أخبار وتقارير

شكوك حول فعالية إلغاء برامج أكاديمية في خفض نسب البطالة في الأردن

يقوم مجلس التعليم العالي الأردني سنوياً باتخاذ قرارات تتعلق بإيقاف بعض البرامج الدراسية الجامعية وفتح أخرى جديدة بهدف خفض نسب البطالة في المملكة، والتي وصلت لنحو 50 في المئة في صفوف الشباب، بحسب تقرير للبنك الدولي.

هذا العام، وافق المجلس على تعليق القبول في 13 برنامجًا أكاديميًا، معظمها في العلوم الإنسانية والاجتماعية. مع فتح 20 تخصصًا جديدًا يحتاجها سوق العمل  المحلي، بحسب قولهم.

لكن بعض الأكاديميين يشككون في نجاعة هذا النهج للحد من البطالة أو دعم مستقبل الطلاب.

تخصصات راكدة ومشبعة

تستجيب هذه القرارات إلى توصيات ديوان الخدمة المدنية الاردني، المؤسسة الحكومية المسؤولة عن تنظيم عملية التوظيف بالقطاع العام، والذي أصدر دراسة الشهر الماضي، حول التخصصات “الراكدة والمشبعة” في سوق العمل، والتي سيتوقف قبول طلبات التوظيف فيها.

يستوعب ديوان الخدمة المدنية الأردنية بين 35 إلى 40 ألف خريج في وظائف حكومية من إجمالي خريجي الجامعات الأردنية، الذين يتراوح عددهم نحو سبعين ألف سنوياً، بحسب تصريحات تلفزيونية لسامح الناصر، رئيس الديوان، والذي أوضح أن وزارة التعليم العالي تتخذ قراراتها بخصوص وقف أو استحداث تخصص دراسي بالتنسيق معهم. (اقرأ التقرير ذي الصلة: الأردن: تخصصات جامعية تزيد معدل البطالة).

قال مهند الخطيب، المتحدث الرسمي بإسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الأردنية، في مقابلة هاتفية «السبب الرئيسي وراء وقف قبول الطلاب الجدد في هذه البرامج هو تجاوز الطاقة الاستيعابية، أو خلل في معايير الاعتماد»، إلى جانب  المساهمة في الحد من نسب البطالة.

«نضطر أحياناُ لوقف القبول لحين توفير أعداد كافية من الأساتذة وذلك بالتنسيق مع هيئة الاعتماد والجودة الأردنية».

نذير عبيدات
رئيس الجامعة الأردنية

لم يذكر المتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي الأردنية، أعداد الطلاب الملتحقين بهذه التخصصات والتي صدر قرار بوقف القبول فيها مؤخراً. لكنه أكد أن الإيقاف يشمل الطلاب الجدد فقط، مع استمرارية تدريس هذه التخصصات لمن هم على مقاعد الدراسة  حتى التخرج.

في المقابل، استحدث مجلس التعليم الأردني، هذا العام، 20  تخصصاً جديداً في برامج الأمن السيبراني، والكيمياء الصناعية، وعلم البيانات والذكاء الاصطناعي، والتسويق الرقمي، والتكنولوجيا المالية، وهندسة الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا التخدير، والعلاج التنفسي، وإدارة الأزمات، وأمن المعلومات والأدلة الرقمية.

تعددت الأسباب

يعتقد نذير عبيدات، رئيس الجامعة الأردنية، أن هناك أسباباً أخرى أكثر أهمية من مسألة معالجة البطالة وراء وقف بعض البرامج الدراسية في الجامعة التي يرأسها. إذ يوضح أن عدم وجود أعداد كافية من أعضاء هيئة التدريس لبعض التخصصات يلعب دوراً أساسياً في إيقاف بعض البرامج.

قال «نضطر أحياناُ لوقف القبول لحين توفير أعداد كافية من الأساتذة وذلك بالتنسيق مع هيئة الاعتماد والجودة الأردنية».

بلغ عدد الطلاب الملتحقين بالجامعة الأردنية، التي تُعد الجامِعَة الحكومية الأولى في الأردن، نحو خمسين ألف طالب يدرسون في  150  برنامج أكاديمي تقدمها (24) كلية في مختلف التخصصات، بينما يصل أعداد أعضاء هيئة التدريس نحو 1700 أكاديمي.

قال عبيدات، في مقابلة هاتفية، «إعادة النظر في البرنامج الدراسي نفسه من ناحية المنهج والنتائج ومتطلبات تدريسه فكرة صحيحة».

مع ذلك، يرفض ربط وجود برنامج دراسي من عدمه بالطلب على الوظيفة في السوق المحلي بسبب وجود طلاب أجانب في الجامعات الأردنية. (اقرأ القصة ذات الصلة: أبواب مواربة أمام عمل السوريين في لبنان والأردن).

غياب السياسات الداعمة

لا يتفق عدد من الأكاديميين العاملين في الجامعات الأردنية والباحثين الاقتصاديين مع تأثير خطوة إلغاء التخصصات على معدلات البطالة، حيث يعتقدون أن هذا الحل يتعامل مع التعليم بمنظور “وظيفي قاصر”.

«توجد زيادة كبيرة في أعداد الخريجين في كل التخصصات، ما يتسبب في زيادة نسب البطالة لأسباب هيكلية لها علاقة بالقطاع الخاص أكثر من القطاع العام».

موسى شتيوي
أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية

قال موسى شتيوي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، في مقابلة عبر برنامج “زووم” «توجد زيادة كبيرة في أعداد الخريجين في كل التخصصات، ما يتسبب في زيادة نسب البطالة لأسباب هيكلية لها علاقة بالقطاع الخاص أكثر من القطاع العام».

بالنسبة لتخصص علم الاجتماع الذي يُدرسه اشتيوي، المدير السابق لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالجامعة الأردنية، وهو أحد البرامج الذي صدر قرار بوقف قبول بعض برامجه، فإن العمل على تطوير المناهج سيكون خياراً أفضل وأكثر تجاوباً لمتطلبات سوق العمل سواء داخل أو خارج الأردن.

https://www.bue.edu.eg/

يعتقد شتيوي أن الاعتبارات التي تحكم التوسع في قطاع التعليم العالي والخاص في الأردن “غير مدروسة”، وهي التي تؤدي بشكل رئيسي إلى ارتفاع نسب البطالة لهذه المستوى غير المسبوق.

قال «الغاء البرامج التعليمية  يستجيب، فقط، إلى خطط تقليص التوظيف في الحكومة في ظل الضغوطات الكبيرة عليها، وانخفاض قدرتها الاستيعابية بسبب الأزمة الاقتصادية».

بدوره، يعتقد  أحمد عوض، رئيس مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أن هذا الحل للتعامل مع مشكلة البطالة طرح “ميكانيكي وقاصر”.

وأوضح أن السياسة الصحيحة لتحديث المنظومة التعليمية يتطلب توسعاً في الاستثمار في قطاعات التعليم المتوسط والمهني والتقني، وتشجيع الشباب والشابات للالتحاق به، والاستفادة من الفرص الكبيرة المتاحة لهم في سوق العمل.

« سيضطرهم ذلك للعمل في مهن آخر كحال الكثيرين من الشباب الأردني، ممن يعملون في وظائف لاتمت بصلة بطبيعة دراستهم الجامعية».

أحمد عوض  
رئيس مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية

لا تتجاوز نسبة خريجي التعليم المتوسط في الأردن نحو 10 في المئة، بينما لم تزد مخصصاته المالية في الموازنة منذ عشر سنوات، بحسب عوض، الذي أكد أن نسبة تشغيل خريجي الدبلوم من برنامج مؤسسة التدريب المهني خلال آخر 4 سنوات بلغت 60 في المئة. (اقرأ التقرير ذي الصلة: الأردن: السياسات الحكومية المتغيرة تضر بالتعليم المهني).

في المقابل، يبدو مصير الطلاب الحاليين المسجلين في برامج تم إيقافها حالياً غامضاً من ناحية فرص العمل بعد التخرج.

يعتقد عوض أن الطلاب المسجلين في البرامج «الراكدة» التي تم إيقافها سيفاقم من أزمة البطالة القائمة في بلاده.

قال « سيضطرهم ذلك للعمل في مهن آخر كحال الكثيرين من الشباب الأردني، ممن يعملون في وظائف لاتمت بصلة بطبيعة دراستهم الجامعية».

الخاص مقابل الحكومي

تتبع الحكومة الأردنية سياسة خصخصة برامج التعليم الحكومي، وزيادة عدد الجامعات الخاصة لنحو 19 جامعة خاصة مقابل 10 جامعات حكومية، بسبب قرار وقف الدعم المالي للجامعات الحكومية، مع السعي لإتاحة برامج نوعية تلبي احتياجات سوق العمل لكن بمقابل مالي، بحسب عوض. (اقرأ التقرير ذي الصلة: الأردن: هل تحل زيادة الرسوم الجامعية مشكلة نقص الدعم الحكومي؟).

يعتقد عوض أن الغاء البرامج يخالف المنطق الحقوقي والفلسفي للتعليم الذي يكفل لكل طالب حقه المصون في حرية الاختيار،  مطالباً الحكومة بخفض الكلفة المالية للبرامج الدراسية التي يحتاجها سوق العمل بدلاً من رفع المقابل المالي للالتحاق بها، وقصر إتاحتها على الجامعات الخاصة التي أصبحت ضعف عدد الجامعات الحكومية.

«سياسة التوسع في إنشاء الجامعات الخاصة مكسب للحكومة، ووسيلة دعم للاقتصاد المحلي، وتعزيز السياحة التعليمية خصوصا بالنسبة للطلبة الوافدين من عشرات الدول للدراسة فيها، فضلاً عن دورها في تدعيم سوق العمل بخريجين يمتلكون المهارات اللازمة».

محمد عبيدات  
رئيس جامعة جدارا الأردنية الخاصة

يخالف محمد عبيدات، رئيس جامعة جدارا الأردنية الخاصة، وجهة النظر السابقة حول دور الجامعات الخاصة في ارتفاع نسب البطالة من واقع تجربته في رئاسته لواحدة من هذه المؤسسات، وعمله كمستشار سابق لوزير التعليم العالي والبحث العلمي.

قال عبيدات، في مقابلة هاتفية «سياسة التوسع في إنشاء الجامعات الخاصة مكسب للحكومة، ووسيلة دعم للاقتصاد المحلي، وتعزيز السياحة التعليمية خصوصا بالنسبة للطلبة الوافدين من عشرات الدول للدراسة فيها، فضلاً عن دورها في تدعيم سوق العمل بخريجين يمتلكون المهارات اللازمة».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

موضحاً أن الجامعات الخاصة تقدم تخصصات لا تتوفر في الجامعات الحكومية مثل انترنت الأشياء، والعلوم الجمركية والضريبة، وعلوم القانون في الجرائم الإلكترونية، والألعاب الالكترونية، والحاسوب والتخصصات المختلفة، والإرشاد الزواجي، والموارد البشرية – هندسة الطاقة المتجددة.

قال «الموازنات المالية للجامعات الرسمية ربما تحول دون فتح بعض هذه التخصصات، أو حتى إتاحة الموارد المالية اللازمة لتشغيلها من أعضاء هيئة تدريس، وبعض التجهيزات اللوجستية مما يجعلها تصدر قرارات بإيقافها بعد تشغيلها».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى