أخبار وتقارير

ديفيد جوليوس الحائز على جائزة نوبل في مقابلة حصرية لـ«الفنار»: فتش عن التمويل

يرى ديفيد جوليوس، الحائز على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب لهذا العام أن «أي بلد يريد إمتلاك مجال بحثي قوي يحتاج إلى تمويل من شعبه وحكومته».

ويؤكد  لـ«الفنار»، في أول مقابلة  يجريها مع منصة عربية، أن العلماء يعتبرون أنفسهم أعضاءً في مجتمع دولي واحد، و«لا أحد يهتم بجنسيتك أو دينك».

حصل «جوليوس»، الأستاذ ورئيس قسم علم وظائف الأعضاء في جامعة كاليفورنيا – سان فرانسيسكو، على الجائزة مُناصفة مع أرديم باتابوتيان، عالم الأعصاب المولود في بيروت والأستاذ في معهد سكريبس للأبحاث، في سان دييجو، كاليفورنيا. (اقرأ المقال ذي الصلة، ““باتا بوتيان” حائز نوبل الطب .. رحلة عالم من لبنان إلى أمريكا في جسم الإنسان.”)

ومن خلال عمل كلٍ منهما بشكل مستقل، توصل الباحثان إلى اكتشافات مهمة حول الأساس الجزيئي لكيفية استشعار الجسم لدرجة الحرارة واللمس، فعلى مدار عقودٍ من العمل، ركز ديفيد جوليوس وزملاؤه في مختبره في جامعة كاليفورنيا – سان فرانسيسكو (UCSF)، على سلسلة من البروتينات تعرف باسم قنوات TRP الأيونية، التي تلعب دورًا رئيسيًا في نقل الإحساس بالحرارة والبرودة والألم إلى الدماغ.

«ما زلت أخبر الناس الذين أصادفهم في حياتي عندما يكون لديهم مشاكل أن الإصرار يؤتي ثماره في النهاية».

أحد هذه البروتينات، المعروف باسم TRPV1، يستجيب للكابسيسين، وهو المركب الكيميائي الذي يعطي للفلفل الحار حرارته، فيما يستكشف بروتين آخر، هو TRPM8، برودة المنثول. ويرتبط الثالث، المعروف باسم TRPA1، والمُسمّى أيضا بـ«مستقبلات الوسابي» أو «الفجل الياباني»، بالشعور بالألم المصاحب للالتهابات.

وبفضل عمل فريق «جوليوس» تم التوصل لامتلاك رؤى جديدة، حول الطبيعة الأساسية للألم، وأصبحت هناك أهدافًا محتملة لشركات الأدوية، للعمل على تطوير مسكنات ألم جديدة غير أفيونية.
في مقابلته الحصرية مع «الفنار»، تحدث «جوليوس» عن اكتشافات معمله، وقدم للباحثين الشباب الكثير من النصائح حول سُبُل تحقيق النجاح.

يخاطب ديفيد جوليوس زملائه في حرم جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، أثناء احتفاله بجائزة نوبل يوم الاثنين 4 أكتوبر 2021. (الصورة: Noah Berger).
يخاطب ديفيد جوليوس زملائه في حرم جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، أثناء احتفاله بجائزة نوبل يوم الاثنين 4 أكتوبر 2021. (الصورة: Noah Berger).

ويؤكد الحائز على «نوبل» لهذا العام، أن الإحساس بالألم وظيفة وقائية في غاية الأهمية. ويضيف : «إذا لم يكن في إمكانك الشعور بالأشياء التي يمكن أن تسبب الألم، فأنت في خطر كبير لكي تعرض نفسك للأذى».
ويشدد على أن الإحساس بدرجة حرارة أي جسم، سواء كان ساخنًا جدًا أو شديد البرودة، أمرًا بالغ الأهمية لحماية الجسم.

وعلاوة على ذلك، يقول: «تساعدنا معرفة ما إذا كانت الأشياء ساخنة أو باردة، على إعادة ضبط درجة حرارة الجسم الأساسية، والتكيف مع بيئتنا. ولكن الأهم من ذلك هو إخبارنا عندما نتعامل مع شيء يمكن أن يؤذينا».
وعما إذا كانت مستقبلات TRPV1 وTRPM8 التي اكتشفها غير معروفة سابقًا يقول الحائز على نوبل: «لقد اكتشفنا TRPV1 بالفعل. أما بالنسبة لـ TRPM8، فقد تم تحديده سابقًا على اعتباره جين، تعمل تعبيراته بطريقة ما على تغيير الخلايا التي تشكل الأورام. لكن معنى ذلك لم يكن معروفًا، لقد اكتشفنا أن البروتين عبارة عن مستقبل للمنثول وإحساس البرودة».

لا يستطيع ديفيد جوليوس تحديد الوقت الذي استغرقه، ليحصل على نتائج واضحة، مشيرًا إلى أنه ربما بدأ العمل مع فريقه عام 1995، لكن الأمر استغرق نحو ثلاث سنوات ليحصد الفريق ثمار اكتشافه الأول، بتحديد المستقبل TRPV1 ويقول: «نجحنا بعد عامين أو ثلاثة أعوام في تحديد عمل المستقبل TRPM8. بعد ذلك، واصلنا دراستنا لقنوات البروتين هذه وغيرها، لنختبر تأثيرها على الفئران، ونعرف ما نوع الأدوية التي تعمل عليها، وأخيرا كيف تبدو على المستوى الذري».

ديفيد جوليوس، أستاذ ورئيس قسم علم وظائف الأعضاء بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، يحتفل مع زملائه وزوجته، يوم الخميس، 5 سبتمبر 2019 ، بعد فوزه بجائزة الاختراق لعام 2020 في علوم الحياة.  (الصورة: Noah Berger).
ديفيد جوليوس، أستاذ ورئيس قسم علم وظائف الأعضاء بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، يحتفل مع زملائه وزوجته، يوم الخميس، 5 سبتمبر 2019 ، بعد فوزه بجائزة الاختراق لعام 2020 في علوم الحياة. (الصورة: Noah Berger).

وفقا لـ«جوليوس» استغرق الأمر من 20 إلى 25 عامًا،  عمل خلالها على دراسة العديد من الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع، واختبار الفرضيات، حول ما نعتقد أن بإمكان هذه القنوات القيام به. ويضيف: «إنهم مثل أطفالي».

وعلى الرغم من طول الفترة الزمنية التي استغرقها مع فريقه، ليصل إلى  نتائج حاسمة، إلا أنه أبدى سعادة بما توصل إليه. وقال: «ما زلت أخبر الناس الذين أصادفهم في حياتي عندما يكون لديهم مشاكل أن الإصرار يؤتي ثماره في النهاية».

انطلق الحائز على نوبل لهذا العام في عمله، راغبًا في تحقيق  هدف عملي، هو تطوير عقاقير غير أفيونية لعلاج الألم، تجنّب آثار الإدمان الجانبية المحتملة، التي تصاحب استخدام الأدوية الأفيونية.

وعلى الرغم من أن عملية تحويل البحث إلى تطبيقات عملية، ليست من مهام الفريق، إلا أن «جوليوس»  يرى أن هناك الكثير من شركات الأدوية، التي تقوم بفحص الأدوية والمركبات والجزيئات المختلفة، وكيفية عملها على مستقبلات TRPV1 وTRPA1.

 وفي سبيل فهم أكثر عمقا لعمل المستقبلات الحساسة لدرجة الحرارة، عمل فريق البحث في البداية على منتجات طبيعية، مثل الفلفل الحار، وأوراق النعناع، التي نستخدمها كثيرًا في مطبخنا. ولكن من وجهة نظر إكلينيكية، وخاصة بالنسبة للمستقبلات TRPV1 وTRPA1، التي تعزز الشعور بالألم أثناء الالتهاب. وبذلك، لا تشارك هذه المستقبلات فقط في استشعار درجة الحرارة أو المهيجات الكيميائية، بل تساهم أيضًا في فرط الإحساس بالألم عندما تكون لدينا إصابة، مثل التهاب المفاصل. لذلك، تهتم العديد من الشركات بامتلاك عقاقير بإمكانها تعديل عمل هذه المستقبلات.

يقف ديفيد جوليوس مع زوجته وزملائه في سان فرانسيسكو، أثناء الاحتفال بجائزة نوبل التي حصل عليها  العام الحالي. (الصورة: Noah Berger).
يقف ديفيد جوليوس مع زوجته وزملائه في سان فرانسيسكو، أثناء الاحتفال بجائزة نوبل التي حصل عليها العام الحالي. (الصورة: Noah Berger).

وردًا على سؤال بشأن مستقبٍل المنثول أو TRPM8، قال ديفيد جوليوس : «يحاكي المنثول الإحساس بالبرودة، والذي ينشط مستقبلات TRPM8، والمعروفة أيضًا باسم مستقبلات البرودة». ويضيف: «في العادة نستخدم الكثير من هذه المنتجات كل يوم، كما هو الحال مع معاجين الأسنان، و مع ذلك، هناك إصابات تجعلك شديد الحساسية للبرد، مثل إصابة الألياف العصبية، وبالتالي يمكن أن تكون هناك تطبيقات طبية لعلاج فرط الحساسية للبرد بعد إصابات الأعصاب».

ويرى الحائز على نوبل أن عقبات تمويل الأبحاث العلمية تتشابه في معظم البلدان، ويشير إلى أننا في بعض الأحيان، نشعر جميعًا بالقلق حيال ذلك. كاشفًا أنه لا يمكن له أن يشكو بخصوص هذا الأمر، لأن معظم عمله تم تمويله من معاهد الصحة الوطنية الأميركية، وهي الوكالة الحكومية الرئيسية المسؤولة عن الأبحاث الطبية في البلاد.

وعلى الرغم من شعوره بالاطمئنان لتوافر الدعم، إلا أنه يحاول إبقاء مختبراته صغيرة، وبذلك يضمن أنه لن يكون مضطرًا للقلق بشأن كتابة طلبات المنح طوال الوقت.
ويضيف: «أحب المعامل الصغيرة لإمكانية التحدث مع الجميع. ومع ذلك، هناك أوقات كنت أشعر فيها بالقلق بشأن التمويل. في النهاية، المسألة قضية تمسّ الجميع، ولاسيما الباحثين الشباب، وهي قضية دائمة في مجال العلم».

ديفيد جوليوس إلى اليمين، يتحدث مع نيك بيلونو، طالب ما بعد الدكتوراة، في مختبر الفيزيولوجيا الكهربية في UCSF . (الصورة: Steve Babuljak).
ديفيد جوليوس إلى اليمين، يتحدث مع نيك بيلونو، طالب ما بعد الدكتوراة، في مختبر الفيزيولوجيا الكهربية في UCSF . (الصورة: Steve Babuljak).

غير أن «جوليوس»  يميز الولايات المتحدة، لأن فيها ما يجعل البحث الطبي ممكنًا حقًا،  نتيجة لوجود تمويل حكومي للبحوث، من خلال معاهد الصحة الوطنية ومؤسسة العلوم الوطنية.

 ويؤكد أنه من دون هذا الدعم من المجتمع، فإنه من الصعب جدًا أن يكون لديك برنامج بحثي مستدام. ويتابع: «العمل الخيري مفيد جدًا على صعيد الأفراد، لكن لا يكفي الحصول عليه في الغالب دون تمويل حكومي». ويشدد الحائز على نوبل لهذا العام، أن أي بلد يريد امتلاك مجال بحثي قوي، فإنه بحاجة إلى تمويل من شعبه وحكومته.

وينصح ديفيد جوليوس العلماء في المنطقة العربية، بالقيام بجزء من دراستهم في الخارج، لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم تعلم بعض العلوم هناك.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

إلا أنه يعتقد أيضًا أن الحصول على منح دراسية لهؤلاء العلماء، لن يحل مشكلة تمويل البحث العلمي، لكن لاحقًا بإمكانهم العودة وممارسة العلم في بلدانهم، والضغط على المدى البعيد، لبناء مشروع علمي، وقيادة بلادهم إلى الأمام.

لم يسافر ديفيد جوليوس كثيرًا إلى بلدان منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه تفاعل مع باحثين عرب جاءوا للعمل معه في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، كما أن لديه زملاء من إيران والمملكة العربية السعودية، ويؤكد «أن العلماء عمومًا لا يهتمون بجنسيتك أو دينك». مضيفًا: «نحن نعتبر أنفسنا أعضاء في مجتمع دولي واحد».

«أن العلماء عمومًا لا يهتمون بجنسيتك أو دينك، نحن نعتبر أنفسنا أعضاء في مجتمع دولي .واحد

وبفضل عمله في مختبرات صغيرة، يعطي ديفيد جوليوس الكثير من الوقت للفريق الذي يعمل معه، ويقول: «عندما يأتي الطلاب وطلاب الدراسات العليا إلى مختبري، فإنهم عادةً ما يختارون شيئًا يهتمون به للعمل عليه، والتركيز على مشاريعهم الصغيرة، التي يمكن أن تؤدي إلى التواصل مع مشاريع أخرى. إلا أن هذا العمل اليومي يتضمن الفرصة لاجتماعاتٍ، تجري لمرة واحدة في الأسبوع، حيث يتحدث أفراد الفريق عن النتائج التي توصلوا إليها».

يعبر «جوليوس» عن سعادته بالعمل مع فريقه، ويقول: «أنا محظوظ للعمل مع أشخاص منفتحين للغاية وكرماء في منح وقتهم لمساعدة الناس».

ونقل الحائز على نوبل في الطب لهذا العام شعوره بالامتنان، للأشخاص الذين عمل معهم، وجميع الطلاب والزملاء، الذين شاركوه الرحلة، ووجه الشكر كذلك لجميع وكالات التمويل، التي وقفت وراء عمله وجعلته ممكنًا؛ و بالمثل شكر عائلته التي تحملت هوسه للقيام بهذا العمل؛ ووجه الشكر الخالص لزوجته، وهي عالمة أيضًا؛ ووالديه اللذين سمحا له بالقيام بما يريد ولم يحاولوا أبدًا تحويل مساره، والقول: «حسنًا، هذا ليس بالأمر الجيد الذي يجب القيام به للحصول على المزيد من المال».

ويختتم حديثه مع «الفنار» قائلًا: «لم يهتم أبي أو أمي بذلك لكنهما كانا متحمسين لحماسي، ودعموني من دون تدخلات».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى