أخبار وتقارير

«بناء الشارقة»: كتاب يوثق نهضة مدينة خليجية حديثة

يوثق كتاب صدر حديثاً التاريخ المعماري لمدينة الشارقة من خلال تتبع بناء 60 مشروع معماري فيها وما يتعلق بها من سياقات اجتماعية وسياسية بعد اكتشاف أول حقل نفط بحري في المدينة.

يضم الكتاب، الذي يحمل اسم «بناء الشارقة»، عدداً كبيراً من الصور الأرشيفية التي لم يتم عرضها سابقاً تكشف الملامح العمرانية لمدينة الشارقة، ثالت أكبر المدن الإماراتية، في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي. كما يضم تصاميم ومخططات معمارية يتم نشرها للمرة الأولى تم الحصول عليها من قاطني المدينة والخبراء الذين ساهموا في بنائها.

قال سلطان سعود القاسمي، رئيس مؤسسة بارجيل للفنون ومُحرر الكتاب، في مقابلة عبر برنامج “زووم” إن «أرشفة المباني جزء من أرشفة التاريخ الحديث. والكتاب هو سرد لرواية مدينة الشارقة وسكانها عبر توثيق عمران المدينة، خصوصاً في ظل عدم معرفة الجيل الصاعد شيئاً عن تاريخ المعالم الرئيسية للمدينة التي تعرض بعض معالمها للهدم في أواخر التسعينيات». موضحاً أن الكتاب ليس بناء المدينة فقط؛ لكنه بناء للإنسان وثقافته ونهضته الحضرية. (إقرأ المقال ذو الصلة: الفن العربي المعاصر: نافذة مغايرة على المنطقة العربية).

« أرشفة المباني جزء من أرشفة التاريخ الحديث. والكتاب هو سرد لرواية مدينة الشارقة وسكانها عبر توثيق عمران المدينة».

سلطان سعود القاسمي
رئيس مؤسسة بارجيل للفنون ومُحرر الكتاب

شارك خمسة باحثين في إعداد الكتاب، الصادر عن دار نشر “بيركهاوسر” السويسرية المتخصصة في دراسات العمران، حيث عملوا على إجراء مقابلات مع سكان المدينة الإماراتية، والبحث عن المصممين المعماريين للأبنية أو أقارب لهم في حال وفاتهم، وكذلك البحث في الأرشيف في العالم العربي وخارجه.

Building Sharjah
المدخل الرئيسي لفندق سبا بشارع الملك فيصل في السبعينيات. (المصدر: أرشيف مصطفى محمد سعيد الحسيني)

بالنسبة للقاسمي، كمواطن إماراتي ولد وعاش في مدينة الشارقة، فالكتاب ساعده على فهم واستيعاب مدينته بصورة أكثر عمقاً، على حد قوله، وحرك بداخله عدداً من الأسئلة الافتراضية حول احتمال نجاح المد العروبي على حركة الثقافة والتعليم في المدينة الإماراتية.

رؤية مختلفة حول العمارة في الخليج

يكشف الكتاب خطأ التصورات الشائعة عن تشابه الأبنية المعمارية في دول الخليج، وبدائية المجتمعات الخليجية قبل اكتشاف النفط، وعدم القدرة على تأسيس طراز معماري خاص قبل تعاظم مواردهم المالية، بحسب ما تقول ريم خورشيد، الباحثة الرئيسية في المشروع.

توصلت خورشيد لوثيقة في المكتبة البريطانية يعود تاريخها لفترة الستينيات، قبل اكتشاف النفط، تذكر أن سكان الدول الخليجية بدأوا جهود العمران في بلدانهم، وتطوير أبنيتهم التعليمية باستقطاب مدرسين من مصر ودول مختلفة لتحقيق هذه الانطلاقة قبل اكتشاف النفط.

Building Sharjah
معلمة وطلاب في الساحة الرئيسية من المدرسة الفرنسية في الشارقة أواخر السبعينات. (المصدر: رينيو وشركاؤه)

بدأت خورشيد، التي درست العمارة في جامعة القاهرة، العمل في هذا المشروع منذ كانون الأول/ديسمبر 2017. وتمثلت مهامها في إجراء مقابلات مع مصممي هذه الأبنية المعمارية، والبحث في الأرشيف للوصول لمعلومات دقيقة وصور للمباني، فضلاً عن تحليل المعلومات التي حصلت عليها.

ويرصد الكتاب تغير الهوية المعمارية لمدينة الشارقة الإماراتية ثلاث مرات وارتباط ذلك بالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها المدينة.

بدأت المرحلة الأولى خلال وجود القوات البريطانية في المدينة الإماراتية، والتي انعكست على شكل المعمار وطرازه خلال تلك المرحلة. ثم جاءت المرحلة الثانية، عقب اكتشاف النفط، وهي مرحلة الحداثة التي شملت تأسيس مباني ذات طابع حداثي بشكل أسرع عن طريق التكنولوجيا لسد الاحتياجات.

وفي المرحلة الثالثة والمستمرة حتى الآن، التي بدأت في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات، أخذت التصاميم العمرانية طابع الهوية المعمارية التراثية والإسلامية.

Building Sharjah
أسرة أمام ميدان الحكومة بالقرب من شارع العروبة وخلفهم حصن الشارقة التاريخي عام ١٩٧٠ قبل أن يتم هدمه. (المصدر: رودي ايلير)

ورصد الباحثون أيضاً أثراً آخراً واضحاً على الهوية المعمارية للمدينة الإماراتية يرتبط بوجود أعداد كبيرة من الوافدين من جنسيات مختلفة.

قالت خورشيد «ساهم هؤلاء الوافدون، الذين ضموا مهندسين عملوا في المدينة، في ترك لمسات تتعلق بخلفياتهم الثقافية أيضاً».

من جهة أخرى، يرصد الكتاب أثر المرأة في حركة العمران وزيادة الإنتاج.

قال القاسمي «هناك جيل كامل من الشارقيات لعبن دوراً مؤثراً في بناء المدينة والإنسان من خلال عملهن كمعلمات في المدارس، وتأسيس عدد من الجمعيات مثل جمعية نساء الشارقة، والجمعية التعاونية، وهي أول جمعية تعاونية في الإمارات».

وتعد والدة القاسمي، المولودة في منتصف الأربعينيات، واحدة من هذا الجيل وأول مُعلمة في الإمارات. يتضمن الكتاب مقالاً عنها يستعرض رحلتها التعليمية ودورها في تشجيع الكثير من النساء على الالتحاق بالمدارس. (إقرأ المقال ذو الصلة : المرأة في الخليج.. أفضل تعليماً وأقل توظيفاً).

غياب النقد في الكتب التوثيقية

يعتقد بعض الخبراء أن الكتب الموثقة للعمارة شديدة الأهمية وتلعب دوراً في تأصيل الماضي، لكن ذلك لا يلغي الدور الترويجي الذي تلعبه أيضاً خاصة في حال توفر التمويل السخي، على حد قول ناصر الرباط، المؤرخ والمعماري السوري والذي يشغل وظيفة أستاذ الآغا خان للعمارة الإسلامية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT).

قال «يأتي كتاب “بناء الشارقة” لينضم لمنحى موجود وله أسبابه من الوفرة المادية والتوجه المعرفي للتطوير والاستدامة وإذكاء حس الانتماء لدى الخليجيين من خلال ربطهم بتاريخهم المكاني مع تجاهل فترات ومراحل ربما لا تناسب الصورة المقدمة اليوم».

وينتقد باحثون آخرون اقتصار بعض الدراسات التوثيقية للعمارة في الخليج على بعض المباني ذات الأهمية، وغياب البعد النقدي في هذه الأبحاث.

« التوثيق هو الخطوة الأولى نحو فهم ما هو مهم، والأفكار التي شكلت الطريقة التي نعيش بها اليوم، والطريقة التي عشناها في الماضي، لكن ذلك لا ينبغي أن “يقتصر يقتصر على قصة أعظم المباني أو أهمها ، بل في المباني والأماكن اليومية أيضًا».

سيف الرشيدي
الباحث في تصميم المدن وتاريخ الفن والعمارة الإسلامية

إذ يعتقد سيف الرشيدي، الباحث في تصميم المدن وتاريخ الفن والعمارة الإسلامية ومدير مؤسسة بركات البريطانية المهتمة بدعم وتشجيع دراسة وحفظ الفن والتراث والعمارة والثقافة الإسلامية، أن « التوثيق هو الخطوة الأولى نحو فهم ما هو مهم، والأفكار التي شكلت الطريقة التي نعيش بها اليوم، والطريقة التي عشناها في الماضي، لكن ذلك لا ينبغي أن «يقتصر على قصة أعظم المباني أو أهمها، بل في المباني والأماكن اليومية أيضًا».

بدوره، يعتقد الرباط أن غالبية الدراسات المعنية بتوثيق العمارة في الخليج تحتاج لإضافة منظور نقدي على المعلومات المجمعة بما يسمح بتقديم فائدة أكبر للقراء وليس مجرد «معلومات محايدة وباردة» موضحاً أن « بعض الدراسات تهمل نوعة محددة من العمارة لا تخدم الهدف الترويجي، مثل عمارة البدو الرحل والأهم من ذلك عمارة العمال المستقدمين لمدن الخليج». (إقرأ المقال ذو الصلة : الجامعات العربية وسياسة الصمت تجاه قضايا الفضاء العام).

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

يتفق القاسمي مع الرباط حول أهمية توثيق الأبنية الخاصة بالعمالة والتي لعبت دورًا مهمًا في بناء المجتمع. مع ذلك، فهو يؤمن بأهمية توثيق أي موارد متاحة في الوقت الحالي.

قال «هناك نقص في المواد الأرشفية في العديد من البلدان العربية، كما يصعب الوصول للمتاح منها. يتطلب هذا منا السعي باستمرار للتحرك نحو أرشفة كل ما هو متاح في الوقت الحالي».

للإطلاع على المزيد من التقارير المتعلقة بالعمارة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى