أخبار وتقارير

الصحة النفسية للفنانين والعلاج بالدراما..إليك ما لم تعرفه عن مهرجان الجونة

مع اختتام فعاليات مهرجان «الجونة» السينمائي في مصر، بعد نحو أسبوعين من الصخب الفني والإعلامي، تبقى النقاشات التي شهدتها أروقة ندواته وورش عمله، وحلقاته النقاشية أقرب لبرامج العمل المفتوحة التي تستحق المتابعة.

فإلى جانب الندوات المُتخصصة في عالم السينما وفنياتها، كانت هناك ندوات تسعى لخلق روابط بين السينما ومجالات حياتية عامة، لعل أبرزها علاقة السينما بملف الصحة النفسية والعقلية، في مسار يحمل الكثير من المُصارحة، لاسيما في المجال الفني الذي يعتمد بشكل كبير على المشاعر والتقمص، وغيرها من المفردات التي تبذل درجات كبيرة من الجهد الذهني والنفسي.

ويبدو الحديث عن الصحة النفسية مُواكبًا للاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يتم الاحتفال به كل عام، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول.

دعوة للتنفس

«تنفس، تحدث: عن الصحة النفسية للممثلين»، كان عنوان إحدى الندوات، التي انطلقت من اعتبار أن الصحة النفسية للفنانين، ليست فقط قضية مُلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإنما أيضًا على الصعيد العالمي، وأوضحت أسباب ما يسمى بـ «الضعف النفسي» للممثل، مثل تعرضه لمشاعر الرفض خلال تقدمه للأدوار، وفشل الاختبارات، والاستجابة السلبية من الجمهور أو النُقاد لعمله، ومراحل تركيزه لتجسيد الدور الذي يلعبه ليكون أصيلًا وقابلًا للتصديق كممثل.

«الممثل يجد نفسه أداة طيعة في يد المنتج والمخرج والستايلست، بما يجعله تحت ضغوط من الجميع، وصولًا لعمله لما يصل أحيانًا لأكثر من 20 ساعة متواصلة، وبمجرد وصوله لمرحلة النجومية تبدأ حياته في التعقد بسبب عدم قدرته على ممارستها بشكل طبيعي».

نبيل القط
استشاري الطب النفسي

في تلك الندوة، لفتت المؤلفة وكاتبة السيناريو، مريم نعوم، إلى فكرة حساسية الشخص المبدع، داعية  بعض المخرجين لإيجاد صيغة بديلة بعيدة عن الضغط النفسي على الممثلين، بهدف إظهار أعلى درجات إبداعهم، لاسيما أن هذا الأسلوب طالما يترك أثرًا عكسيًا بعد انتهاء تصوير العمل، وطالبت أيضًا لوجود أخصائي نفسي بمواقع التصوير، للتأكد من تحقيق التوازن النفسي المطلوب لفريق العمل، مما سينعكس على إنتاجية الأفراد وإبداعهم.

وشارك الدكتور نبيل القط، استشاري الطب النفسي، في تلك الندوة، التي تمت بمبادرة من مهرجان «ميد فيست» للأفلام الطبية، بالتعاون مع مهرجان «الجونة» السينمائي، واعتبر في حديثه لـ«الفنار» أن فتح باب النقاش حول الصحة النفسية للممثلين، هو في حد ذاته تطور مهم ولافت في صناعة السينما والدراما.

ويضيف «القط» أن الجيل الجديد من الفنانين، أكثر وعيًا بالعلاقة بين الصحة النفسية والفن، ويتعاملون معها بشكل أكثر جدية، سواء على مستوى الحديث بصوت عال عن المشكلات النفسية، التي يتعرض لها الفنان، أو من حيث استشارة المتخصصين في الأعمال الدرامية، التي تتناول المرض النفسي، وقال: «منذ نحو خمس سنوات، يتم الاستعانة بي في التحضير مع صناع أفلام ومسلسلات، تتعرض لمشكلات المرض النفسي، كما في فيلم (الفيل الأزرق)، و مسلسلات (تحت السيطرة)، و(فوق مستوى الشبهات)، وهذا منحى إيجابي لتجنب الأخطاء الكبيرة، التي كانت تؤدي لغرس صور نمطية مشوهة حول المريض، أو المعالج النفسي في الدراما».

«الممثل يتعرض لعدد كبير من الضغوط، بداية من مستوى دخوله وتقمصه للدور، وصولًا لدرجة مصداقية كبيرة، وسط تنافسية هائلة بين الفنانين، مرورًا بأن بعض الممثلين يصلون لمرحلة من التقمص ترافقهم في يومياتهم العادية وحتى أحلامهم، وتلك المرحلة تحتاج لآليات للخروج من تبعات الدور وممارسة حياتهم الطبيعية بعده»، وفقًا لما قاله «القط».

وتابع: «الممثل يجد نفسه أداة طيعة في يد المنتج والمخرج والستايلست، بما يجعله تحت ضغوط من الجميع، وصولًا لعمله لما يصل أحيانًا لأكثر من 20 ساعة متواصلة، وبمجرد وصوله لمرحلة النجومية تبدأ حياته في التعقد بسبب عدم قدرته على ممارستها بشكل طبيعي».

يعتبر الدكتور نبيل القط، أن تلك العلاقة بين الصحة النفسية والفنان، لا يكفي أن تكون مادة للنقاش في ندوة وحسب، بقدر تفعيلها وتضمينها في مواد معاهد الفنون، بصورة إرشادية تمنح الممثل القدرة على تفهم المراحل النفسية التي يمر بها، كما يمكن أن تكون تلك العلاقة قوامًا لعمل وكالات متخصصة في الطب النفسي، تعمل لدعم السلامة النفسية للفنانين، بشكل يقود الصناعة الفنية بشكل عام للأمام.

العلاج بالدراما

تناولت النقاشات صناعة الأفلام، وقدرتها على التغيير في المجتمعات، من خلال رفع الوعي المجتمعي، وهو ما طرحته بعض الأفلام المشاركة في المهرجان مثل «السجناء الزُرق»، للمخرجة اللبنانية، زينة دكاش، التي تحدثت عن تجربتها باستفاضة ضمن ندوة بعنوان «السينما كأداة للتغيير المجتمعي».

«إن الاهتمام بإبراز مناقشة ملف الصحة النفسية والعقلية، في المهرجانات الفنية كمهرجان الجونة أمر مهم، لاسيما وأن العالم كله لايزال في رحلة خروجه من محنة فيروس كوفيد-19، وما تبعه من حجر صحي وعزلة فردية، جعلتنا في مواجهة أكبر مع المرض النفسي».

زينة دكاش
الفنانة والمعالجة النفسية

وأسست الفنانة والمعالجة النفسية، زينة دكاش، المركز اللبناني للعلاج بالدراما (كثارسيس) منذ عام 2006، عقب دراستها لمجال العلاج بالدراما في الولايات المتحدة. وكلمة (كثارسيس) التي اختيرت اسمًا للمركز تعني التطهير باللغة اليونانية، بما يُحيل لفكرة التطهير من الألم النفسي عبر الفن.

قالت «زينة» لـ«الفنار»: «إن الاهتمام بإبراز مناقشة ملف الصحة النفسية والعقلية، في المهرجانات الفنية كمهرجان الجونة أمر مهم، لاسيما وأن العالم كله لايزال في رحلة خروجه من محنة فيروس كوفيد-19، وما تبعه من حجر صحي وعزلة فردية، جعلتنا في مواجهة أكبر مع المرض النفسي».

وتحدثت المخرجة اللبنانية عن عملها في إخراج وإنتاج الأفلام الوثائقية، لأكثر من عشر سنوات داخل السجون اللبنانية، وكيف أنها لمست الأزمات النفسية التي يمر بها  كثير من المساجين، ما جعلها تعمل على فكرة «العلاج بالدراما» في العمل الاجتماعي، خاصة داخل السجون اللبنانية، عبر تبني مسرحيات يقومون بالمشاركة فيها.

وشارك فيلمها «السجناء الزُرق» The Blue inmates في مسابقة الأفلام الوثائقية بمهرجان الجونة، وتعتبر «زينة» أنه يأتي في إطار مشروعها الفني، الذي يتناول موضوعات إنسانية محضة.

قالت «زينة»: «نجحت مع كل فيلم في تعديل قوانين تخص السجناء في لبنان، بداية من فيلم (12 لبناني غاضب)، الذي بسببه تم تطبيق قانون تخفيض العقوبات لحسني السلوك في لبنان، ومن بعده فيلم (يوميات شهرزاد في سجن النساء)، الذي نادى بمشروع قانون أمام البرلمان اللبناني لحماية النساء من العنف الأسري».

«إن العلاج بالدراما أسلوب يفتح آفاق الفنان، ويسعى لتحقيق التوازن بين شخصية الممثل الحقيقية والشخصية التي يؤديها في العمل الفني، وأنه يشبه تدريبات اللياقة اليومية كالرياضة أو القراءة». وأضاف: «كل الأساليب المعاصرة للتمثيل ممزوجة بالعلاج بالدراما».

أحمد مالك
فنان مصري

يدور فيلم «السجناء الزرق» حول نزلاء سجن «رومية» اللبناني، الذين ينجزون عملًا مسرحيًا عن زملائهم، الذين يعانون من اضطرابات نفسية، والمودعين تحت بند «مجنون وممسوس»، بموجب قانون العقوبات اللبناني.

أضافت «زينة»: «ننادي في (السجناء الزرق)، بتعديل قانون العقوبات لسنة 1943، الذي يذهب إلى أن كل مجنون أو معتوه أو ممسوس ارتكب جرم، يبقى في السجن لحين شفائه، فنشير في الفيلم إلى لغط تلك التعبيرات، وضرورة استبدالها بتعبير مريض نفسي أو عقلي، خاصة أن المرض النفسي ليس سببًا في بقائه بالسجن، لأنه في الحقيقة إذا ظل دون علاج نفسي فلن يخرج من السجن أبدًا».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

اهتمت وسائل الإعلام بتصريح الفنان المصري، أحمد مالك، بأنه مريض بالاكتئاب، وهو ما أعلنه خلال ندوة مُكرسة عن الصحة النفسية في مهرجان الجونة، واستخدم «مالك»  تعبير «العلاج بالدراما»، وقال: «إن العلاج بالدراما أسلوب يفتح آفاق الفنان، ويسعى لتحقيق التوازن بين شخصية الممثل الحقيقية والشخصية التي يؤديها في العمل الفني، وأنه يشبه تدريبات اللياقة اليومية كالرياضة أو القراءة». وأضاف: «كل الأساليب المعاصرة للتمثيل ممزوجة بالعلاج بالدراما».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى