أخبار وتقارير

رحيل هشام جعيط بعد مسيرة حافلة في تاريخ الإسلام

في الأول من حزيران/ يونيو، ودّعت تونس هشام جعيط، المؤرخ الإسلامي والباحث البارز، الذي قدّم مساهمة أساسية في البحث في فترات حرجة من التاريخ الإسلامي. قدمت كتب جعيط نظرة ثاقبة على القضايا الرئيسية التي تواجه تفسير التاريخ الإسلامي وتفاعل الإسلام مع الحداثة من المنظور الاجتماعي والفلسفي والأنثروبولوجي.

ولد جعيط عام 1935 في تونس لعائلة مثقفة من القضاة المتخصصين في الفقه الإسلامي، وتلقى تعليمًا محافظًا في محيطه المباشر قبل أن يلتحق بالمدرسة الصادقية الثانوية في تونس، التي فتحت له أبواب الإطلاع على الثقافة الفرنسية والغربية بشكل عام. حصل جعيط على درجة عليا في التاريخ من فرنسا عام 1962. بعد ذلك، حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة السوربون في باريس عام 1981.

في تعليق على رحلته التعليمية من تونس إلى باريس قال “كان اكتشافي للفلسفة أمرًا حاسمًا، وكان بمثابة الفتح والتجلي، ولستُ أعني بذلك الميتافيزيقا فقط، وإنما أيضًا علم النفس والأخلاق والمنطق. عندئذ بدأت تذوب عندي بديهيات أساسية، وفي الآن نفسه اكتشفت علم البيولوجيا ونظرية التطور، وهذا كلّه أثار إعجابي واندهاشي في نفس الوقت.” (إقرأ المقال ذو الصلة “جدل حول تدريس نظرية التطور البشري في الفصول الدراسية“.

“كان اكتشافي للفلسفة أمرًا حاسمًا، وكان بمثابة الفتح والتجلي، ولستُ أعني بذلك الميتافيزيقا فقط، وإنما أيضًا علم النفس والأخلاق والمنطق. عندئذ بدأت تذوب عندي بديهيات أساسية”.

هشام جعيط  

أمضى جعيط، الذي توفي عن عمر ناهز 86 عامًا، قرابة النصف قرن في البحث في مجال التاريخ الإسلامي والثقافة العربية. عمل جعيط أستاذًا فخريًا بجامعة تونس وأستاذًا زائرًا في العديد من مؤسسات التعليم العالي الشهيرة، بما في ذلك جامعة ماكغيل في مونتريال وجامعة كاليفورنيا في بيركلي. كما كان أيضًا عضوًا في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون، ورئيسًا للمَجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، وعضوًا في اللجنة العلمية الدولية التي أصدرت موسوعة تاريخ إفريقيا العام في ثمانية أجزاء برعاية منظمة اليونسكو.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ألهمته إقامته في الغرب تأليف كتاب أوروبا والإسلام، وهو كتاب يسلط الضوء على التفاعل بين الإسلام والحضارة الغربية. ولا يزال أعظم أعماله كتاب “الفتنة الكبرى” (La Grande Discorde)، وهو عمل رائد في دراسة فترة مهمة في التاريخ الإسلامي باتباع نهج أكاديمي صارم. يجيب كتاب “الفتنة الكبرى” على الأسئلة المتعلقة باندلاع الاقتتال بين المسلمين مباشرة بعد وفاة الرسول. ومن روائع جعيط الأخرى أزمة الثقافة الإسلامية، والشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، وتأسيس الغرب الإسلامي.

حول جعيط تركيزه أكثر نحو كتابة سيرة النبي محمد مستخدما العدسات العلمية فيما وُصف بأنه نهج جريء للتاريخ الإسلامي ينفصل عن التقديس الذي تغلغل في أعمال كثير من الباحثين العرب في هذا الموضوع. وتمثّل هدفه في إعادة كتابة السيرة النبوية بطريقة علمية تجمع بين التاريخ المقارن والبصيرة الأنثروبولوجية.

حول جعيط تركيزه أكثر نحو كتابة سيرة النبي محمد مستخدما العدسات العلمية فيما وُصف بأنه نهج جريء للتاريخ الإسلامي ينفصل عن التقديس الذي تغلغل في أعمال كثير من الباحثين العرب في هذا الموضوع.

في هذا الصدد، أوضح جعيط وجوب التمييز بين الفكر التاريخي والتأريخ وفلسفة التاريخ، وقد كتب هذا الكتاب في ثلاثة أجزاء واضعا نشأة الإسلام في سياقه التاريخي. (إقرأ المقال ذو الصلة “قراءة جديدة للأيام الأخيرة في حياة الرسول“.

في فترة لاحقة من حياته، كانت مكانة الإسلام في العالم المعاصر مصدر قلق كبير لجعيط. في مقابلة مع صحيفة القدس العربي التي تتخذ من لندن مقرًا لها في آذار/ مارس 2018، رفض خطاب الإسلام السياسي وحث على القراءة الصحيحة لتاريخ الإسلام.

في أعقاب الربيع العربي، أصر جعيط على أن الديمقراطية معركة شاقة من الواجب كسبها. قال لصحيفة القدس، “يجب على تونس حماية أصولها الديمقراطية مهما كانت التكاليف الاجتماعية والاقتصادية، والتي لا يمكن حلها إلا بمرور الوقت. يجب أن تسير الديمقراطية جنبًا إلى جنب مع النمو الاقتصادي.”

وأعرب الرئيس التونسي قيس سعيد في بيان رسمي عن احترامه العميق لجعيط ونعى رحيل القامة العلمية و”المفكر العظيم” الذي ترك بصمة دائمة على المشهد الثقافي التونسي.

حصل جعيط على كوكبة من الأوسمة والجوائز، منها حصوله على جائزة “شخصية العام الثقافية العربية” من قبل المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 2016، وتكريمه عام 2018 من قبل مجموعة من الباحثين العرب الذين أهدوا له كتابًا يلقي ضوء على رحلته الأكاديمية والفكرية الثرية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى