مما دفعها لاختيار هذه المهنة، والعمل على تحويلها من حرفة إلى مهنة فنية، لها أصول وقواعد، وتطبق النظم العالمية الحديثة.

حياتها الشخصية تبدو خافتة تمامًا في الكتاب، وتقتصر على إشارات طفيفة بشأن حياتها العائلية، تركز بصورة رئيسية على ابنتيها، وعلى علاقتها مع الأحفاد والحفيدات.

مصر اللهجة والجغرافيا

قدم الكتاب الدكتور محمد أبو الغار، أحد أبرز وجوه الحركة الثقافية والسياسية في مصر، مؤكدًا أن سيرة «فهمي» تقدم تسجيلًا حيًا، لما يقرب من ربع قرن، من تاريخ حرفة صناعة الحلي والمجوهرات، داخل حي خان الخليلي، حيث بدأت تجربتها من هناك، ونجحت في نقل تفاصيل هذا العالم داخل نصوص الكتاب.

أعدت «فهمي» كتابها استجابة لطلب فريق عملها، بكتابة سيرة قبيل الاحتفال بمرور 50 عامًا، على تأسيس شركتها الخاصة العام قبل الماضي.

 قالت مؤلفة الكتاب في اتصال مع «الفنار»: «كتابي يقدم تحية حارة لفناني الحرف التقليدية، الذين تعلمت منهم، ويعطي مثالًا من تجربتي حول أهمية الدأب والاستمرار».

وأضافت: «الكتاب يسجل كذلك قواعد العمل مع أرباب الحرف، ويشير إلى القوانين والأعراف التي كانت سائدة، حتى منتصف السبعينيات، وأوشكت على الزوال».

رأت «فهمي» أن ما ترويه  في كتابها، حول سعيها المستمر لتأكيد هويتها الفنية، درسًا تقدمه للفنانين الشباب، مؤكدة أن ما يميز تجربتها «السعي للتعلم دون توقف».

: «الكتاب يسجل كذلك قواعد العمل مع أرباب الحرف، ويشير إلى القوانين والأعراف التي كانت سائدة، حتى منتصف السبعينيات، وأوشكت على الزوال».

رأت «فهمي» أن ما ترويه  في كتابها، حول سعيها المستمر لتأكيد هويتها الفنية، درسًا تقدمه للفنانين الشباب، مؤكدة أن ما يميز تجربتها «السعي للتعلم دون توقف».

سبق أن نشرت «فهمي» كتابًا، في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، صدر باللغة الإنجليزية، عن «فن الحُلي في مصر».

«أبو  الغار» لفت في مقدمته، إلى أن الكتاب المكتوب بالعامية المصرية، يشمل كذلك وصفًا لجغرافية مصر، ومناطقها المختلفة، انطلاقًا من رحلة الفنانة، للتعرف على بيئات هذه الحرف التقليدية المتنوعة.

يعطي الكتاب تفاصيل بالغة الدقة حول أشكال الحياة اليومية، في بيئات القرى المصرية، ومحافظات الصعيد، حيث عاشت سنواتها الأولى، وتدون حكايات كثيرة حول العادات والتقاليد، والروابط العائلية، وتلقى الضوء على صور التواصل الإنساني على الرغم من اختلاف الديانات.

وحول استخدامها للعامية المصرية في كتابها، قالت «فهمي» إنها أرادت توصيل الرسالة للقراء بشكل مباشر وأضافت: «الكتابة ليست حرفتي، ولم أفكر في الاستعانة بكاتب خفي لسيرتي، وغامرت وكتبت بنفسي، ولم أفكر في خيار آخر».

وتابعت: «كتبت كما أتكلم،  ليعكس النص إيقاع حياتي، والنبرة التي أتواصل بها مع الناس، ولغتي بسيطة سوف يتواصل معها القراء العرب، لأنهم يعرفون اللهجة المصرية».

لا تهمل المؤلفة في كتابها رحلتها، لاكتشاف فن صناعة الحلي في دول عربية أخرى، منها سلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية، والسودان، والبحرين، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، والعراق.

«كتبت كما أتكلم، ليعكس النص إيقاع حياتي، والنبرة التي أتواصل بها مع الناس، ولغتي بسيطة سوف يتواصل معها القراء العرب، لأنهم يعرفون اللهجة المصرية»

وقالت «فهمي» في تصريحات لـ«الفنار»: «أنا ابنة زمن القومية العربية، وكل ما شاهدته في الدول التي زرتها أضاف لي، وأثرى تجربتي الفنية بخبرات أدين لها بالكثير».

تراث مهدد

تصف «فهمي» قرارها بالعمل في صناعة الحلي بـ«المهنة التي هبطت علي من السماء، في لحظة قدرية، لكنها أخذت منحنى أكبر، بفضل حرصي على التنمية والتدريب والتعليم المستمر».

توضح المؤلفة أن قرارها بإنتاج تصميمات قطع الحلي والمجوهرات، التي تمزج فيها كتابات الخط العربي، إنما هو نتاج لتأثرها البالغ بالعمارة المملوكية، التي تغذت بها بصريًا، خلال سنوات تدريبها على يد الحرفيين المهرة.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

وتصف «فهمي» علاقتها بمهنتها بأنها «علاقة شغف، زادت من إحساسها بالمسؤولية تجاه تراث مصر الحرفي»، ولتأكيد ذلك تسلط الضوء على تجربة بدأت عام 2012، بالحصول على منحة من الاتحاد الأوروبي، لتدريب شباب ومساعدتهم على خلق فن مختلف، له علاقة بالتراث، وأثمرت التجربة عن تأسيس مدرسة بإشرافها لتعليم فن تصميم الحلي وتنفيذه.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى