أخبار وتقارير

بعد فوز «قرنح» بجائزة «نوبل»..لماذا لا يعرف الجمهور العربي الأدب الإفريقي؟

بمجرد الإعلان عن فوز الكاتب التنزاني عبدالرازق قرنح، بجائزة نوبل في الآداب لهذا العام، برزت تساؤلات بين القراء حول «قرنح»، والأدب الإفريقي الذي يمثله، ووصل الأمر إلى حد تبادل الاتهامات بالتقصير، في تعريف الجمهور العربي بجهود الأدباء الأفارقة، بين الناشرين والمؤسسات الأكاديمية العربية.

يرى ناشرون أن المؤسسات الأكاديمية مسؤولة عن هذا «التقصير»، لكن أكاديميين مهتمون بـ«أدب ما بعد الاستعمار» يدافعون عن مؤسساتهم، ويؤكدون أنها أدت دورها في هذا الجانب، ويلقون بالمسؤولية على دوائر النشر، والمؤسسات الأدبية.

 يظل فوز «قرنح» بجائزة نوبل مفاجأة كبيرة، لأغلب الأوساط الأدبية في العالم، على الرغم من أنه ترشح لجائزة «البوكر» البريطانية العريقة، عن روايته «الجنة»، عام 2008.

قالت الدكتورة شيرين أبو النجا، الأستاذ بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة: «إن رد فعل القراء العرب طبيعيًا، لأن مفاجأة نوبل امتدت إلى قرنح  نفسه، الذي اعتبر خبر فوزه مجرد مزحة لم يتقبلها ، إلى أن شاهد رئيس لجنة نوبل  أندرس أولسون، على الإنترنت، وهو يصف رواياته بأنها تفتح أنظارنا على شرق إفريقيا المتنوع ثقافيًا، وغير المألوف للكثيرين في أجزاء أخرى من العالم».

تعاملت «أبو النجا» مع «قرنح» عن قرب، عندما أدارت الندوة العامة الوحيدة التي قدمها الأديب التنزاني، عند زيارته القاهرة عام 2016، للمشاركة في مؤتمر علمي بجامعة القاهرة، وقالت لـ«الفنار»: «إن مسيرته تمثل حالة نموذجية للكتاب أصحاب الهويات المتعددة، التي تدرس في إطار أدب ما بعد الاستعمار».

وأضافت «أبو النجا»: «بلغ  قرنح عامه الثالث والسبعين قبل ثلاثة أشهر، إذ ولد في تموز/يوليو  عام 1948، في زنجبار، حين كانت تحت حكم السلطان العماني، وتعود جذوره لعائلة اصولها من اليمن، واضطر إلى الفرار من زنجبار عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، حيث ذهب للدراسة في بريطانيا عام 1968، ثم عمل محاضراً ما بين عامي 1980-1982 في إحدى جامعات نيجيريا، بعدها انتقل إلى جامعة كينت، حصل على درجة الدكتوراه عام 1982، ثم عمل أستاذًا للأدب الإنجليزي وتخصص في أدب ما بعد الاستعمار».

«إن مسيرته تمثل حالة نموذجية للكتاب أصحاب الهويات المتعددة، التي تدرس في إطار أدب ما بعد الاستعمار».

الدكتورة شيرين أبو النجا
الأستاذ بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة

 متضامن مع العرب مجهول لهم

على الرغم من أصوله العربية، وتضامنه مع قضايا العرب، وتقاطع اهتماماته الأكاديمية مع مناطق العالم الثالث، إلا أن مؤلفات «قرنح» لم تصل إلى القارئ العربي أبدًا، على عكس أغلب من فازوا في السنوات السابقة، وتحمست دور النشر لترجمة أعمالهم،  لاسيما وأن بعضهم بلغ قوائم جائزة البوكر .

عقب فوزه بجائزة نوبل، رحبت الروائية المصرية البارزة، أهداف سويف، بنبأ الفوز، في تدوينة لها عبر صفحتها على «فيسبوك»:  «قرنح لم يتأخر عن أى فعالية تضامنية مع القضايا العربية، بل شارك في احتفالية فلسطين للأدب بالفست عام 2009». ونشرت صورة له وهو يقدم محاضرة في جامعة الخليل، كما زار العديد من المدن الفلسطينية، وقرأ أعماله فيها. (إقرأ التقرير ذو الصلة: انعطافة جديدة في احتفالية فلسطين للأدب).

شارك «قرنح» في بيان صدر مع عدد من الكتاب، للتضامن مع الروائية الباكستانية، كاملة شمسي، التي سُحبت منها جائزة ألمانية بسبب مقاطعتها إسرائيل.

الناشرون من جانبهم، يؤكدون أن التعريف بالأدب الفريقي ليست أزمتهم بالأساس، وقال الناشر شريف بكر: «القارئ العربي لا يُقبل إجمالًا على الآداب الأفريقية»، مؤكدًا أن القراء العرب ينظرون إلى الأدب الأفريقي «بالكثير من الاستعلاء»، وتابع: «نضطر في بعض الأحيان لتوضيح أن الكاتب مزدوج الهوية، وإثارة حماس القراء وإقناعهم».

واتفقت الناشرة كرم يوسف، مديرة مكتبة «كتب خان»، مع وجهة نظر «بكر»، بشأن عدم اهتمام القراء العرب بالأدب الأفريقي، نتيجة ما وصفته بـ«النظرة الدونية  التي ترسخت في عقولنا تجاه أفريقيا بشكل عام، لأننا محكومون بالتبعية للغرب».

«تملكني الشعور بأن ما تحدث عنه لا يخرج عن خبرته الشخصية، وهذا الجانب لم يكن مثيرًا لي آنذاك، ويقع في منطقة خارج اهتمامي».

الناشرة كرم يوسف  
مديرة مكتبة «كتب خان

استضافت «يوسف» من خلال مكتبتها «قرنح»، في الندوة الوحيدة التي عقدها في القاهرة، خلال زيارته عام 2016، لكنها  لم تفكر في ترجمة أعماله، وقالت: «تملكني الشعور بأن ما تحدث عنه لا يخرج عن خبرته الشخصية،  وهذا الجانب لم يكن مثيرًا لي آنذاك، ويقع في منطقة خارج اهتمامي». وأضافت: «المؤكد أن فوزه بجائزة نوبل يغير من رؤيتي بالتأكيد، ويدفعني شأن غيري من الناشرين لمخاطبة وكيله الأدبي، والتنافس على ترجمة أعماله إلى العربية».

 أصدر  «قرنح» الحائز على نوبل عشر روايات، والعديد من القصص القصيرة، فضلًا عن عدة مؤلفات عن أدب ما بعد الاستعمار، الذي يختص بدراسة أعمال الكتاب القادمين من دول الجنوب إلى الغرب، ويكتبون بلغاته المتعددة.

ومن أبرز أعماله: المغادرة (1987)، طريق الحج (1988)، دوتى  (1990)، الجنة (1994)، الإعجاب بالصمت (1996)، عن طريق البحر (2001)، الهجر (2005)، الهدية الأخير (2011)، القلب الحصى (2017)، الآخرة (2020).

أدب ما بعد الاستعمار والجامعات العربية  

الناقد الأردني، فخري صالح، متخصص في دراسات ما بعد الاستعمار، وترجم نصوصًا للناقد الفلسطيني البارز، إدوارد سعيد، قال: «إن منح الجائزة هذا العام لكاتب إفريقي، مؤشر على أن التذمر من مركزية الجائزة الغربية، قد دفع اللجنة إلى الذهاب جنوبًا، هذه المرة، حتى ولو أن الفائز يكتب بالإنجليزية، إحدى لغات المركزية الأوروبية الكبرى».

«أبو النجا» التي أدارت ندوة «قرنح» عندما زار القاهرة،  قالت: «حين طرحنا اسمه للمشاركة ردت الغالبية، لم نسمع عنه، لكنه شارك وقدم محاضرة مهمة بعنوان قراءة العالم».

قالت «أبو النجا»: «قرنح ذاته يمثل نصًا قابلًا للدراسة والقراءة، بفضل ما يمثله من طبقات متعددة الهوية». لكنها تعتبره «نموذجًا إشكاليًا»، وأضافت: «قرنح مصنف ضمن تيار أدب ما بعد الاستعمار، لكنه يكتب بلغته، هو صاحب نص مضطرب، فهو يكتب حسب معايير نظريات ما بعد الاستعمار».

تدافع «أبو النجا» عن المؤسسات الأكاديمية، ومسؤوليتها تجاه التعريف بهذا الأدب، مؤكدة أن الأبحاث حوله كثيرة في الجامعات العربية، في إطار دراسات ما بعد الاستعمار، وقالت: «هذه النظريات نفسها لم تعد قادرة على مواكبة المتغيرات الجديدة، بعد أن طرأت مشكلات تخص الاندماج وتقبل اللاجئين، تختلف عن السياق الذي نمت فيه كتابات أمثال أهداف سويف، وقرنح، وسلمان رشدي، خلال سبعينيات القرن الماضي».

«إن منح الجائزة هذا العام لكاتب إفريقي، مؤشر على أن التذمر من مركزية الجائزة الغربية، قد دفع اللجنة إلى الذهاب جنوبًا، هذه المرة، حتى ولو أن الفائز يكتب بالإنجليزية، إحدى لغات المركزية الأوروبية الكبرى».

فخري صالح
الناقد الأردني المتخصص في دراسات ما بعد الاستعمار

يوافقها الدكتور خيري دومة، الأستاذ بقسم اللغة العربية في جامعة القاهرة، ويقول: «لم يتم تجاهل هذا الأدب، ولدينا حوله العديد من أبحاث الماجستير والدكتوراه، تصل إلى درجة الغزارة». ولفت إلى أنه ترجم قبل سنوات كتابًا بعنوان «الرد بالكتابة..النظرية والتطبيق في أدب المستعمرات القديمة»، للنقاد: بيل أشكروفت، وغاريث غريفيث، وهيلين تيفن.

يلقي الكتاب الضوء على التجربة الاستعمارية الغربية، وما أنتجته من ظهور كتابة جديدة باللغة الإنجليزية، قوية ومتنوعة، فيها استنباط وإبداع و تحد للمعايير السائدة في الأدب والثقافة، أفضت إلى ترسيخ نمط خاص من الكتابة، عُرفت بأنها «ما بعد الكولونيالية»، في ثقافات بلدان مختلفة مثل الهند وأستراليا وأفريقيا وكندا، وتمثل تلك النصوص نقداً راديكالياً للفرضيات التي تقوم عليها رؤى المركزية الأوروبية في اللغة والأدب.

يؤكد «دومة» أن «قرنح» يمثل أحد أسطع  نماذج هذا الأدب، الذي يعيش ورطة التعبير بلغة المستعمر، عن مواقف تدين ممارساته داخل المستعمرات.

الدكتور فاتن مرسي، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس، قالت: «إن الجامعات العربية بريئة من تهمة تجاهل هذه النوع من الكتابة، لأن الأبحاث حولها غزيرة جدًا». وأضافت: «بدأت رضوى عاشور، منذ سنوات بعيدة، هذا التوجه، بكتابها (التابع ينهض)، الذي تبنت فيه دعوة للاهتمام بالأدب الإفريقي وتقديمه، لكن هناك تيار داخل الجامعة، يطالبنا  الآن بالعودة إلى دراسة النصوص الإنجليزية الكلاسيكية، بعد طغيان دراسات ما بعد الاستعمار».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

من جهتها تؤكد الدكتورة كرمة سامي، مدير المركز القومي للترجمة في مصر، أن الجامعات أدت دورها في إنتاج علمي حول هذا الأدب، وقالت: «هناك مؤسسات أخرى ينبغي أن تؤدي دورها، في ربط هذا الإنتاج بالسياق الثقافي العام، سوف نسعى في المستقبل للنشر المشترك مع الجامعات لإتاحة هذا الإنتاج للقارىء العام».

تقول «سامي»، وهي أستاذ بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة عين شمس: «المشكلة  سببها أن أغلب الإنتاج الأكاديمي، يكتب بلغة تخصصية، لا تلبي حاجة القارئ العام، هناك قطيعة بين مؤسسات النقد والمجتمع».

تتوقع  مدير المركز القومي للترجمة، أن تتنافس غالبية دور النشر العربية على نشر أعمال «قرنح»، لأنها ستكون رائجة بسبب فوزه بجائزة نوبل. لكنها تؤكد كذلك أن إنتاجه الأدبي «لن يمثل مفاجأة كبيرة، بل يأتي منسجمًا مع الخط العام في كتابات ما بعد الاستعمار».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى