أخبار وتقارير

مع غياب الحوافز والأمان الوظيفي.. الكثير من الأساتذة العرب يبتعدون عن مهنة التدريس

تنويه المحرر: يستند التقرير أدناه على بحث أجرته الفنار للإعلام حول مزايا الوظيفية التي يتمتع بها أساتذة الجامعات الحكومية والخاصة في ١١ دولة عربية، وهو جزء من ملف يتضمن ثلاثة تقارير أخرى ذات صلة من السودان وتونس ولبنان.

يشكو غالبية أساتذة الجامعات في الدول العربية من تدني الأجور، لكن البحث والمقابلات التي أجراها مراسلو الفنار للإعلام مؤخراً  تكشف أيضاً عن عدم رضا واسع النطاق عن ظروف العمل الأخرى والافتقار إلى مزايا العمل الأساسية وعقود العمل قصيرة الأجل، والتي تجعل حياتهم غير مستقرة. كما يشعر كثيرون بالإحباط بسبب عدم وجود نقابات مستقلة لأعضاء هيئة التدريس تدافع عن حقوقهم وتحمي مصالحهم.

يبدي بعض الأساتذة ندماً على اختيار مهنة التدريس بسبب ظروف العمل، وفشل الحكومات والجامعات في الاستجابة لها، مما يدفعهم للهجرة في أحيان كثيرة.

للتعرف عن كثب على ظروف عمل أساتذة الجامعات، قامت الفنار للإعلام بجمع معلومات حول سياسات التوظيف وشروط التعيين المنشورة على مواقع إلكترونية رسمية وأخرى تابعة لمؤسسات جامعية. كما تم إجراء مقابلات مع 75 أستاذًا في جامعات حكومية وخاصة في 11 دولة، هي: الجزائر، ومصر، والأردن، والكويت، ولبنان وليبيا وفلسطين وقطر والسودان وتونس والإمارات العربية المتحدة.

كشف البحث، الذي استغرق ثلاثة أشهر، أنه وبالرغم من الأجور الجيدة التي يحصل عليها أساتذة الجامعات الخاصة مقارنة بنظرائهم في الجامعات الحكومية، فإن الأساتذة يقولون إنهم لا يحصلون على مزايا وظيفية أساسية كالتأمين الاجتماعي أو الصحي أو تعويضات السفر. يعود ذلك غالباً إلى طبيعة عقود العمل التي يحصلون عليها والتي تحدد مهامهم بالتدريس فقط مقابل أجر مالي دون أي تعوضات أخرى، فضلاً عن إمكانية إنهاء التعاقد معهم من قبل إدارة الجامعة دون سابق إنذار ودون دفع تعويضات. أما الجامعات الحكومية، والتي تمنح عادة أجوراً أقل، فقد بدأت مؤخراً بالاتجاه نحو إبرام عقود مؤقتة مع العديد من الأساتذة تحت إلحاح دعوات توظيفهم وغياب التمويل اللازم لتحقيق ذلك مما يجعل الكثير منهم يعملون اليوم بأجور قليلة وبدون مزايا وظيفية.(اقرأ التقرير ذو الصلة: أساتذة الجامعات الحكومية يناضلون لتأمين لقمة العيش).

انعكاسات سلبية على التعليم

قال جميل الحجرين، أستاذ جامعي بجامعة منوبة، “تؤثر قلة المزايا الوظيفية سلباً على عملنا الأكاديمي، خاصة في ظل اكتظاظ الصفوف بالطلاب. نحن نشعر بالغبن ونحاول التعويض بالعمل الإضافي في مهن أخرى معظم الأحيان، وبعضنا قد يتخلى عن التدريس تماماً أو يهاجر للعمل في بلد آخر.”

“تؤثر قلة المزايا الوظيفية سلباً على عملنا الأكاديمي، خاصة في ظل اكتظاظ الصفوف بالطلاب. نحن نشعر بالغبن ونحاول التعويض بالعمل الإضافي في مهن أخرى معظم الأحيان، وبعضنا قد يتخلى عن التدريس تماماً أو يهاجر للعمل في بلد اخر.”

جميل الحجرين
أستاذ جامعي في جامعة منوبة – تونس

ما قاله الحجرين يتفق أيضاً مع وجهة نظر أستاذ جامعي في الأردن، حاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة البيئية. قال “والدي وأعمامي جميعهم أساتذة جامعات، لكنني نادم اليوم على التحاقي بهذه المهنة التي لم تعد تمتلك ذات المكانة الاجتماعية أو المزايا الوظيفية.” وأوضح الاستاذ الجامعي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه عمل لفترة محدودة في جامعة خاصة بعقد مؤقت وأجر متواضع قبل ان يقرر التخلي تماماً عن مهنة التدريس والتحول لممارسة التجارة. ( اقرأ المقال ذو الصلة: مدرس جامعة.. يا عيني يا ابني!)

قال “لا يمتلك أساتذة الجامعات أي مزايا وظيفية حقيقية، كما أنها عرضة للعنف من قبل الطلاب دون وجود مؤسسة تحميهم وتدافع عنهم.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: العنف القبلي يهدد الجامعات الأردنية الرسمية).

لا يختلف الحال كثيراً في العديد من الدول العربية، إذ تعتمد غالبية عقود التوظيف في الجامعات الخاصة مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” بحيث تحدد الجامعات الخاصة مهام الأساتذة مقابل الأجر المادي، مع غياب مزايا العمل الأخرى كالتأمين الصحي والاجتماعي والراتب التعاقدي وتعويضات السفر أو البحث.

something didnt work here

قال إبراهيم الحمود، رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت، “يخضع الأستاذ الجامعي في الجامعة الحكومية في نهاية المطاف للحماية التي يخضع لها الموظف العام، لقواعد عدم جواز معاقبته، فصله، أو إقالته إلا بقواعد مشددة، وحقه في اللجوء للمحاكم الإدارية. أما العاملين في الجامعات الخاصة فضماناتهم الوظيفية أقل بكثير من ضمانات العاملين في الجامعة الحكومية، وهو ما يتطلب التعجيل بوضع تشريعات تقدم حماية أكبر لأعضاء الهيئة التدريسية فيها.”

غياب الأمان الوظيفي

تبرم غالبية الجامعات الخاصة عقود عمل قصيرة الأجل قد تصل لمجرد فصل دراسي واحد قابل للتجديد، كما  تتمتع إدارة الجامعات الخاصة بصلاحية مطلقة في إنهاء العقد متى شاءت، بحسب ما أظهرت نسخ العقود التي حصلت الفنار للإعلام على نسخ منها.

قال مظهر الشوربجي، مدرس مساعد بقسم الفلسفة في جامعة دراية بمدينة المنيا، “أعتقد أن عدم وجود عقود طويلة المدة تجعل الأساتذة في حالة عدم استقرار نفسي لكونه عرضة للمغادرة في أي وقت.”

يتفق عمر دريدر، أستاذ في قسم هندسة النفط جامعة الرفاق الأهلية في طرابلس الليبية، مع الشوربجي حول التأثير السلبي لنوعية العقود الشائعة للعمل مع جامعات خاصة.

قال “رغم الأجر الجيد، لكننا مهددون بترك العمل في أي وقت وهذا يهدد الاستقرار الوظيفي لأي أستاذ وباحث.”

أما خالد حسن، أستاذ مساعد في كلية الهندسة جامعة جاردن سيتي في الخرطوم، فيقول “القانون فى السودان يتعامل مع الجامعات بنفس قانون الشركات الخاصة؛ والتى يمكن أن تستغنى عن الموظف فى أى وقت تشاء.” مشيراً إلى أنه سبق له العمل في جامعة خاصة “قامت بطرد أساتذة وعدم السماح لهم بالدخول حتى لأخذ مقتنياتهم الخاصة من مكاتبهم.”

في المقابل، تبدو عقود الجامعات الحكومية أكثر إنصافاً، حيث تتم غالباً وفق قانون العمل العام المستخدم لكافة وظائف الدولة، أو قانون التوظيف الجامعي. ويحصل بموجبه الأساتذة على تأمينات اجتماعية وفي بعض الأحيان صحية، في حال كان هناك نظام تأمين صحي في البلاد، مع بعض التعويضات الأخرى وأجر تقاعدي عند انتهاء الخدمة. كما أن إنهاء التعاقد مقيد بكثير من الإجراءات.

“يخضع الأستاذ الجامعي في الجامعة الحكومية في نهاية المطاف للحماية التي يخضع لها الموظف العام، لقواعد عدم جواز معاقبته، فصله، أو إقالته إلا بقواعد مشددة، وحقه في اللجوء للمحاكم الإدارية. أما العاملين في الجامعات الخاصة فضماناتهم الوظيفية أقل بكثير من ضمانات العاملين في الجامعة الحكومية، وهو ما يتطلب التعجيل بوضع تشريعات تقدم حماية أكبر لأعضاء الهيئة التدريسية فيها.”

إبراهيم الحمود
رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت

إقالات تعسفية

تحدث الكثير من الاستثناءات في واقع الأمر.

شمل البحث الذي قام به مراسلو الفنار للإعلام في 11 دولة عربية رصد متواصل للعديد من حوداث فصل أو إيقاف أساتذة عن العمل بصورة مفاجئة، ودون وجود مسببات تتعلق بأدائهم الوظيفي. حدث ذلك في لبنان وتونس وفلسطين والسودان.

ففي لبنان، قامت العديد من الجامعات الخاصة بإنهاء التعاقد مع مئات الأساتذة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد دون تسديد أي تعويضات. (اقرأ التقرير ذو الصلة: الأزمة الاقتصادية تعصف بمستقبل أساتذة الجامعات في لبنان). وفي تونس، يتم فصل اساتذة متعاقدين مع جامعات خاصة دون سابق إنذار.

أما في فلسطين، فقد تعرض ثلاثة أساتذة للفصل من جامعة القدس، في شهر نيسان/ أبريل الماضي، للمرة الأولى في تاريخ الجامعات الفلسطينية وذلك على خلفية دعوة النقابة للعاملين في الجامعة للإضراب عن العمل، بعد تجاهل الإدارة مطالب النقابة بتوفير بدل غلاء المعيشة، ورسوم التقاعد، وبدل فرق العملة للعاملين.

شمل قرار الفصل رئيس نقابة العاملين في الجامعة، مجدي حمايل، وأمين سر نقابات العاملين بالجامعات الفلسطينية، عبد الله نجاجرة، والمستشار القانوني، محمد عمارنة.

“إن الفصل من العمل من الجامعة “غير قانوني” لأن عقد العمل “غير محدد الأجل” بعد التثبيت، ويخالف الأنظمة والقوانين المعمول بها في الجامعة، موضحاً أننا نعمل في الجامعة منذ عشرين عاماً، ومثبتون تثبيتاً وظيفياً.”

مجدي الجدايل  
رئيس نقابة العاملين في القدس- فلسطين

دفع قرار فصل الأساتذة المئات من زملائهم في الجامعات الفلسطينية للاعتصام أمام مقر وزارة التعليم العالي بمدينة رام الله،  لدعم حقوق العاملين في جامعة القدس، وحماية الأمن الوظيفي لهم، والسماح لهم بالعودة للعمل وممارسة نشاطهم النقابي بحرية كاملة دون ممارسة قيود أو ضغوط عليهم، بحسب بيان صدر عنهم.

قال حمايل، أحد الأساتذة الثلاثة المفصولين، في مقابلة هاتفية إن “الفصل من العمل من الجامعة “غير قانوني” لأن عقد العمل “غير محدد الأجل” بعد التثبيت، ويخالف الأنظمة والقوانين المعمول بها في الجامعة، موضحاً أننا نعمل في الجامعة منذ عشرين عاماً، ومثبتون تثبيتاً وظيفياً.”

ضعف النقابات الداعمة

لا يوجد نقابات أو اتحادات لأساتذة الجامعات الخاصة في كل الدول العربية التي شملها بحث الفنار للإعلام. أما أساتذة الجامعات الحكومية، فيوجد لهم نقابات على مستوى الدولة في ثلاثة دول فقط من أصل 11 دولة شملها البحث، هي: فلسطين والجزائر وتونس. بينما تمتلك خمسة دول هيئات للأساتذة على مستوى كل جامعة على حدة، وهي: قطر والكويت والسودان ولبنان وليبيا. أما مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة فلا يوجد في أي منها نقابة أو هيئة لأساتذة الجامعات الحكومية لا على مستوى الدولة ولا حتى على مستوى الجامعة.

something didnt work here

في المقابل، لا يبدو أن عمل النقابات، إن وجدت، فاعل بصورة حقيقية.

فعلى سبيل المثال، يخالف قرار فصل الأساتذة الثلاثة في جامعة القدس الإجراءات التأديبية التي تتبعها إدارة الجامعة تجاه مخالفات الأساتذة، والتي تتدرج من “لفت نظر” إلى “إرسال إنذار”، حتى عقد لجنة تحقيق مستقلة حول الواقعة محل الاتهام. وبالرغم من أن عمل نقابات الأساتذة من المفترض أنه “محصن قانوناً” ضد هذه الإجراءات، لكن ماحدث يعكس ضعف النقابة وعدم قدرتها على حماية أعضائها كما هو مناط بها.

في السودان، يسعى أساتذة الجامعات اليوم إلى تشكيل نقابة عامة واحدة تضم ممثلين عن نقابات كل كلية بهدف توحيد جهودهم بكيان أكثر تأثيراً.

لكن جهود تشكيل نقابات لا تكلل دائماً بالنجاح. ففي الأردن، فشلت مساعي أساتذة الجامعات الخاصة والحكومية على حد سواء في تشكيل كيان يمثلهم ويحمي حقوقهم.

قال سليمان العليمات، عضو هيئة تدريس في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، “عادة ما يتم حماية الحقوق من قبل اتحادات مهنية مثل جمعية الهندسة، ونقابة الصيدلة … إلخ. وقد تم إجراء العديد من المحاولات لتأسيس إتحاد أساتذة الجامعات بما في ذلك أساتذة الجامعات الحكومية والخاصة. لكن لسوء الحظ، وصلت جميع المحاولات إلى طريق مسدود لعدم توفر توافق في وجهات النظر ودعم مالي وتشريعي يضمن استقلالية العمل.”

وكانت الشرطة قد داهمت مقر “نقابة المعلمين الأردنيين” في عمان و11 من فروعها في مختلف أنحاء البلاد، وأغلقتها واعتقلت جميع أعضاء مجلس النقابة الـ 13 في 25 يوليو/تموز 2020. وأصدر نائب عام عمّان حسن العبداللات الأمر بإغلاق النقابة العمالية المستقلة المنتخبة، التي تمثل مدرسي المدارس في جميع أنحاء الأردن، لعامين بعد نزاعات بارزة بين الحكومة الأردنية والنقابة، بحسب تقارير لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

بيئة عمل ضعيفة

لا تقتصر مشكلات الأساتذة الجامعيين على طبيعة عقود العمل أو غياب وجود جهات داعمة، إنّما تبرز مشاكل أخرى مثل انعدام فرص التدريب الخارجي والداخلي، وتعويضات العمل وتوفير السكن والمواصلات للعاملين من مدن أو مناطق بعيدة عن الحرم الجامعي. كما لا توفر الجامعات للأساتذة أجهزة كمبيوتر مجانية، أو خدمات إنترنت داخل الجامعات. (اقرأ التقرير ذو الصلة: مشكلات الباحثين في المنطقة العربية تتجاوز مسألة التمويل).

“في ظل تقاعس المسؤولين عن الاستجابة لانين الأساتذة، يصبح الاستمرار في العمل شديد الصعوبة ويدفع بالكثيرين لهجر هذه المهنة.”

أسماء العسيلي
أستاذ مساعد الخزف بجامعة طنطا

كما يلفت بعض الأساتذة الذين التقتهم الفنار للإعلام إلى أنّ غياب المحفزات على البحث العلمي، ويشيرون إلى انعدام العدالة في آلية الترقية إلى الدرجات الوظيفية العليا.

قالت أستاذة جامعية من الجزائر، طلبت عدم الكشف عن اسمها، “العمل الأكاديمي بات عبئاً على الأستاذ الجامعي، لا يوجد أي مغريات للعمل مما يتسبب في غياب الشغف ويحول التدريس إلى مهنة شاقة.”

لا تقتصر التبعات السلبية لغياب المزايا الوظيفية على الأساتذة بل تشمل كامل العملية التعليمية خاصة مع توقف الكثيرين عن العمل (اقرأ التقرير ذي الصلة: إضراب الأساتذة يغلق الجامعات في ليبيا) وسعيهم للسفر والعمل في الخارج مما يتسبب في خسارة كبيرة في الموارد البشرية. (اقرأ التقارير ذات الصلة: جامعات تونس بلا أساتذة و لا أساتذة جدد.. الجامعة اللبنانية في خطر و استطلاع جديد: الهجرة حلم الباحثين العرب).

قالت أسماء العسيلي، أستاذة مساعدة  في جامعة طنطا، “في ظل تقاعس المسؤولين عن الإستجابة لأنين الأساتذة، يصبح الاستمرار في العمل شديد الصعوبة ويدفع بالكثيرين لهجر هذه المهنة.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

أما ممدوح تاج، أستاذ مساعد بقسم المكتبات بجامعة أم درمان الإسلامية في السودان، فيعتقد أن النتائج كارثية.

قال “هاجر في السنوات الأخيرة ما يقدر بنحو 13 ألف أستاذ مؤهل إلى دول الخليج العربي وأوروبا، هذه كارثة تعكس عدم الاهتمام بتحسين وضع الأساتذة وتتسبب في ضعف في جودة التعليم الجامعي ومستويات الخريجين عموماً.”

شارك في البحث: عمرو التهامي، وطارق عبد الجليل، وإيمان كامل، وعائشة الجيار، ونزيهة بوسعيدي وروفان نحاس.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى