أخبار وتقارير

غسان أبو ستة أكاديمي وجراح يضع أول منهاج عربي في طب النزاع

دفعت معايشة غسان أبو ستة، الجراح والأكاديمي الفلسطيني الأصل، لنحو سبع حروب في العراق ولبنان وفلسطين، إلى تكريسه السنوات الأربع الأخيرة لتصميم منهاج دراسي تخصصي عن “طب النزاع والحروب” سيبدأ تدريسه في كليات الطب بجامعة بغداد في العراق، والجامعة الإسلامية في غزة  بتدريسه العام المقبل.

قال أبو ستة، الذي يعمل حالياً محاضرًا في مركز دراسات الانفجارات في جامعة إمبريال كوليدج، في مقابلة هاتفية، “هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تدريس جراحة الحرب على المستوى الجامعي باعتبارها جزءًا من تعليم الطب الأساسي.”

شارك أبو ستة في وضع بيان صادر عن منظمة أطباء بلا حدود في عام 2016 تم فيه تعريف طب النزاع  بأنه “نهج منظم لمعالجة العواقب السريرية والاجتماعية والصحية العامة للحرب المعاصرة”.

يساعد المنهج الدراسي الجديد، الذي أعده أبو ستة بالتعاون مع فريق عمل، الأطباء الجدد على إجراء التدخلات الجراحية لمصابي الحروب سواء كانت جسدية أم نفسية. كما يعكس أيضًا تطورات الإصابات الناجمة عن استخدام أسلحة متطورة في حروب المنطقة العربية.

قال “النزاعات تخلق بيئة جديدة لسكان هذ المناطق. وتحدد أنماطاً جديدة لطرق حياتهم، وكذلك أنظمتهم الصحية حتى نوعية الأمراض والعدوى التي تنتقل لهم.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: دراسة الطب في زمن الحرب).

وأوضح أبو ستة، الذي شغل منصب رئيس قسم الجراحة التجميلية والترميمية في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت منذ عام 2012 حتى أيلول/ سبتمبر الماضي، أنه عادة ما تتم معالجة المصابين في مناطق النزاع بالمنطقة العربية “استنادًا على معلومات وأبحاث من مؤسسات غربية، وهي لا تتطابق مع أنظمتنا وإمكاناتنا الصحية.”

منهج عربي بديل

يتفق كريستوس جيانو، وهو جرّاح كندي من أصل يوناني وعمل في منصب كبير الجراحين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مع رأي أبو ستة، في ضرورة الاعتماد على أبحاث مستقاة من البيئات المحلية لمناطق النزاع.

شخصياً، عايش جيانو، حقبة “حرب المخيمات” في فلسطين ولبنان، بوصفه طبيبًا درس الطب الجراحي، ووضع كتاب “المحاصر: حكاية طبيب من الحياة إلى الموت” لتوثيق تجربته، التي امتدت لأكثر من عامين تحت الحصار الإسرائيلي.

قال جيانو، في مقابلة هاتفية، “يكمن العائق الرئيسي أمام أطباء الحروب في المناطق العربية في غياب المعلومات والأبحاث التي تساعد على فهم طبيعة الإصابات،” مؤكدًا أن غالبية هذه الأبحاث يقوم بها عسكريون أجانب أو موظفون لفترات قصيرة من منظمات غير حكومية قياسًا على إمكانات مؤسساتهم الصحية.

“يكمن العائق الرئيسي أمام أطباء الحروب في المناطق العربية في غياب المعلومات والأبحاث التي تساعد على فهم طبيعة الإصابات.

كريستوس جيانو
جرّاح كندي من أصل يوناني، عمل في منصب كبير الجراحين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر

من خلال تجربته الطويلة، وبوصفه طبيب حروب في الدول العربية، يعتقد جيانو بوجود عدد كبير من المؤهلين لممارسة طب النزاع في المنطقة العربية، وينصح بتوسيع المشاركات حول طب الجروح، عبر التركيز على جمع البيانات ذات الصلة بالحروب وتحليلها، معتبراً أن ذلك يقطع شوطاً طويلاً في التأثير على المناهج ذات الصلة عند تدريسها للجيل الجديد. (اقرأ التقرير ذو الصلة: طلاب طب يعالجون اللاجئين السوريين في لبنان).

قال “الكثير من هذه الخبرات لا تنتقل إلى الجيل الجديد من الأطباء. لذلك يجب على كل جيل جديد من الجرّاحين تعلم القواعد الأساسية لجراحة الحروب في منهج دراسي أساسي، وتدريب الكوادر الطبية الجديدة.”

خلال عمل الدكتور غسان أبو ستة مع أطباء محليين في مستشفى العودة في غزة للمساعدة في علاج عدد كبير من إصابات الأطراف في أيار/مايو 2018 (حقوق الصورة جمعية العون الطبي للفلسطينيين).
خلال عمل الدكتور غسان أبو ستة مع أطباء محليين في مستشفى العودة في غزة للمساعدة في علاج عدد كبير من إصابات الأطراف في أيار/مايو 2018 (حقوق الصورة جمعية العون الطبي للفلسطينيين).

جراح حرب

في عام 1989، بدأت تجربة أبو ستة، باعتباره جراح حرب، بعد الالتحاق بلجنة العمل الصحي كطبيب متطوع في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، قبل أن تتكرر لاحقًا في جنوب لبنان، العراق، والحروب الأربع في قطاع غزة.

“يمتلك غسان عقل تحليلي للغاية، وهو قادر دومًا، على إدراك الروابط وصياغة الفرضيات على الفور، ثم اختبارها بقوة خلال الأحداث الكبرى، فضلًا عن كونه من أفضل الجراحين في تخصصه.”

سوي تشي إنج
طبيبة بريطانية والرئيسة السابقة لجمعية العون الطبي للفلسطينيين

خلال مشاركته في حرب جنوب لبنان، بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، تعرف أبو ستة إلى سوي تشي إنج، طبيبة الحروب التي عملت في كبرى المنظمات الدولية وترأست منظمة العون الطبية لمعالجة الجرحى الفلسطينيين في المخيمات، والتي ألهمته لاحقاً بالتخصص في طب الحروب والنزاعات.

قال “مشاهدة الأطباء الأجانب في مناطق النزاع العربية يؤدون أدوارهم كان دافعًا قويًا للتخصص في هذا المجال، وبدء التأريخ له، في ظل عدم تأطير تجارب الأطباء العرب السابقين ونقلهم الخبرات للأجيال اللاحقة.”

في وقت لاحق، توطدت صلة أبو ستة مع تشي، خاصة بعدما شاركت في تدريبه عام 2006، داخل مستشفى لندن الملكي في قسم الجراحة التجميلية والترميمية، خلال عملها في المستشفى البريطاني. إذ عملا معًا على علاج مصابي تفجيرات لندن في 7 تموز /يوليو 2005، وسافرا معًا إلى غزة عام 2007 لإسعاف المصابين خلال الحرب، التي وثقتها مع تجربة حرب لبنان في كتاب بعنوان “من بيروت إلى القدس ..جراح غزة“.

قالت تشي، وهي طبيبة بريطانية من أصول ماليزية، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، “يمتلك غسان عقلاً تحليلياً للغاية، وهو قادر دومًا على إدراك الروابط وصياغة الفرضيات على الفور، ثم اختبارها بقوة خلال الأحداث الكبرى، فضلًا عن كونه من أفضل الجراحين في تخصصه.”

https://www.bue.edu.eg/

من بين هذه المواقف التي تتذكرها تشي لأبو ستة، نجاحه في حرب غزة عام 2007، بعد تدمير أكثر من نصف المنازل وسقوط مئات الجرحى وانقطاع الماء والكهرباء، في صياغة خطة شاملة للصدمات الحادة واحتياجات غزة في غضون أيام قليلة من وصولنا مع وفد المنظمات الكبرى.

قالت “هو ليس فقط أكاديمي لامع؛ لكنه قائد ومنسق ممتاز للعديد من المشاريع التي وضعاها معًا. والأهم من ذلك كله أن أكاديمي يتسم بالرحمة.”

7 حروب وإعادة بناء

ساعدت مشاركات أبو ستة في سبع حروب، باعتباره طبيبًا ميدانيًّا في إعداد دراسات حول أثر الحرب على معدل وفيات الأطفال، ونسب سوء التغذية واستهداف المؤسسات الصحية في فلسطين ولبنان. ونشر على نطاق واسع عن إصابات الحروب في كتاب طبي بعنوان “إعادة بناء المريض المصاب بالحرب“.

لكن التحول الأكبر في مساره المهني تمثل في تأسيس قسم طب النزاع في الجامعة الأميركية ببيروت عام 2015، بعدما ارتفع عدد المصابين الذين تستقبلهم الجامعة، جراء اندلاع الحرب السورية، ومصابين عراقيين بجروح معقدة من وقت الاجتياج الأميركي لبغداد.

ويوضح أبو ستة أن الهدف الرئيسي من وراء تأسيس القسم يكمن في “خلق برنامج متعدد التخصصات لمحاولة فهم إصابة الحروب كواقع مستوطن بهذه المنطقة، وأثره على الصحة من ناحية بحثية طبية بحتة، ومن ناحية أوسع تتعلق بالنظرة لفكرة الصحة، والحرب، والجرح الجسدي البيولوجي والأثر النفسي لها. “

خلال سنوات عمله في القسم، أنجز أبو ستة عدة أوراق بحثية حول: “إعادة بناء المريض المصاب بالحرب” و”أثر الحرب الأميركية على العراق على معدل وفيات الأطفال وسوء التغذية” و”كيفية استهداف المؤسسات الصحية في بلدان الحروب”.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ورغم تركه العمل في الجامعة الأميركية ببيروت، فإن علاقته مع الجامعة لا تزال مستمرة، باعتباره مديرًا لبرنامج طب النزاع، ومشرفًا على العديد من الأبحاث التي تتعاون فيها الجامعة مع قسم دراسات الانفجارات بكلية إمبريال كوليدج والتي يعمل فيها محاضراً.

اليوم، يعمل أبو ستة على دراسة حول طبيعة إصابات المشاركين في مسيرة العودة عام 2018، وتحديدًا الإصابات الناجمة عن قناصة الجيش الإسرائيلي. كما يعمل على مشروع موازٍ حول تصنيع المثبّتات الجراحية للكسور التي يحتاجها المصابون في مناطق الحروب، وبرنامج بحثي آخر حول إصابات الحروب للأطفال خصوصًا من يتعرضون للبتر.

قال “الحرب ليست حدثاً عابراً له بداية ونهاية؛ لأن آثارها تكون طويلة الأجل على السكان والبيئة وكافة مؤثرات الحياة.” لذلك يدعو أبو ستة لإنهاء فوري للنزاعات العسكرية والحروب في كل أنحاء العالم.

قال “لابد من وجود تشريع دولي يضع عقوبات على جميع أطراف النزاع لضمان عدم تكرر هكذا حوادث مأساوية مرة أخرى.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى