أخبار وتقارير

أكاديميون عرب يودعون «راهب الفلسفة» حسن حنفي..مؤسس اليسار الإسلامي

معارك فكرية وفلسفية عديدة، خاضها الأكاديمي المصري الراحل حسن حنفي، منها ما وصل إلى ساحات القضاء، ومنها ما وصل إلى حد تكفيره، في مشوار علمي غزير، دعا خلاله لما أسماه «اليسار الإسلامي»، وتأسيس «علم الاستغراب»، ومشروع «من العقيدة إلى الثورة».

توفي حنفي، الخميس، عن عمر ناهز 86 عامًا، وشيعت جنازته، الجمعة، بعد رحلة علمية ثرية، ترك خلالها مؤلفات عديدة، لاقت انتشارًا واسعًا خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، من القرن الماضي.

ونعى الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، المفكر الراحل. وقال في بيان له: «إن الراحل كانت له جهودًا عظيمة، في إثراء الثقافة والفكر والمكتبات، ليس في عالمنا العربي فحسب، بل في العالم الغربي كذلك».

ولد «حنفي» في العاصمة المصرية القاهرة عام 1935، وحصَلَ على ليسانسِ الآداب بقسم الفلسفة عام 1956، ثم سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون، عن رسالتين، قام بترجمتها إلى العربية، ونشرهما عام 2006 تحت عنوان: «تأويل الظاهريات» و«ظاهريات التأويل»، وقضى في إعدادهما حوالي عشر سنوات.

وخلال مشواره الأكاديمي، رأس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، ودرَّسَ بعدد من الجامعات العربية والأجنبية؛ في المغرب وتونس والجزائر وألمانيا وأمريكا واليابان. وكان نائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية، والسكرتير العام للجمعية الفلسفية المصرية.

ونعاه الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، ووصفه في بيان بأنه «القيمة الأكاديمية الكبيرة والإنسان المتميز».

ووصفه الروائي المصري، حمدي الجزار، بـ«المعلم الساحر»، واستعرض علاقته مع «حنفي»، كأحد تلاميذه بجامعة القاهرة أوائل تسعينيات القرن الماضي، وقال : «إنه أستاذ فريد، لا يشبه أحدًا، ولا يشبهه معلم، فقد كان يدخل المدرج قبل الثامنة صباحًا، ولا يسمح للطالب بأن يحضر بعده، لكنه يبيح لنا ما لا يبيحه غيره، يدفعنا إلى السؤال أكثر من الاستماع».

«إنه أستاذ فريد، لا يشبه أحدًا، ولا يشبهه معلم، فقد كان يدخل المدرج قبل الثامنة صباحًا، ولا يسمح للطالب بأن يحضر بعده، لكنه يبيح لنا ما لا يبيحه ».غيره، يدفعنا إلى السؤال أكثر من الاستماع

حمدي الجزار
الروائي المصري

ورأى «الجزار» أن محاضرات «حنفي»  كانت تشبه «المسرحية الشيقة، أو أي فيلم سينمائي بديع الصور، وتقترب من كونها رواية فاتنة. لأنه حضوره خارق، وعلمه غزير، وظرفه ولطفه لا شاطئ له ولا حد»، واعتبر أن «حنفي» جمع فى رأسه عوالم الفلسفة، وسكن كل الفلاسفة.

وقال : «في نصف ذهنه حكمة الشرق منذ فجر التاريخ والفلسفة الإسلامية، وفي نصفه الآخر فلسفة العصر الحديث والمعاصر، أما وجهه فعيون على الواقع اليومي». واعتبر أن السؤال الأساسي الذي قاد مسيرة معلم الفلسفة هو «لماذا تخلفنا وتقدم الآخرون؟».

نعى الباحث العراقي، خزعل الماجدي، المفكر الراحل عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، مؤكدًا أن شتاء الفكر العربي المعاصر قد حلّ، بعد هذا الرحيل، وقال: «النخبة الطيبة المتنورة من المفكرين العرب، الذين ظهرت طروحاتهم الفكرية العميقة، منذ ما يقرب من ستة عقود حزمت حقائبها، ورحلت مخلّفة فصل شتاء طويل ستحلّ بنهايته عتمة حقيقية في هذا المجال».

التراث والتجديد

انشغل «حنفي»، كمفكر بقضية «التراث والتجديد»، وكانت له العديد من المؤلفات منها: «نماذج من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط»، و«مُقدمة  في علم الاستغراب»، و«من الفناء إلى البقاء».

بفضل هذا الإنتاج، حصل «حنفي» على عدة جوائز في مصر وخارجها، مثل جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 2009، وجائزة النيل فرع العلوم الاجتماعية عام  2015، وكذلك جائزة المفكر الحر من بولندا.

من جهته قال الدكتور أنور مغيث، أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان: «كان الراحل شديد الجاذبية كأستاذ، لأنه لم يتورط في تكرار الكلام المعتاد، وفضل دائما أن يثير نقاشًا في قاعات المحاضرات».

«كان الراحل شديد الجاذبية كأستاذ، لأنه لم يتورط في تكرار الكلام المعتاد، وفضل دائما أن يثير نقاشًا في قاعات المحاضرات».

أنور مغيث
أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان

وأضاف: «أنه كان يحول قاعة المحاضرات إلى ساحة للمناظرات بينه وبين طلابه، وبالتالي فقد كانت تدريبات مبكرة على التسامح والانفتاح على الرأي الآخر وتنمية معنى الاختلاف».

وأوضح «مغيث»، المدير السابق للمركز القومي للترجمة في مصر، أن «حنفي» كان صاحب شعبية في مصر والعالم العربي، بعد جيل زكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا.

فيما أشار المحلل السياسي، الدكتور كمال حبيب، إلى جهود الراحل في التعامل مع التراث، وقال: «جمعتني معه رحلة علمية للمشاركة في أحد المؤتمرات في تركيا، وأدهشني جدًا تأثيره على الفكر الديني هناك، خاصة داخل كليات أصول الدين، التي تتبنى منهجًا فلسفيًا وعقلانيًا وكلاميًا، أكثر منه منهجًا نقليًا سلفيًا».

يذكر «حبيب»، أنه تعرف على الأفكار التي طرحها «حنفي»، من خلال مجلة «اليسار الإسلامي»، التي أصدرها أواخر الثمانينيات، لتبني دعوته لتيار تقدمي، يجمع بين قيم العدالة والحرية، وبين قيم الإسلام. ولفت إلى أن المجلة أخرجت عددًا، ربما كان الوحيد الذي خرج، للتعبير عن هذه الفكرة، ولم يقدر له النجاح، ووصف «حبيب» المفكر الراحل بـ«المجتهد الكبير».

من جانبه، قال «مغيث»: «ما تركه حنفي يكشف عن أمرين، الأول أنه كان على معرفة عميقة بالتراث العربي، والثاني انه على إطلاع واسع على الفلسفة الغربية». وأشار إلى أن مشكلة المفكر الراحل، جاءت عبر اشتباكه مع المجال العام، ومن رؤيته التي تبناها لتحديث الفكر النهضوي العربي، ومن محاولة الجمع بين الفكر والسياسة عبر ما أسماه «اليسار الإسلامي».

وقال «مغيث» إن كتابات الراحل تضمنت انتقادات واسعة، لمشروع النهضة العربية في القرن العشرين، لكنه فكر بصورة عملية، حين دعا لتأسيس حزب سياسي من ناحية، ومن ناحية أخرى تبني دعوة إعادة تأسيس العلوم العقلية العربية، وتقديم كشف حساب للتراث العربي الفقهي، وهو ما استفز جمهور المحافظين.

صاحب الأثر

 المؤرخ اللبناني، الدكتور خالد زيادة، قال: «إن الراحل خاض في موضوعات، يمكن أن ننسبها إليه وحده، كاليسار الإسلامي، وعلم الاستغراب»، وأوضح أنه ترك أثرًا في الكثيرين.

وأوضح «زيادة»، الذي شغل في السابق موقع السفير اللبناني في القاهرة، أن المسألة الإشكالية التي تعبر عنها أعمال الراحل، في طموح رجل الفكر والأكاديمي، إلى التأثير في الجدالات السياسية، أو رغبته في أن يكون لأعماله مردود في التيارات السائدة أو الرائجة.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ورأى «زيادة»، وهو أستاذ بالجامعة اللبنانية في طرابلس، أن كل الموضوعات التي تناولها «أحدثت مثل هذا الانقسام وربما سوء الفهم، لكنه غير مسؤول عن ذلك، لأن المشكلة الفعلية جاءت من الموضوعات التي تناولها، بحيث لا نعرف كيف يتحول تجديد التراث إلى عودة إلى الأصول. ولا نستطيع أن نتبين إذا كان هناك في الحصيلة بين يسار إسلامي مفترض وبين يمين متخيل».

https://www.bue.edu.eg/
Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى