أخبار وتقارير

الألم الفلسطيني يلهم فريقًا من جامعة بيرزيت تصميمًا هندسيًّا لإعادة إعمار مرفأ بيروت

تمكن أربعة فلسطينيين، حاصلين على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، من الحصول على المركز الأول في مسابقة دولية لتصميم وإعادة إعمار مرفأ بيروت في لبنان. حصل الفريق على  جائزة فينيكس 2021 التي تُقدمها منظمة iDAR-Jerusalem، وهي منظمة فلسطينية غير ربحية مركزها القدس، تُروّج للهندسة المعمارية عبر الاحتفاء بأفكار التصميم المبتكرة التي تخدم إعادة إعمار هذه المناطق المنكوبة.

ضم الفريق الفائز ثلاث مهندسات هن: آلاء أبو عوض، وديالا أندونية، وميس بني عودة والمهندس مجد المالكي. اعتمد تصميمهم، الذي حمل اسم “ما بعد الانفجار- بيروت المنتجة”، على بناء ثلاثة نماذج من المساكن المؤقتة لثلاثمائة ألف شخص تهدمت منازلهم جراء الانفجار، مع مراعاة متوسط عدد أفراد الأسرة في لبنان. واقترح التصميم بناء مدينة صناعية إنتاجية، تعتمد بشكل أساسي على نظام التعليم المهني، من خلال توفير مساحات تضم ورش عمل ومصانع إنتاجية ومدارس مهنية وزراعية لتساهم في حل أزمة البطالة واستمرارية العمل، بالإضافة إلى تخصيص مساحات واسعة من الأراضي لزراعة القمح بغرض سد الفجوة الغذائية في المحصول، بعد انخفاض حجم إنتاجه خلال الأعوام الأخيرة.

قالت أبو عوض إن “الرسم المقترح يلبي احتياجات المواطن اللبناني، ويكرس القناعة بأنّ العمارة رسالة وطنية.”

وكان مرفأ بيروت قد تعرض لانفجار مدمر في أحد مستودعاته في 4 آب / أغسطس 2020، نتيجة لتخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم، من دون الالتزام بشروط السلامة، مما تسبب في مقتل العشرات وإصابة الآلاف، فضلا عن إحداث دمار كبير بالعاصمة اللبنانية. (اقرأ التقريرين ذي الصلة: انفجار بيروت يعصف بقطاعها التعليمي و غبار انفجار بيروت: خطر يهدد صحة السكان)

العمارة للحد من المآسي

تعتقد أبو عوض أن التشابه بين مآسي المجتمعين ـ الفلسطيني واللبناني ـ مع اختلاف السياقات، دفعهم لابتكار تصميم رسم هندسي يلبي حاجات الناس الاقتصادية والنفسية.

“الرسم المقترح يلبي احتياجات المواطن اللبناني، ويكرس القناعة بأنّ العمارة رسالة وطنية.

آلاء أبو عوض
مهندسة وعضو في الفريق

قالت “فكرة الهدم والدمار الدائمين التي نعيشها في فلسطين، تجعلنا نفكر في الدائم والمؤقت في طبيعة تصميم المباني المقترحة، ومراعاة تطورات المجتمع على المدى الطويل،” مشيرة إلى أنها شخصياً عاشت تجارب انفجارات أخرى حدثت في رام اللـه، حيث تعيش، من ضمنها  انفجار هز جدران مدرسة خليل الرحمن، القريبة من إحدى المستوطنات الإسرائيلية، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2000، حيث وقع وحطم أجزاء منها في مشهد يشبه ما عاشته بيروت أثناء انفجار المرفأ.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يصمم فيها أعضاء الفريق الفائز مشاريع هندسية لمناطق منكوبة، إذ دفعت الحرب الدائرة في أغلب المدن الفلسطينية طلاب الهندسة المعمارية، لتركيز بحوثهم خلال سنوات الدراسة على مشاريع إعادة إعمار المناطق المتهدمة.

اقترح التصميم بناء مدينة صناعية إنتاجية، تعتمد بشكل أساسي على نظام التعليم المهني، من خلال توفير مساحات تضم ورش عمل ومصانع إنتاجية ومدارس مهنية وزراعية لتساهم في حل أزمة البطالة واستمرارية العمل.
اقترح التصميم بناء مدينة صناعية إنتاجية، تعتمد بشكل أساسي على نظام التعليم المهني، من خلال توفير مساحات تضم ورش عمل ومصانع إنتاجية ومدارس مهنية وزراعية لتساهم في حل أزمة البطالة واستمرارية العمل.

قالت ناديا حبش، أستاذة الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت، في مقابلة هاتفية، “الوضع الفلسطيني العام حاضر دائما في التدريس، لأننا ننشئ جيلاً يستخدم العمارة في المقاومة والصمود، وبالتالي تركز معظم المسابقات على اختلاف مواضيعها على هذه المفاهيم.”

وتنصح حبش، والتي اختيرت ضمن قائمة أكثر 50 مهندسًا معماريًّا مؤثّرًا في الشرق الأوسط للعام 2019 وهي أيضا واحدة من مؤسسات قسم العمارة في جامعة بيرزيت، طلابها دوما بالتركيز على المضمون والأهداف لإنتاج “عمارة أصيلة منتجة تحترم بيئتها وتخدمها، وتسهم في تنميتها وتطويرها، وتتسم بأشكال إبداعية منسجمة مع هذه البيئة، ومواكبة لآخر التطورات التكنولوجية.”

يؤكد ماجد المالكي، أحد أعضاء الفريق، في مقابلة هاتفية، على وجود توجه أكبر داخل الجامعة “لحث الطلاب على التفكير في أن العمارة ليست مجرد بناء، إذ أن المطلوب هو فهم المحيط بسياقاته المختلفة قبل البناء.”

الميناء للجميع

استلهم الفريق أفكاراً من الحياة اليومية في فلسطين، التي تغيب فيها المساحات الخاصة بالمواطن بسبب انتزاع إسرائيل للأراضي المملوكة للفلسطينيين، واتباع السلطات الفلسطينية لنظام تصنيف استعمالات الأراضي.

قال المالكي “انعكس الاتجاه نحو الخصخصة على فهمنا للمدينة، وحق المواطن اللبناني في الفراغ العام، خصوصًا بعد اكتشافنا أن الواجهة البحرية لبيروت تم تخصيصها بالكامل للقطاع الخاص. لذلك يؤكد تصميمنا على وصول المواطن  للواجهة البحرية والتمتع بها دون الحاجة إلى الدفع لقاء ذلك.” (اقرأ التقريرين ذي الصلة: معركة جديدة على شواطئ لبنان و التخطيط العمراني في المنطقة العربية: معركة جديدة).

“إن التصميم جعل من المرفأ مفتوحًا على المدينة من خلال المنطقة السكنية، لتعزيز شعور المواطن بملكيته للمرفأ”.

ديالا أندونية
أحد أعضاء الفريق

قالت ديالا أندونية، أحد أعضاء الفريق، في مقابلة هاتفية، “إن التصميم جعل من المرفأ مفتوحًا على المدينة من خلال المنطقة السكنية، لتعزيز شعور المواطن بملكيته للمرفأ. لكننا أيضًا كنا منتبهين إلى أهمية أن يكون التصميم واقعياً حتى يتسنى تحويل هذا الدمار إلى إنتاج وحياة بأقل التكاليف، تراعي السياق الاجتماعي للمجتمع اللبناني.”

تعرفت الشابة الفلسطينية، التي تسكن مدينة بيت لحم، إلى زملائها الثلاثة في الفريق خلال عملهم بعد التخرج، باعتبارهم باحثين ومدرسين في قسم الهندسة المعمارية بجامعة بيرزيت. لاحقًا، ترك الأربعة العمل في الجامعة، وأسس بعضهم مكاتب هندسية خاصة لتعزيز خبراتهم العملية.

فاز تصميم الفريق الروسي بالمركز الثاني في المسابقة.
فاز تصميم الفريق الروسي بالمركز الثاني في المسابقة.

أما عن الصعوبات التي واجهت الفريق، تقول أندونية “جمع المعلومات والوصول لمصادر نستخدمها في البحث والتحليل حول احتياجات المواطن اللبناني الاقتصادية، والتغير الذي لحق في علاقته مع المرفأ قبل وبعد الانفجار، خصوصًا أننا لم نزر بيروت من قبل، فضلا عن صعوبة التجمع في ظل ظروف الإغلاق بسبب كورونا.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

اليوم، يسعى أعضاء الفريق للتواصل مع مسؤولين في لبنان للموافقة على تنفيذ المشروع واعتماده لإعادة إعمار المرفاً وهو بالطبع أمر ليس بالهين نظراً لطبيعة الأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية في البلاد.

قالت أندونية “لدينا طاقة وحماس لتقديم الكثير ونسعى لأن نكون جزءاً من التغيير، ودفع المجتمعات للأفضل عبر التأثير في حياتهم من خلال تصميماتنا المعمارية.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى