مقالات رأي

برامج التدريب وخبرات العمل.. كيف تكون الفرصة باباً إلى مزيد من الفرص

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

ليس من الهين أن يخوض الطالب تلك النقلة من حياته الأكاديمية التي لا يعهد فيها سوى الدراسة وخوض الاختبارات والاستغراق في مجالات نظرية إلى مسار مهني يتوجب عليه فيه تطبيق ما تعلمه عملياً. ولأنني تخرجت حديثاً وأعمل في مجال حقوق الإنسان والأبحاث، فقد وجدت صعوبة بالغة في تحديد أهداف حياتي المهنية. وبرغم شغفي بما أقوم به، إلا أنني وقعت في براثن الارتباك. وأصبحت تحت ضغوط الرغبة الدائمة في الإنجاز. لذا، بدأت أبحث عن برامج تدريبية داخلية، وفرص العمل الحر، وعن وظائف لغير المتفرغين في مجالات مماثلة لمجالي، ولكن ما تبين لي هو أن عليّ أن أتلمس قدراتي بأسلوب جديد.

تقدمت بطلب للحصول على وظيفة في إحدى وكالات الأنباء، ولكن القدر حمل لي صدفة سعيدة، حيث تلقيت فرصة لقضاء فترة تدريب في مؤسسة الفنار للإعلام. شعرت برهبة التجربة في البداية، وأنا أعلم أنني سأتعامل مع مهام جديدة بالنسبة لي، حتى في المجال الذي أهتم له. وتحدثت معي مديرتي في البداية، ونصحتني أن أكون منفتحة تجاه المهام وأن أعتبرها تجربة تعلم. وهكذا، تعلمت الكثير على الرغم من مخاوفي.

تمثلت مهمتي الأولى في تحديث قاعدة بيانات الجامعات المعتمدة دوليًا. وصراحةً، لم أكن أعي ضرورة الحصول على الاعتماد الدولي حتى شرعت في هذا العمل. كما أنني كنت قلقة لأن مهمتي تستدعي التعامل مع قسم الاتصال والعلاقات العامة ورأيت أنني لن أجيد ذلك. ولكن أحد زملائي في الفنار للإعلام شجعني على التحلي بعقلية متفتحة أثناء بحثي عن مواقع محلية وعالمية لها اهتمام بالتعليم والتطوير، والتي من شأنها أن تستفيد من المحتوى الذي تقدمه الفنار للإعلام. وكانت أول مرة أتعلم فيها أساليب التواصل عبر “الروابط الخلفية”؛ إنه عالم جديد بالكامل يدور حول مهارات تحسين قدرات وجودة محركات البحث والوصول إلى المواقع الإلكترونية.

تمثلت مهمتي الأولى في تحديث قاعدة بيانات الجامعات المعتمدة دوليًا. وصراحةً، لم أكن أعي ضرورة الحصول على الاعتماد الدولي حتى شرعت في هذا العمل.

كما نفذت بحثًا حول الأكاديميين والباحثين في المنطقة العربية والذين قد يهتمون لمحتوى الفنار للإعلام. تواصلت مع العديد منهم ودعوتهم للانضمام إلى مجتمع الفنار للإعلام بما يتميز به من تنوع. وقال لي أحد الزملاء، وكان يرشدني خلال عملية التواصل مع الباحثين، “من بين كل خمسة أفراد، هناك احتمال أن يرد واحد عليكِ، وربما كان الاحتمال معدوماً بالكلية”. وكأنه استثار فضولي نحو أن أعرف كيف سوف يتسنى لي الاستمرار في حال لم أتلق الكثير من الردود، وأن أراجع أسلوبي وأطوعه وفقًا لتلك الردود التي تلقيتها. وتطلبت هذه المهمة درجة عالية من الوعي بالذات والمرونة في تلقي النقد وتقبله.

طوال تلك العملية، حرص الموجهون على تعريفي بكل جانب من جوانب عملهم تقريبًا. عرفوني بالمشاريع الجديدة التي يعتزمون إطلاقها ودعيت إلى اجتماعات مع الموظفين والمتعاونين الآخرين. وكانت تجربة مثيرة أن أشارك في جلسات العصف الذهني وأراقب المقترحات وأدلي بها.

 شعرت بالاندماج والتقدير على الرغم من أنني كنت عضوة جديدة في فريق العمل، كما أنني متدربة ولست متفرغة. لذلك، كان من المحزن مع نهاية فترة التدريب أنني لن أتمكن من متابعة تقدم تلك المشاريع من داخل مطبخ العمل. ولكن فرصة كهذه تعني مزيداً من الفرص في المستقبل. وأنا أغادر المكان وأنا متيقنة من وجود سبل إلى تعاون في المستقبل.

فترات التدريب في المؤسسات والشركات ليست مجرد وسيلة لإثراء السيرة الذاتية. إنها رابط من بين روابط قليلة بين النظرية والتطبيق في الحياة المهنية. وبها ندرك الفارق بين توقعاتنا للعمل وواقع العمل.

وقد عرفت خلال التدريب كثيراً من التحديات. إنه عمل في مجال جديد وتكليف بمهام وواجبات غير مألوفة، وهي أمور بها تعقيدات. ولكن الإرشاد الذي تلقيته جعل الأمور تسير بسلاسة أكبر. تلقيت إرشادات في بداية كل مهمة عبر اجتماعات الفيديو عبر الإنترنت، وكان زملائي دائمًا على استعداد للإجابة على أسئلتي. وبرغم ارتكابي لأخطاء إلا أنها كانت تصوب بالنقد البناء. وعرفت أن الأخطاء تحدٍ ولكنه جزء من عملية كاملة وجزء لا يتجزأ من أي تدريب، لما ينطوي عليه هذا التحدي من اكتشاف وتعلم.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

فترات التدريب في المؤسسات والشركات ليست مجرد وسيلة لإثراء السيرة الذاتية. إنها رابط من بين روابط قليلة بين النظرية والتطبيق في الحياة المهنية. وبها ندرك الفارق بين توقعاتنا للعمل وواقع العمل. فخلال سنوات دراستي الجامعية كنت أعتبر التدريب وسيلة أساسية لتحديث سيرتي الذاتية. وهكذا أدركت أني أسأت الفهم. إن التدريب وخبرات العمل للخريجين الجدد أو حتى الطلاب نقطة الانطلاق مما تعلمناه من دراساتنا وما يمكننا فعله في الحياة. إنها فترة تحضير وتأهب تتسم بتحدياتها الخاصة. وحتى فترة التدريب التي تجد أنها لم تكن مناسبة لك أو لم ترض عن أدائك خلالها، تعتبر فرصة لتحديد نقاط ضعفك وقوتك، ومن ثم تطور من ذاتك وفقًا لذلك. كما أنها تنفتح بك نحو فرص جديدة، وبها تحدد المسار المهني المناسب، وعبرها تكتمل الصورة في وضوح تام.

نهى طه باحثة في وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، متخصصة في قضية أحكام الإعدام في مصر، ومن اهتماماتها الحريات الجندرية والإستقلال الجسدي. حاصلة على بكالوريوس في الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) من الجامعة الأميركية بالقاهرة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى