مقالات رأي

أمل أمين: جهود دعم الباحثين الشباب والنساء مازالت قاصرة

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

على الرغم من الحديث المتكرر عالمياً ومحلياً، عن ضرورة دعم وجود المرأة في مجال البحث العلمي، فإن واقع الحال يشير إلى أن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال. إذ أن النساء مازلن يعتبرن أقلية في مجال الرياضيات وعلم الحاسوب والهندسة، والذكاء الاصطناعي ولا يمثلن سوى ثلث الباحثين في العالم فقط، بحسب تقرير أخير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

كما أكدت ألكسندرا بالت المديرة التنفيذية لمؤسسة لوريال، التي تقدم سنويا جائزة لتعزيز تواجد المرأة في مجال البحث العلمي، أن التعتيم على المرأة في مجال العلوم ما زال قائماً وبشدة .

وبوصفي سيدة من المشتغلات بمجال البحث العلمي، أستطيع القول أيضاً: أن كل الجهود المبذولة إلى الآن – سواء بالنسبة لتعزيز وجود المرأة فى مجالات العلوم أو برامج دعم شباب العلماء – لم تحقق  كل المرجو منها لعدة أسباب ألخص بعضها من واقع خبرتي الشخصية.

لقد دخلت إلى الوسط العلمي بعد حصولي على منحة من الأكاديمية المصرية للعلوم، لنيل درجة الماجستير. وبذلت جهداً كبيراً لضمان الفوز بوظيفة بحثية، مما يعزز استمراري في المجال. في نفس الوقت كان علي أن أتدبر أموري العائلية، كإمرأة متزوجة وأم لطفلة صغيرة. كان ذلك تحدياً كبيراً للتوفيق بين المسارين. (اقرأ المقال ذو الصلة: طفلتي ورسالة الدكتوراه).

انعكس ذلك بالضرورة على أسلوب تعاملي مع المجتمع المحيط، إذ عادة يبدأ الباحثون الشباب أولى خطواتهم في المجال بالكثير من الحذر، لأن عليهم قبل إثبات قدراتهم العلمية التأكد أولاً على ترك انطباعات جيدة ومبشرة على صعيد السلوك الإجتماعي في وسط يقوم على تعزيز التراتبية، وتبجيل كبار الأساتذة، وبالتالي يظهر الباحثون الشباب استعداداً مفرطا لإطاعة الأوامر والتوجيهات من الإدارات لمجرد ضمان الاستمرارية فى غياب إرشاد أكاديمي داعم وحقيقي يوفر لهم مزيد من الوقت و الجهد. (اقرأ التقرير ذو الصلة: مشكلات الباحثين في المنطقة العربية تتجاوز مسألة التمويل).

لا يمكن النظر لوضع المرأة في المجال الأكاديمي بمعزل عن سياق مجتمعي متكامل داخل الجامعة أو خارجها يتعلق بمدى الإيمان بقدراتها ومساواتها فعلياً بالرجل وهو أمر مازال غير محقق على نطاق واسع في مجتمعنا.

في المقابل، لا يمكن النظر لوضع المرأة في المجال الأكاديمي بمعزل عن سياق مجتمعي متكامل داخل الجامعة أو خارجها يتعلق بمدى الإيمان بقدراتها ومساواتها فعلياً بالرجل وهو أمر مازال غير محقق على نطاق واسع في مجتمعنا. (اقرأ التقرير ذو الصلة: المرأة العربية مازالت بعيدة عن قيادة المؤسسات الأكاديمية).

محدودية الدعم

أيضاً يلعب غياب الاستقلالية في تحديد الموضوعات التي يرغب الباحثون الشباب بالعمل عليها بسبب مشكلات الحصول على تمويل وسيطرة اتجاهات محددة من قبل المؤسسات المانحة في زيادة الضغوط على الباحثين الشباب رجالاً ونساء هذه المرة. فعلى سبيل المثال، تنامت عبر السنوات الأخيرة  اتجاهات العمل البحثي على بحوث التنمية المستدامة في حين تم إهمال البحوث التي يمكن وصفها بالدراسات (المغذية)، وهو أمر محبط  للغاية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: الأزمات الصحية والاقتصادية تهدد تمويل البحوث في المنطقة العربية).

وفي ظل تراجع مصادر التمويل يضطر الباحثون إلى توجيه مشروعاتهم البحثية نحو ما يمكن وصفه بـ الموضوعات الجاذبة استجابة لقانون “العرض والطلب”.

في ظل تراجع مصادر التمويل يضطر الباحثون إلى توجيه مشروعاتهم البحثية نحو ما يمكن وصفه بـ الموضوعات الجاذبة استجابة لقانون “العرض والطلب “.

ويزيد من حجم المشكلة تراجع فرص التعاون بين الباحثين في التخصصات المختلفة بسبب غياب الأطر الناظمة والثقافة الداعمة لذلك، إذ يعمل كل باحث تبعا لرؤيته الخاصة أو توجيهات أساتذته، وقد يبرر البعض هذا التوجه  بالخوف من تداخل الاختصاصات، أو من طغيان مجال على حساب المجال الأخر.

يتسبب كل ذلك في نهاية المطاف في غياب مفهوم الفريق البحثي وهو مفهوم فاعل في الجامعات ومراكز البحث.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

شخصياً، أعتقد أن لذلك تأثيراً على تراجع نسب إنتاج براءات الاختراع ومفهوم دور الجامعات المجتمعى وريادة الاعمال والتعاون مع الصناعة لتحويل الأفكار إلى واقع يساهم فى خطط التنمية، وبالتالي تدني الأوضاع في معظم الجامعات العربية كنتيجة طبيعية  لعدم الاشتغال  المؤسسي على تطوير رؤى الباحثين وأدواتهم المنهجية  وتحسين بيئة العمل.

والأن، ما السبيل إلى حل كل ذلك؟

أعتقد أنه لابد أولاً من تهيئة مناخ عام يستند على تشريعات داعمة وحاضنة للباحثين الشباب والنساء منهم تحديداً مما يسهم في خلق بيئة مشجعة على طرح الأفكار المبتكرة ومنحهم الفرص الكافية والمتساوية للعمل وإثبات الذات دون تقييد أو تنميط، إضافة إلى توفير مخصصات تمويلية متنوعة تشمل كل التخصصات والمواضيع بعيداً عن “الترند” بما يحدث توازن تكاملي بين مختلف المجالات ويسهم في حركة بحثية حقيقية مستمرة وراسخة تستخدم البحوث في تطوير المجتمعات.

أمل أمين: أستاذ مساعد للنانوتكنولوجي بالمركز القومى للبحوث، ومؤسسة مبادرة المراة فى العلوم بلا حدود.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى