أخبار وتقارير

«باص السينما» في غزة..نافذة أمل داخل حافلة ركاب

أمام شاشة عرض مثبّتة داخل حافلة ركاب، تجلس إيمان صافي، 19 عامًا، على مقعد تشاهد فيلمًا للمرة الأولى في حياتها، داخل قطاع غزة، وذلك بفضل مشروع سينما متنقلة، أطلقته إحدى منظمات المجتمع المدني.

مشاعر مختلطة كما تصفها «صافي»، الطالبة في كلية الإعلام بجامعة الأقصى، في غزة، التي تدرك ضرورة وجود مثل تلك التجارب الترفيهية، وسط القطاع الذي لم تعرفه سوى ساحة للدمار والقتل والقصف.

وقالت في اتصال هاتفي مع «الفنار»: «تمثل تجربة حضور عرض سينمائي بصيص أمل،  وحدثًا استثنائيًا جاء في ظل الغياب التام لدور العرض السينمائي في قطاع غزة لأسباب دينية ومجتمعية».

أطلقت جمعية إنقاذ المستقبل الشبابي مشروع «باص السينما»، في مارس/آذار عام 2020، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، لتصبح أول سينما متنقلة في فلسطين، تهدف إلى «إحياء الفن والثقافة في غزة، وتعزيز المفاهيم الإيجابية داخل المجتمع الفلسطيني».

تقدم العروض الجديدة داخل حافلة ركاب تتسع لنحو 50 راكبًا، وتشمل مصعدًا لمساعدة ذوي الإعاقة، فضلاً عن وجود نظام حماية وأمان متكامل، يحتوي على أبواب للطوارئ، وأجهزة إنذار، ومعدات إطفاء الحرائق، وأجهزة تكييف وتهوية، وتعمل الحافلة بالطاقة الشمسية كمصدر أساسي لتشغيل أجهزة العرض.

«هدفنا تعزيز وجود الثقافة بكافة معطياتها، ونأمل أن تدعم السينما المتنقلة الصحة النفسية لكافة سكان القطاع».

مصطفى الفار
المتحدث الإعلامي لجمعية إنقاذ المستقبل الشبابي

عودة الترفيه

نشأت فكرة «باص السينما»، في صيغتها الأولى، قبل أربع سنوات، حين نظمت مجموعات شبابية تابعة للجمعية الفلسطينية، التي تأسست عام 2001، ساحة عرض لأفلام رسوم متحركة في أحد الأحياء الشعبية، في قطاع غزة، ضمن مبادرة مجتمعية. وتطورت الفكرة إلى مشروع للسينما المتنقلة، العام الماضي، بعدما تفاعلت أعداد كبيرة من الأهالي والأطفال مع تجربة شاشة العرض، بحسب مصطفى الفار، المتحدث الإعلامي لجمعية إنقاذ المستقبل الشبابي، التي تتولى تنظيم العروض.

وقال «الفار» في اتصال هاتفي مع «الفنار»: «هدفنا تعزيز وجود الثقافة بكافة معطياتها، ونأمل أن تدعم السينما المتنقلة الصحة النفسية لكافة سكان القطاع».

ترى «صافي»، التي تقيم في محافظة خان يونس، أن وجود سينما متنقلة في غزة يعيد الترفيه لسكان القطاع، بعدما تحول في نظر البعض إلى «سلوك معيب»، في ظل توالي حالات الفقد وموجات الاستشهاد جراء القصف الإسرائيلي المتواصل.

دخلت السينما قطاع غزة، في أربعينيات القرن الماضي، وازدهرت لاحقًا بتقديم عروض الأفلام العربية والغربية والآسيوية، متأثرة بسنوات الانفتاح  خلال فترة الحكم المصري للقطاع، بحسب ميرفت عوف، الصحفية الفلسطينية المقيمة في غزة. (إقرأ القصة ذات الصلة: التعليم الفلسطيني يرزح تحت وطأة النزاع الطويل مع اسرائيل).

وأضافت «عوف»: «أن خلافات القوى السياسية والأحزاب الإسلامية تسببت في إغلاق السينما، خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وظلت مغلقة بسبب القيود الحكومية والسياسية على دعوات إعادة افتتاحها».

تنظيم أم رقابة

الأفلام المنتقاة للعرض في مشروع السينما المتنقلة، تخضع لرقابة وزارتي التربية والتعليم، والثقافة، في قطاع غزة، وتتولى تلك الجهات الحكومية اختيار الأفلام المعروضة، بالتنسيق مع الجمعية الفلسطينية، بعد مطابقتها لعدد من المعايير.

من جانبه يرى المتحدث الإعلامي لجمعية إنقاذ المستقبل الشبابي، أن السينما وسيلة للترفيه، كما أنها آلية لنشر الأفكار الإيجابية «طالما كانت الأفلام المعروضة هادفة وإيجابية، تشاهدها جميع الفئات»، حسب تعبيره. (إقرأ القصة ذات الصلة: افتحوا غزة: توظيف العمارة والخيال لفك الحصار عن القطاع).

من جانبها ترى الصحفية الفلسطينية، ميرفت عوف، أنه مع سيطرة التيار الإسلامي على السلطة داخل القطاع، أصبح السكان يميلون لقبول المعايير المحافظة دينياً.

محمد الهرباوي، منسق مشروع «باص السينما» في الجمعية الفلسطينية، يوضح معايير اختيار الأفلام: «تتجنب الجمعية اختيار الأفلام التي تشتبك مع قضايا السياسة والدين»، مشددًا على أن الجمعية تختار الأفلام التي «تخدم المجتمع فقط، وتعزز المفاهيم الإيجابية».

تتجنب الجمعية اختيار الأفلام التي تشتبك مع قضايا السياسة والدين

محمد الهرباوي  
منسق مشروع «باص السينما» في الجمعية الفلسطينية

دافع «الهرباوي» عن حق وزارتي الثقافة، والتربية والتعليم، مع الجمعية، في اختيار الأفلام، واعتبره «حقًا أصيلًا»،  وقال في مقابلة مع «الفنار»، عبر تطبيق «زووم»: «ينبغي أن يكون لدى الوزارتين اطلاع على الأفلام التي سيتم عرضها على فئات المجتمع».

وأضاف: «الاختيار يتم بحذر شديد، من خلال لجنة تكلفها الجمعية بتحديد قائمة الأفلام المعروضة  للفئات الثلاث المستهدفة منها، الأطفال، الطلائع، والشباب».

تعميم ودعم مشروط

نظمت الجمعية عروضاً، خلال العام الماضي، في ثمانية مخيمات لاجئين في القطاع، البالغ عدد سكانه نحو 2.11 مليون نسمة، بحسب آخر إحصائية رسمية.

يطمح القائمون على المشروع إلى تعميم التجربة في مدن القطاع؛ في ظل تضاعف أعداد الزائرين، وسعي بعض المخرجين إلى عرض أعمالهم  من خلال «باص السينما».

 يؤكد «الهرباوي» أنه يجري العمل على تصميم خطة تضمن استمرارية عمل المشروع، حتى لو انقطع التمويل، بفضل استجابة الفئات المستهدفة، واحتفاء المجتمع الغزاوي به.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

فيما يستبعد المسؤول الإعلامي للجمعية الفلسطينية، نجاح المشروع في تجهيز قاعة سينما مستقلة داخل القطاع، ويرجع ذلك إلى «محدودية الدعم المادي، وتفضيل الناس لفكرة السينما المتنقلة التي تصل للجميع في مناطقهم».

 من ناحيتها، تعتقد «عوف» أن التجربة ستجد دعمًا وترحيبًا على المستويين الرسمي والشعبي، طالما يناسب محتوى الأفلام المعروضة في المشروع «الطبيعة المحافظة التي تقرها السلطات».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى