أخبار وتقارير

دراسة جديدة: تكلفة فروع الجامعات الأميركية في الخليج أكبر من عائدها المعرفي

تمكنت دول الخليج العربي من استقطاب عدد كبير من الجامعات الأجنبية لافتتاح فروعاً لها على أراضيها خلال العشرين سنة الماضية، لكن تكلفة وجودها تبدو أكبر من العائد المعرفي الذي تقدمه بحسب ما تقول دراسة نُشرت مؤخراً.

قال كريستوفر دافيدسون، المؤلف الرئيسي للدراسة والأستاذ محاضر في سياسات الشرق الأوسط في جامعة دورهام في بريطانيا، “هناك فجوة كبيرة بين الأهداف المقصودة والإنجاز الفعلي للأغراض التي تأسست من أجلها سواء كانت سياسة، اقتصادية، أو أكاديمية.”

لا يتفق الكثير من الأكاديميين العاملين في تلك الجامعات مع نتائج الدراسة، ويقولون إن هذه المؤسسات الأكاديمية تقدم الكثير على مستوى دعم البحوث والتعليم والتنوع الثقافي.

ركز البحث، الذي تم نشره بعنوان “فروع الجامعات الأميركية في دول الخليج: بناء اقتصادات المعرفة في طلبات الوصول المحدودة” ضمن كتاب بعنوان “الاقتصاد السياسي للتعليم في العالم العربي” بشكل أساسي على فروع جامعات الولايات المتحدة “ذات العلامات التجارية الكبيرة”  في الخليج والتي تمولها حكومات هذه الدول الغنية بالنفط، وتحديداً دولتي قطر والإمارات، حيث تضم الدوحة فروعاً لست جامعات أميركية، بينما تتواجد نحو 7 جامعات في الإمارات من بينها جامعة نيوريوك في أبوظبي. (اقرأ التقرير ذو الصلة:  التجربة القطرية في استيراد التعليم العالي).

استند البحث على بيانات حكومية أميركية، ومقابلات مع أعضاء من هيئة التدريس في خمسة فروع لهذه الجامعات ليخلص إلى توقع تراجع الأموال الممنوحة لهذه الجامعات واحتمال عدم تجديد الحكومات لتعاقدها معها خاصة في ظل الإنخفاض الحاد في أسعار النفط خلال العامين الماضيين. (اقرأ التقريرين ذي الصلة: كوفيد-19 يهدد مستقبل الجامعات الدولية في دبي و سبعة أسباب ستغلق 25 كلية إماراتية بحلول عام 2025).

قال هشام العلوي، أحد مُحرري الكتاب والباحث بمركز ويذرهيد للشؤون الدولية بجامعة هارفارد، في مقابلة هاتفية، “إن هذه الجامعات استثمارات باهظة الثمن، ومثل جميع الاستثمارات يجب قياس عائداتها من خلال التعرف على مدى تحقق الأهداف التي تأسست من أجلها.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: هل تستحق الجامعات الخاصة كل هذه التكلفة؟)

تكلفة استقطاب الجامعات

خلال العقدين الماضيين، سعت حكومات العديد من دول الخليج إلى جذب هذه الجامعات لتأسيس فروع لها على أراضيها من خلال الالتزام بتسديد فواتير تكاليف التشغيل لفروعها على أراضيها، وتقديم امتيازات لأعضاء هيئة التدريس فيها، والتبرع عبر مؤسسات تابعة لها بمنح مالية سخية لهذه الجامعات في أمريكا. تشير الدراسة إلى تقرير حكومي أميركي يوثق تبرع الدول الخليجية بنحو ربع حجم المنح التي حصلت عليها هذه الجامعات الأميركية بين عامي 2012 و2018. كما دعمت السلطات الإماراتية جامعة نيويورك في أبوظبي بنحو80.7  مليون دولار أميركي، بينما حصلت فروع الجامعات الأميركية الستة في الدوحة على دعم مالي بلغ نحو مليار و272 مليون دولار أميركي.

“إن هذه الجامعات استثمارات باهظة الثمن، ومثل جميع الاستثمارات يجب قياس عائداتها من خلال التعرف على مدى تحقق الأهداف التي تأسست من أجلها.”

هشام العلوي
 أحد مُحرري الكتاب والباحث بمركز ويذرهيد للشئون الدولية بجامعة هارفارد

أما عن الأسباب وراء ذلك فيعتقد شفيق الغبرا، أول رئيس للجامعة الأميركية في الكويت، أن انتشار الجامعات الأميركية على اختلاف أشكالها في الدول الخليجية كان “مرتبطًا بالتطورات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، والرغبة المتبادلة في فتح أو توطين تعليم ذي طابع أميركي في هذه الدول.”

بدوره، يشير العلوي أن افتتاح هذه الجامعات جاء مع الإعلان عن الرغبة بتنويع اقتصادات الحكومات المضيفة من خلال المساعدة في إنتاج خريجين ذوي جودة عالية، قادرين على المساهمة في “اقتصادات المعرفة”، ونقل المهارات والخبرات إلى المؤسسات المحلية، وكذلك تحسين العلاقات الدولية للحكومات المضيفة، وتحقيق الانتشار الثقافي لها.

مع ذلك، يعتقد العلوي أن هناك القليل من الأدلة على دور هذه المؤسسات الفرعية في نقل التكنولوجيا للبلدان المضيفة لها، أو حتى نجاحها في تخريج أعداد كبيرة من مواطنيها المحليين، ودمجهم داخل أنظمة العمل في هذه الدول. (اقرأ التقرير ذو الصلة: دراسة تدعو لإعادة النظر بجودة التعليم العالي في الإمارات).

وجهة نظر مختلفة

يخالف ليث أبو رداد، أستاذ سياسات وأبحاث الرعاية الصحية في كلية وايل كورنيل للطب في قطر، وجهة النظر التي خرجت بها نتائج البحث من واقع تجربته في التدريس لنحو ثلاثة عشر عاماً  في واحدة من فروع هذه الجامعات الأميركية في قطر التي ذكرها البحث.

U.S. branch campuses in Gulf
تعتبر جامعة نيويورك- أبو ظبي واحدة من فروع الجامعات الأميركية في الخليج التي تم تضمينها في دراسة حديثة لتكاليف وفوائد هذه الجامعات للبلدان المضيفة. (الصورة: موقع جامعة نيويورك- أبو ظبي).

 قال أبورداد في مقابلة هاتفية” لهذه الجامعات دور كبير في دفع العملية البحثية والتعليمية في المنطقة العربية، وتعزيز ثقافة التنوع داخل حرمها الجامعي، وهو ماتطمح إليه أي مؤسسة أكاديمية دولية حول العالم.” مشيراً إلى دور هذه الجامعات في دعم وتطوير البحث العلمي. فعلى سبيل المثال، أسهم الفريق البحثي الذي يقوده أبو رداد في مختبر بحوث الإحصاءات الحيوية والأمراض الوبائية والرياضيات الحيوية بكلية وايل كورنيل خلال أزمة كورونا الأخيرة في نشر أوراق بحثية حول الوباء في كبرى المجلات العلمية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: جامعة قطر توظف علم الوراثة والذكاء الاصطناعي في بحوث كوفيد-19).

قال “ساعد ذلك الدولة المضيفة في تصميم سياسات لمكافحة الوباء، فضلاً عن دعم المشاريع البحثية في المناطف العربية.”

الحرية الأكاديمية على المحك

إلى جانب ضعف العائد المعرفي لهذه المؤسسات، تشير الدراسة إلى أن وجودها لم يعزز من وجود الحرية الأكاديمية. فعلى العكس، كشفت وقائع حدثت داخل الحرم الجامعي لفروع عدد من هذه الجامعات عن قيود على حرية التعبير داخل الفصول الدراسية، ومنع أساتذة من التدريس لأسباب سياسية، وتعميم قضايا محظور الحديث فيها. على سبيل المثال، صدر تقرير عن تحالف للطلاب وأعضاء هيئة التدريس في جامعة نيويورك فرع أبوظبي، يتهم الجامعة بعدم اتخاذ خطوات كافية للقضاء على إمكانية العمل القسري بعد سنوات من ظهور القضية الى السطح للمرة الأولى (اقرأ التقرير ذو الصلة:  تقارير جديدة تحذر من استغلال العاملين في جامعة نيويورك أبوظبي). كما حظرت بعض فروع الجامعات الأميركية في قطر مناقشة العديد من القضايا ذات البعد السياسي داخل فصولها.

https://www.bue.edu.eg/

يقول دافيدسون، المؤلف الرئيسي للدراسة، إن أوضاع حرية التعبير في هذه البلدان انعكست أيضاً على عمله إذ لم يتمكن من الوصول لمعلومات حكومية حول كيفية تمويل هذه الفروع التي تخضع لدرجة شديدة من السرية، أو آلية توظيف خريجيها في القطاع الحكومي أو الخاص.

لم ترد جامعة نيويورك أبوظبي على استفسارات الفنار للإعلام حول نتائج البحث، حتى موعد نشر التقرير.

“وجود هذه المؤسسات مهم وله منافع كثيرة غير مرئية منها استقطاب الأساتذة العرب االأميركيين مجددا للمنطقة، وتأسيس مراكز بحثية كبرى، والتى ينعكس أثرها على نظام التعليم العالي الوطني في الدول الخليجية، وتعزيز صورتها في الخارج.”

شفيق الغبرا
أول رئيس للجامعة الأميركية في الكويت

جهود لزيادة الآثر

سعت بعض المؤسسات التابعة لحكومات هذه الدول لزيادة عدد الطلاب المحليين في فروع هذه الجامعات عبر إبرام عقود تلزم المؤسسات التعليمية بقبول مواطنين محليين بحدود “70 في المئة على الأقل” . لكنها لم تنجح في رفع أعداد المقبولين من سكان هذه البلدان، بحسب البيانات الأخيرة التي نشرتها الدراسة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: هل تستحق الجامعات الخاصة كل هذه التكلفة؟).

لكن أبو رداد لا يعتقد أن الجامعات الأميركية مسؤولة عن ذلك، حيث أوضح أن مابين 40 إلى 50 طالب يتخرجون سنوياً من كلية وايل كورنيل للطب في قطر سنوياً غالبيتهم من جنسيات دولية مختلفة، بما يعكس أهميتها، لأن “جزء من بيئة أي مؤسسة أكاديمية التنوع والاختلاف والثقافات المختلفة،” كما يقول.

وأضاف “طلاب الكلية من الربع إلى الثلث قطريين، لكن الثلثين غير قطريين وأغلبهم من الوطن العربي، وهذه قيمة تضاف للجامعة؛ لأن الجامعات الأميركية هي الأفضل حول العالم  بسبب فتح أبوابها لأفضل الطلاب من كل دول العالم.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

وعلى الرغم من أن الدراسة تقول بصعوبة استمرار هذه المؤسسات في المنطقة، في ظل محدودية تأثيرها على نظم التعليم العالي في هذه الدول، فإن الغبرا، مؤسس الجامعة الأميركية في الكويت، يستبعد ذلك.

قال “وجود هذه المؤسسات مهم وله منافع كثيرة غير مرئية منها استقطاب الأساتذة العرب الأميركيين مجدداً للمنطقة، وتأسيس مراكز بحثية كبرى، والتى ينعكس أثرها على نظام التعليم العالي في الدول الخليجية، وتعزيز صورتها في الخارج.” مؤكداً أن هذه المؤسسات قابلة للتطوير والانفتاح دوماً بمرور السنوات كما حدث مع تجارب مماثلة كالجامعة الأميركية في القاهرة وبيروت والشارقة مع اختلاف صيغة النموذج  التي تتأسس به هذه المؤسسات.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى