أخبار وتقارير

اليمنية فتحية زخم.. رحلة تشخيص جديد للسل انطلقت تحت القصف

جهود عديدة يبذلها العلماء للتعامل مع مشكلات مجتمعاتهم، من بين هؤلاء، فتحية زخم، الباحثة اليمنية في علم الأحياء الدقيقة والتشخيص الجزيئي، والتي تعمل على استكمال أبحاثها في تطوير أدوات سريعة ودقيقة ورخيصة، للكشف عن العامل المسبب لمرض السل.

تسعى «زخم» للسيطرة على سلالات السل المقاومة للأدوية، لكي تساعد في القضاء على المشكلة، التي تعاني منها اليمن، وبعض الدول المنخفضة ومتوسطة الدخل، وذلك عن طريق منحة حصلت عليها مؤخرًا، لمدة ثلاث سنوات، في جامعة هلسنكي في فنلندا.

قالت «زخم»: «المشكلة الكبرى تتلخص في تأخر تشخيص المرض، نحتاج إلى مزارع وحضانات تستغرق شهرين للنمو، لكن انقطاع الكهرباء المتواصل في اليمن، بسبب ظروف الحرب، لا يسمح بنمو العينات». وأضافت أن نسبة التشخيص المجهري أقل من المزارع، ما يدفعها للبحث عن طرق جديدة، تساعد في دقة التشخيص.

ولدت «زخم»  في المملكة العربية السعودية، وانتقلت في تسعينيات القرن الماضي إلى اليمن، واستكملت تعليمها الإعدادي والثانوي، وحصلت على البكالوريوس في علم الأحياء الدقيقة، من جامعة الموصل في العراق، وعادت إلى اليمن معيدة في جامعة الحديدة، ثم حلصت على منحة دراسية حكومية في المغرب، وهناك حصلت على درجة الدكتوراه في علم الأحياء الدقيقة والبيولوجيا الجزيئية، من جامعة محمد الخامس، عام 2012، لتعود إلى اليمن كأستاذ مساعد، في كلية الطب والعلوم الصحية، بجامعة الحديدة، من عام 2013 وحتى عام 2017 .

«المشكلة الكبرى تتلخص في تأخر تشخيص المرض، نحتاج إلى مزارع وحضانات تستغرق شهرين للنمو، لكن انقطاع الكهرباء المتواصل في اليمن، بسبب ظروف الحرب، لا يسمح بنمو العينات».

فتحية زخم  

البحث تحت القصف

تعكس قصة الباحثة اليمنية تحديًا من نوع خاص، وطنها يعاني من ويلات الصراع على السلطة، ما صعب مهمة بحثها في كلية الطب بالحديدة. قالت «زخم»: «منذ عام 2015، لم يعد العمل ممكنا في كلية الطب بسبب القصف، وانتقلنا للعمل في مختبرات كلية التربية، في أحد المرات سمعنا صوت القصف قريبًا جدًا، وطلبت من الزملاء مغادرة المختبر لكنهم رفضوا وواصلنا العمل، وفي 27 مايو من ذات العام، تم قصف الجامعة، وتدمير معاملها البحثية، وقُتل أربعة من زملائي في الهجوم، ولم يبق من المباني سوى الأنقاض».

حاولت «زخم» البقاء في اليمن، رغم أن الحرب وانقطاع التيار الكهربائي جعلا من المستحيل تقريبًا زراعة البكتيريا لإجراء التجارب. لكنها انتقلت عام 2018، إلى محطة جديدة في رحلتها للبحث عن تشخيص جديد للسل، من خلال زمالة ما بعد الدكتوراه، في معهد الأحياء الدقيقة، بالمستشفى الجامعي، في لوزان بسويسرا.

Fathiah Zakham
تسلمت فتحية زخم الباحثة اليمنية في الأحياء الدقيقة جائزة اليسيفر في عام 2020. (الصورة: اليسون بيرت- اليسيفر).

هناك في سويسرا يحظى عمل «زخم» البحثي باهتمام كبير، يعبر عنه هلال الأشول، أستاذ علم الأعصاب في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا: «لدي احترام وإعجاب كبيران للدكتورة زخم وإنجازاتها العلمية، على الرغم من نقص الموارد والدعم، وغياب تكافؤ الفرص للعلماء في منطقتنا».

وأضاف: «لم تمنعها أي تحديات شخصية، أو قوى خارجية، من متابعة شغفها بالبحث، أو تصميمها على تطوير حلول وابتكارات علمية لمعالجة المشاكل، التي تؤثر على حياة الناس في البلدان النامية، ولا حتى الحرب المدمرة، أو مشاهدة القصف والتدمير للمختبرات التي تعمل بها».

السل وطرق التشخيص الجديدة

يُصاب ربع سكان العالم بالسل الكامن، وتنشط تسعة ملايين حالة سنويًا، وحصد السل في عام 2019 أرواح قرابة 1.4 مليون شخص، وأصيب به حوالي 10 ملايين آخرين، ويُعد الوضع أشد سوءاً بالنسبة إلى الأشخاص المصابين بالسل المقاوم للأدوية، وتم تشخيص نحو 465 ألف إصابة جديدة بالسل المقاوم للأدوية في ذات العام، والسل أحد الأسباب العشرة الرئيسية للوفاة في العالم، وفقا لبيانات البنك الدولي، وفي بلد «زخم»، وبحسب إحصاءات عام 2019، يوجد حوالي 48 حالة إصابة بالسل النشط لكل 100 ألف شخص.

ومن سويسرا إلى فنلندا، حيث أنهت «زخم» عملها كباحثة، في كليات الطب بجامعة هلسنكي، بمنحة من صندوق إنقاذ الباحثين، في معهد التعليم الدولي (IIE-SRF). وحصلت على منحة جديدة في كليات الطب والطب البيطري والصيدلة من جامعة هلسنكي، لكنها لا تزال تركز جهودها البحثية على الأمراض، التي تعاني منها اليمن ودول المنطقة، وتبحث عن طرق لتحسين جهود الوقاية من مرض السل.

«لدي احترام وإعجاب كبيران للدكتورة زخم وإنجازاتها العلمية، على الرغم من نقص الموارد والدعم، وغياب تكافؤ الفرص للعلماء في منطقتنا».

هلال الأشول
أستاذ علم الأعصاب في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا

توضح الباحثة اليمنية طبيعة ما تقوم به: «نعمل على تشخيص جزيئي لجرثومة السل الرئوي، من عينات بيولوجية مباشرة»، تجمع عينات رئوية، وخارج رئوية، من المرضى، وتزرعها في أوساط استنبات خاصة، تصبح بكتيريا السل مقاومة للأدوية عندما تتغير جيناتها، لذلك يستخدم العلماء المتسلسلات الجينية لاستكشاف جينومات البكتيريا.

بمجرد حصولهم على معلومات كافية عن الطفرة، يمكنهم بعد ذلك تحديد المرضى، الذين لديهم نسخ طفرات في الجينات، تؤدي إلى مقاومة الأدوية للمرض. وبعد تحليل حياة هؤلاء المرضى، ومن يتفاعلون معهم، وكيفية انتشار المرض، يعملون على منعه من الانتشار أكثر.

«تسلسل الجيل التالي»، اسم التقنية التي تعمل عليها «زخم»، وتسمح باستكشاف المزيد من أجزاء الحمض النووي دفعة واحدة، مما يجعل التشخيص أسرع. وقالت الباحثة اليمنية: «الأساليب التقليدية ليست فعالة. التحليل الجينومي هو الحل الأفضل. ومع ذلك ، فإن الافتقار إلى المعدات المتطورة لا يزال يمثل عقبة في البلدان النامية».

التعليم مستقبل اليمن

«زخم» التي حصلت على جائزة اليسيفير في الهندسة الحيوية، في عام 2020، ترى أن السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي على المدى الطويل، لا يمكن أن يأتي إلا بالاهتمام بالانسان اليمني وتعليمه. وقالت: «في ظل غياب نظام تعليمي قوي، يمكنه تعليم وتدريب الجيل القادم، من المهنيين والمعلمين والمهندسين والأطباء والقادة، ستكون هذه ببساطة مهمة مستحيلة، الحل الوحيد طويل الأمد، لمنع المزيد من الانهيار، في التعليم».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

تأمل «زخم» في العودة إلى اليمن، والمساهمة في بنائها، وقالت: «مستقبل التعليم العالي في اليمن متدهور، وأخشى أن يستمر هذا التدهور، ولا سبيل لذلك إلا بوقف الحرب، وإعادة الإعمار، وعودة الباحثين للمساهمة في البناء».

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى