مقالات رأي

يوم اللاجئ العالمي فرصة لنتذكر بأن الطريق ما زال طويلاً

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

في مثل هذه الأيام وقبل نحو 7 سنوات تم منعي من السفر إلى عمان من مطار رفيق الحريري في بيروت بسبب صدور قرار مفاجئ بمنع دخول اللاجئين السوريين إلى الأردن. حاولت حينها إقناع موظف شركة الطيران أنني لست لاجئة، وأنني أحمل جواز سفر  نظامي، وأنني مقيمة في المملكة منذ أكثر من عامين، كما أنني من مواليد عمان لكن كل ذلك لم يكن كافياً لإقناعه بالسماح لي بركوب الطائرة. خرجت من المطار حينها وأنا أجر حقيبتي الصغيرة وأفكر إلى أين يمكن أن أتوجه وماذا سأفعل.

قلب ذلك القرار المفاجئ حياتي، وجعلني شبه مقيمة في حقيبة سفري الصغيرة، أتنقل من منزل صديقة لأخرى إلى أن استضافني أكاديمي كندي في منزله داخل مقر الجامعة الأميركية في بيروت حيث كان يعمل آنذاك هناك. لم أكن قادرة على استيعاب التغيير أو التفكير بحل لوضعي الجديد، كما بدا مستقبلي المهني غامضاً فلم أكن واثقة من إمكانية استمراري في عملي أو العودة إلى سوريا. لاحقاً، تمكنت بمساعدة من مديري السابق وأصدقاء أكاديميين من الحصول على موافقة للدخول للأردن مجدداً بعد 23 يوماً قضيتها شبه مقيمة في حقيبة سفري. وبالرغم من بساطة هذه التجربة الشخصية، فإنها كانت كفيلة بتعريفي بحجم العوائق التي يمكن أن يواجهها الملايين فقط بناء على وثيقة أو جنسية يحملونها وبعيداً عن أي اعتبارات إنسانية أو مهنية.

لقاءات ملهمة

مع نهاية عام 2014، دعيت لحضور مؤتمر دولي في بروكسل لمناقشة سبل توفير فرص للتعليم العالي خلال الأزمات بالتزامن مع تفاقم الحرب في سوريا والتي وصفتها الأمم المتحدة بـ”أسوأ كارثة من صنع الانسان منذ الحرب العالمية الثانية”. (اقرأ التقرير ذو الصلة: من بروكسل، نداء عاجل لدعم تعليم اللاجئين).

كان التمثيل العربي في المؤتمر شبه غائب، سواء في الحضور أو ضمن البرامج والمبادرات التي تمت مناقشتها. مع ذلك، أتيحت لي الفرصة لقاء ولأول مرة بعض الطلاب اللاجئين السوريين الذين حصلوا على منح دراسية لاستكمال دراستهم في أوروبا.

كان لقائي بهم ملهماً نظراً لما كانوا يحملونه من أمل ورغبة جدية بالعمل على الانتهاء من دراستهم والعودة لبناء بلدهم لاحقاً. كانوا شغوفين بتطوير أنفسهم وتوسيع معارفهم والدفاع أيضاً عن حق آلاف الطلاب غيرهم من استكمال دراستهم التي حرموا منها بسبب الحرب.

قلب ذلك القرار المفاجئ حياتي، وجعلني شبه مقيمة في حقيبة سفري الصغيرة، أتنقل من منزل صديقة لأخرى إلى أن استضافني أكاديمي كندي في منزله داخل مقر الجامعة الأميركية في بيروت حيث كان يعمل آنذاك هناك.

لاحقاً، توالت لقاءاتي بالكثيرين منهم خاصة مع الاهتمام الخاص الذي أولته الفنار للإعلام لتغطية كل ما يتعلق بقضايا تعليم اللاجئين منذ عام 2015 سواء من خلال التقارير والتحقيقات الحصرية وما تتطلبه من زيارات ميدانية لمخيمات اللاجئين في لبنان والأردن أو من خلال مؤتمرات وورشات عمل نظمتها بالتعاون مع مؤسسات دولية لمناقشة سبل زيادة الدعم والمنح  الدراسية المقدمة للطلاب اللاجئين. (شاهد تقرير مصور عن ورشة الفنار للإعلام حول تعزيز وصول اللاجئين السوريين للجامعات).

وفي كل مرة كنت ألتقي بهم، كان الإلهام يتجدد والخيبة تتسع. (اقرأ المقال ذو الصلة: نجاح الطلاب السوريين بين الألم والفخر).

فعلى الرغم من زيادة عدد المنح الدراسية المتاحة أمامهم عاماً بعد عام، فإنها مازالت قاصرة على احتضانهم جميعاً. (اقرأ التقرير ذو الصلة: إحصاء تقديري لحجم إحباط الطلاب السوريين). ناهيك عن العوائق التي لاتنتهي في طريقهم نحو الحرم الجامعي من موافقات أمنية وتأشيرات سفر إلى نقص وغياب لأوراق رسمية وصعوبة معادلة وقبول شهاداتهم الدراسية السابقة. (اقرأ المقال ذو الصلة:عندما تنتهي أحلام الطلاب السوريين بسبب ورقة).

فرصة للتفكير مجدداً

أسترجع كل هذه الحوداث اليوم والعالم يحتفي بيوم اللاجئ العالمي في ظل تراجع واضح في الاهتمام بقضايا اللاجئين بدءاً من وسائل الإعلام التي ماعاد من أولوياتها تغطية قضاياهم وحتى الجهات المانحة التي قلصت ميزانيتها وأغلقت العديد من برامجها الموجهة للاجئين. (اقرأ التقرير ذو الصلة: تراجع اهتمام الجهات المانحة بتقديم المنح الدراسية للاجئين). كما ساهم الانتشار المستمر لوباء كوفيد-19 في انحسار الأضواء عن أوضاع اللاجئين الذين باتوا يعانون الأمرين اليوم، إذ جعل الحظر الذي فرضه الوباء والتحول نحو التعليم الإلكتروني وصولهم للتعليم أكثر صعوبة ودفع بالكثيرين منهم للتوقف عن الدراسة والبحث عن أي فرصة عمل لإعالة أنفسهم وذويهم. (اقرأ التقريرين ذي الصلة: شبح التسرب من المدارس والزواج المبكر يطارد الفتيات السوريات اللاجئات في لبنان و أزمات متلاحقة تجعل تعليم اللاجئين “ترفاً”).

يقولون إن الاحتفاء يتطلب عادة تذكر الإنجازات، لكنني أعتقد أن الطريق لذلك مازال طويلاً وأن اليوم فرصة مناسبة أكثر لتذكر الاحتياجات التي تزداد يوماً بعد الأخر.

ربما تكون أعداد اللاجئين من سوريا قد تراجعت قليلاً، ليس بسبب تحسن الأوضاع في الداخل، ولكن بسبب القيود المشددة التي فرضتها الدول جمعاء على تنقلهم واستقبالهم. كما أن تراجع أعدادهم لا يعني تراجع احتياجهم للتعليم. على العكس، فالأطفال الذين تركوا بلادهم في سن الالتحاق بالمدرسة باتوا اليوم شباباً على أعتاب سن الالتحاق بالجامعات. إلى جانب السوريين، هناك اليوم مئات الشباب اللبنانيين واليمنيين والفلسطينيين والعراقيين الذين تعاني بلادهم من أزمات سياسية واقتصادية عنيفة وجميعهم بلا استثناء يستحقون دعماً وافراً للوصول إلى حقهم بالتعليم لبناء مستقبل أفضل لهم ولبلادهم. (اقرأ التقرير ذو الصلة:  المنح الدراسية طوق نجاة للطلاب اللبنانيين).

ربما تكون أعداد اللاجئين من سوريا قد تراجعت قليلاً، ليس بسبب تحسن الأحوال في سوريا، ولكن بسبب القيود المشددة التي فرضتها الدول جمعاء على تنقلهم واستقبالهم. وتراجع أعدادهم لا يعني تراجع احتياجهم للتعليم.

إلى جانب ضرورة زيادة المنح الدراسية المقدمة لهم، لابد من وجود تغيير في السياسات تسمح للخريجيين بالعمل بصورة نظامية. إذ لا معنى من صرف ملايين الدولارات على منح دراسية تنتهي بدفع هؤلاء الطلاب إلى صفوف البطالة أو نحو البحر مجدداً بحثاً عن حياة كريمة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: عمل اللاجئين في المنطقة العربية: معضلة لا تنتظر حلاً).

في ربيع 2018، كانت أخر زياراتي لمخيم غير نظامي للاجئين في البقاع اللبناني. تجولت في مدرسة غير نظامية تم تأسيسها من تبرعات لتعليم الأطفال الذين غالباً ما يتسربون للعمل في المزارع مع أمهاتهم بأجور بخسة. سألت طفلا منهم في التاسعة من عمره عن الموضوع الدراسي المحبب له فقال: “الألمانية”. قلت باستغراب: “هل تتعلمون الألمانية هنا؟” قال بثقة مطلقة: “لا، لكنني سأتعلمها عندما أسافر لألمانيا مع أسرتي. نحن بانتظار قرار لم الشمل للسفر لوالدي.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

صدمتني إجابته، وجعلتني أشعر بالفرح والحزن معاً. فرحت لكونه يأمل بالسفر والتعلم رغم صغر سنه، وحزنت لكونه يعتقد أن تعليمه وسعادته ستكون بعيداً عن “هنا”. لكن ماذا يوجد “هنا” حتى يفرح؟ هنا مخيم عشوائي ومدرسة غير نظامية وعمل شاق بأجر غير لائق.

في يوم اللاجئ العالمي، أتمنى أن يكون ذلك الصغير قد وصل إلى ألمانيا وتعلم الألمانية، التي يعتقد أنها مادته الأحب لقلبه الصغير الذي يستحق الكثير من الفرح كما يستحق الملايين غيره من أطفال المنطقة.

رشا فائق محررة الفنار للإعلام، يمكن متابعتها على  RashaFaek@

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى