أخبار وتقارير

الأراجوز.. تراث الفكاهة المصري في قاعات الدراسة بالجامعة

حين كانت نفيسة حسن (50 عامًا) تعبر الطريق، ذات يوم من سبتمبر الماضي، أمام كلية التربية النوعية بجامعة القاهرة، أثارت فضولها لافتة لمعرض باسم «نمرة أراجوز»، لتقرر، على الفور، مشاهدة ذلك الحدث الترفيهي الذي أحبته طفلة، ويندر أن تراه راهنًا.

المعرض، الذي جرت فعالياته بين التاسع عشر من أغسطس والثاني من سبتمبر 2021، شارك فيه 28 طالبًا بالكلية، وقدموا خلاله عرائس متنوعة الأشكال والهيئات، بإشراف وتنظيم أستاذ الأشغال الفنية والعرائس بجامعة القاهرة، أسامة محمد علي.

بنبرة فيها مزيج من الدهشة والحنين إلى زمن مضى، تقول نفيسة: «لم أتوقع أبدًا أن أجد اهتمامًا من الدارسين في الجامعة بتصميم عرائس الأراجوز، بل كنت أعتقد أن هذا الفن اندثر تمامًا، مثلما اختفت عروضه من الشوارع».

سيرة الأراجوز

عروض الأراجوز واحدة من أبرز أشكال مسرح العرائس الشعبي في مصر، وظلت، لسنوات طويلة، تُقدَم داخل عربات خشبية مستطيلة الشكل تنتقل من مكان إلى آخر، وتقوم على استخدام دمى يدوية في قفاز من القماش، لها رأس خشبي، ووجه يحمل ملامح فكاهية.

تسرد عروض الأراجوز حكايات على الجمهور عبر تحريك الدمى بالأصابع من داخل القفاز، حيث يتبادل لاعب الأراجوز الحوارات مع هذه الدمى بطريقة تهكمية ساخرة حول شؤون الحياة. وعبر تنويع اللاعب نبرات صوته مع الدمى، والأداء الكوميدي، يجد الجمهور، من مختلف الأجيال، فرصة للضحك الرائق.

الأراجوز في الساحة الأكاديمية

يقول أستاذ الأشغال الفنية والعرائس بجامعة القاهرة، أسامة محمد علي: «أدرس مادة الأشكال الفنية، وفكرت في توجيه الطلبة للعمل على شخصية الأراجوز وعائلته في مشروعات التخرج، بأمل تغيير صورتها النمطية، وطرح حلول فنية متعددة لتطوير العروسة الشعبية».

أدرس مادة الأشكال الفنية، وفكرت في توجيه الطلبة للعمل على شخصية الأراجوز وعائلته في مشروعات التخرج، بأمل تغيير صورتها النمطية، وطرح حلول فنية متعددة لتطوير العروسة الشعبية»

أسامة محمد علي
أستاذ الأشغال الفنية والعرائس بجامعة القاهرة

ويتابع: «بدأنا بورشة لدراسة أسس تكوين شخصية الأراجوز دراميًا، ثم اختبار الخامات وتقنيات التشكيل. أنتج طلاب الورشة أكثر من 13 شكلًا للدمى الموجودة في عروض الأراجوز، بفضل حماسهم وتدفق إبداعاتهم حول الموضوع».

وينظر «علي» إلى معرض طلابه كوسيلة من وسائل إثارة الاهتمام بهذا الفن وتطويره. ويشير إلى ردود الفعل على الفعاليات، قائلًا: «استقبلنا مئات الزائرين، ولمسنا إحساس الجمهور بالألفة الكبيرة مع التصاميم التي قدمها الطلاب. كما تلقينا عروضًا لتقديم المعروضات في أماكن أخرى».

شمل المعرض تكريم عدد من قدامى لاعبي الأراجوز وأشهرهم: «عم صابر، وصلاح المصري، وشيكو، بالإضافة إلى روح مصمم العرائس الشهير ناجي شاكر»، يضيف أسامة محمد علي.

لكن هل يمكن إضافة لمسة حداثية لذلك الفن التراثي الذي يعود نجاحه وانتشاره إلى عقود مضت؟ لا تؤيد أستاذة الفنون الشعبية، نهلة إمام، هذه الفكرة فحسب، بل تبدي ترحيبًا «بأية محاولة مدروسة لتحميل فن  الأراجوز بمضامنين حداثية تضمن استمراره».

وتقول: «الأراجوز يتعرض لمزاحمة كبيرة من الألعاب الإلكترونية، والجميع يرى أن ما يتاح اليوم أمام الأطفال، مختلف تمامًا عما أتيح أمام الأجيال السابقة». كما تشدد «إمام» على أن عروض الأراجوز «تجد استجابة كبيرة وإقبالًا شديدًا من الجمهور اليوم، عندما تقدم بصورتها التقليدية، مما يؤكد أنه فن بحاجة للمساعدة لكي يستمر، وأن الشعب اختاره ليبقى». وبالمثل، تدلل نفيسة حسين، على ارتباط المصريين من مختلف الأجيال بفن الأراجوز، بالقول إن حفيدتها البالغة من العمر أربعة أعوام «تحب عروض الأراجوز بعدما شاهدت بعضها في عدد من حفلات أعياد الميلاد».

الأراجوز المصري في اليونسكو

في الثامن والعشرين من فبراير عام 2018، أعلنت «اليونسكو»، إدراج «الأراجوز» في قائمة التراث الثقافي غير المادي «الذي يحتاج إلى الصون العاجل».

ووفق بيان نشره موقع المنظمة وقتها، فإن العروض التي تقوم على هذه الدمى الهزلية «مهددة بالاندثار بسبب تطور الظروف الاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية المحيطة بها، ناهيك عن أن عروض الأراجوز تنظم حاليًا من قبل مجموعة لا تزيد عن عشرة أشخاص وجميعهم في خريف العمر». وكانت الأستاذة بمعهد الفنون الشعبية، نهلة إمام، هي التي تولت استعراض ملف «الأراجوز» أمام المنظمة الدولية لإقناعها بتسجيل هذا الفن. وعن ذلك، تقول «إمام» إن هدف التسجيل «حماية الفنون التي تصارع لكي تظل موجودة وتقاوم الاندثار».

على الصعيد الرسمي، ولحماية هذا الفن، تستضيف وزارة الثقافة المصرية، في بيت السحيمي التراثي في شارع المعز لدين الله الفاطمي، عروضًا لفن «الأراجوز»، منذ عام 2007، تقدمها أسبوعيًا، وبالمجان، فرقة «ومضة»، التي أسسها، قبل نحو عشرين عامًا، الأكاديمي نبيل بهجت، أستاذ ورئيس قسم علوم المسرح بجامعة حلوان، والذي أعد ملف مصر المقدم إلى اليونسكو لتسجيل عروض الأراجوز بقائمة التراث الثقافي.

«استلهام الأراجوز، وغيره من الفنون الشعبية، والتأثر بها كعنصر تشكيلي، أو أدبي، لا يخضع لصرامة منهجية لأنه يعتمد على الخيال الحر، ولكن يجب التأكيد على أننا نقوم بالاستلهام، وليس الاستعادة، وهذا الفارق مهم».

نبيل بهجت
أستاذ ورئيس قسم علوم المسرح بجامعة حلوان

يقول «بهجت»: «تسعدني جميع الجهود الأكاديمية المرتبطة بالأراجوز مؤخرًا، بعدما كان مُهمَلًا ومنسيًا؛ ففي شهر واحد، نوقشت رسالة ماجستير عن الأراجوز، وكان موضوعًا لمشروع تخرج طلاب بكلية التربية النوعية بجامعة القاهرة. كما حظي في الفترة الأخيرة باهتمام عدد من المؤسسات الرسمية والأهلية. هذا الاهتمام يؤكد نجاح التجربة التي قمت بها منذ قرابة العشرين عامًا لإحياء واستعادة هذا الفن، حتى حاز الاعتراف المحلي والعربي والدولي كأحد الفنون المصرية المهمة».

اعتمدت تجربة «بهجت» في استعادة عروض «الأراجوز» على عدد من الرواة الأصليين، حيث لم يكن هناك أي أرشيف لهذا الفن – كما يقول – إلى أن أنجز كتابه «الأراجوز المصري»، ومعه عدة أفلام توثيقية بعنوان «نِمَر الأراجوز»، بالإضافة إلى تنظيم معارض فنية  لدمى الأراجوز، وتأسيس فرقة «ومضة» المتخصصة في هذا الفن، وملتقى العروسة الشعبية عام 2006، ومهرجان الأراجوز المصري عام 2019.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

وعلى الرغم من ترحيبه بأي مبادرة لاستعادة عروض الأراجوز، إلا أنه لاحظ عقب تسجيله في اليونسكو «ظهور عدد من الرواة والروايات المزيفة حول  فن الأراجوز، بشكل أصبح خطرًا يهدد هذا الفن». ويضيف أستاذ علوم المسرح بجامعة حلوان، موضحًا جوانب من تجربته: «استلهام الأراجوز، وغيره من الفنون الشعبية، والتأثر بها كعنصر تشكيلي، أو أدبي، لا يخضع لصرامة منهجية لأنه يعتمد على الخيال الحر، ولكن يجب التأكيد على أننا نقوم بالاستلهام، وليس الاستعادة، وهذا الفارق مهم». ويرحب أستاذ المسرح نبيل بهجت بجهود الاستعادة والتوظيف والاستلهام للأراجوز ولغيره من الفنون الشعبية، قائلًا إن فنونًا كثيرة «تستحق الرعاية والاستثمار».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى