أخبار وتقارير

شفيق الغبرا: أكاديمي كويتي يواجه المرض بالبحث والأمل

شهدت حياة شفيق الغبرا، الباحث والأكاديمي الكويتي من أصول فلسطينية، تحولات كبيرة منذ سنوات طفولته المبكرة مما كان له الأثر الأكبر على مسيرته الأكاديمية الممتدة لأكثر من 40 عاماً. إذ عاش صعوبات الشتات عندما فرت عائلته الفلسطينية إلى مصر بعد نكبة 1948 وانتقلت لاحقًا إلى الكويت. كما عرف الكفاح العسكري كمقاتل ضمن صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، وشغل مناصب إدارية كمؤسس وأول رئيس للجامعة الأميركية في الكويت. لكنه اختار، في نهاية المطاف، التدريس والبحث. كما باتت الكتابة وسيلته اليوم في معركته مع مرض السرطان.

ساهمت تجربة عائلته الفلسطينية في المنفى في دفعه إلى تكريس معظم أبحاثه للقضية الفلسطينية، والتركيز على مفهوم الشتات، فضلاً عن دراسة آليات السلطة والمجتمع داخل الكويت الذي ولد وعاش فيه أغلب سنوات عمره. (اقرأ التقرير ذي الصلة: بعد غياب: أدب الشتات الفلسطيني إلى الواجهة مجدداً).

قال الغبرا في مقابلة عبر الهاتف “لا تزال القضية  الفلسطينية تحتاج للكثير من الجهد  لسد الفراغ العلمي في التعريف بتفاصيلها كأي مأساة انسانية، خصوصاً في ظل السعي الإسرائيلي لاختلاق التاريخ، ومحو هوية السكان الأصليين الذين انتهت مصائرهم إلى الشتات.”

عبر دراساته العديدة، سعى الغبرا إلى رصد وتوثيق الدور المركزي الذي لعبته العائلات الفلسطينية في الشتات لإحياء الذاكرة الجماعية، ودرس الكيفية التي تضمن استمرار الصلات بين من هم داخل فلسطين ومن هم خارجها، وكشف كيف تحمل بعض أفراد هذه الأسر تكلفة تعليم اقاربهم وسد كافة أعبائهم المالية لحماية المجتمع الفلسطيني من التفكك الذي كرسته النكبة وسياسات الاحتلال الإسرائيلي.

من الكفاح المسلح إلى التدريس

جاءت  التجربة الأكثر أثراً على مسيرته الأكاديمية من  التحاقه بفصائل الثورة الفلسطينية، عقب تخرجه من جامعة جورج تاون الاميركية، حين التحق كمقاتل ب “السرية الطلابية” التابعة لحركة فتح أوائل السبعينات، وانطلق من جنوب لبنان، ليبدأ بعدها أولى خطواته في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي

قال الغبرا “ساهمت تجربة النضال العسكري لنحو ست سنوات في تطوير تجربتي الأكاديمي لأنها علمتني التعمق في قراءة الأحداث، وامتلاك فهم أوسع للحركات السياسية على اختلاف ايديولوجيتها وطرق تفاعلها مع الواقع. كما أنها ساهمت في تنمية الشعور بالزهدً في المناصب الإدارية أو القيادية، والإيمان أن موقع الأستاذ الجامعي هو الموقع الأكثر ملاءمة لخياراتي الشخصية.”

إنّ تجربة الغبرا النضالية جعلته جريئاً في أطروحاته السياسية والأكاديمية، مع الكثير من التواضع “لأن التجربة القتالية جعلته يستصغر أي أمر أقل من الموت.”

أحمد جميل عزام
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بيرزيت

قال أحمد جميل عزام، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بيرزيت، في مقابلة هاتفية، إنّ تجربة الغبرا النضالية جعلته جريئاً في أطروحاته السياسية والأكاديمية، مع الكثير من التواضع “لأن التجربة القتالية جعلته يستصغر أي أمر أقل من الموت.”

عقب الحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة تكساس في أوستن عام 1987 عمل الغبرا مسؤولاً إعلامياً في سفارة الكويت في العاصمة الأميركية. لكنه، لاحقاً، اختار العمل الأكاديمي والبحثي عن أي مسؤوليات أخرى، وعاد للتدريس في جامعة الكويت.

تأسيس الجامعة الأميركية في الكويت

في عام 2003، تم اختيار الغبرا لتأسيس الجامعة الأميركية في الكويت، في أول تجربة لبناء مؤسسة أكاديمية في مسيرته المهنية إلى جانب مهامه الأكاديمية.

تضمنت المهام الموكلة إليه الإشراف على بناء الجامعة وتصميم برامجها الأكاديمية للطلاب والأساتذة والتدخل في كل التفاصيل الإنشائية والتعليمية، وذلك خلال عام ونصف فقط.

قال ” الجامعة مثل الكائن البيولوجي؛ إما أن يكون مستعداً للتطور أو الخمول، وأن العوامل التي تساعد في هذا  التطور هي تطوير كتابات الطالب النقدية، وتعلم مهارات البحث والاستقصاء والعمل ضمن مجموعة، وتنمية ثقافة الحرية داخل”.

 حرص الغبرا، رغم اتفاقيات التعاون الأكاديمي التي أبرمها مع جامعة  دارتموث الأميركية  في برامج العلوم الإنسانية والآداب والتعاقد مع أكاديميين أمريكيين للتدريس، على ألا تنفصل الجامعة عن المجتمع الموجود فيه وتعاليمه وتقاليده وخصوصيته الاجتماعية.

يعتقد الغبرا أن تجربة تأسيس فروع لجامعات أجنبية في المنطقة العربية أمر جيد؛ لكن التجربة أثبتت أن هناك تحديات تؤثر على مستوى جودتها  مثل سيطرة العقلية التجارية والكسب المادي على بعضها، وغياب الحريات الأكاديمية في المنطقة، والأهم الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تنعكس سلباً على أوضاعها كحال الجامعة الأميركية في بيروت جراء أزمة لبنان الحالية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: أزمة مزدوجة تعصف بالطلاب والجامعات في لبنان).

“القوانين لا تحمي الأستاذ الجامعي في أغلب الدول العربية، لذلك أصبح غالبية الأساتذة يفضلون المنصب الإداري عن البحث الذي قد يقود للسجن أو الفصل، في ظل غياب ضمانات ومحاذير متنوعة حول القضايا البحثية.”

شفيق الغبرا  

أما عن أسباب ازدياد نسب البطالة بين صفوف خريجي الجامعات في المنطقة العربية فيعود باعتقاده إلى مشكلة النظام السياسي والاقتصادي للدول العربية الذي يقصر الاستفادة على فئة محددة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: البطالة والعجز الحكومي يفجران الاحتجاجات في العراق).

قال “الاقتصاد في بلداننا العربية لا يهدف للإنسان وتنمية قدراته وسعادته في الدول العربية، لكن يهدف لتمكين الحكم السياسي والمجموعة الموالية له.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: تقرير التنمية البشرية يحذر من ربيع عربي آخر).

 لمواجهة هذه الأزمة الهيكلية، يقترح الغبرا أن يكون للجامعات دوراً أكبر في خلق الوعي، وبناء علاقة مع المجتمع لتنفيذ برامج تطوير القدرات الفئات محدودي الدخل، والتوعية بالمساواة في الحقوق الاقتصادية وفرص العمل والتعليم بين أبناء الدولة الواحدة.

الأستاذ الإنسان

يعتقد الغبرا  أن غياب الحرية في العالم العربي أثر سلباً على تطوير العلوم الاجتماعية وأدى لانصراف الأساتذة العرب للعمل الإداري وترك البحث في القضايا الشائكة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: الرقابة الذاتية مشكلة شائعة لكن مسكوت عنها في الأوساط الأكاديمية العربية).

قال”القوانين لا تحمي الأستاذ الجامعي في أغلب الدول العربية، لذلك أصبح غالبية الأساتذة يفضلون المنصب الإداري عن البحث الذي قد يقود للسجن أو الفصل، في ظل غياب ضمانات ومحاذير متنوعة حول القضايا البحثية.”

وأشارً إلى أن الكثير من طلابه الدارسين للدكتوراه في أمريكا وأوروبا يرفضون ترجمة أطروحاتهم إلى العربية خشية اتهامهم في بلدانهم بتهم دينية أو أمنية، وإدراكهم بعدم حماية القانون لهم.

انعكست  هذه الرؤى على طرق تدريس الغبرا للنظريات السياسية لطلابه، حيث يدفع طلابه دائما نحو آفاق جديدة في البحث واختيار موضوعات مغايرة .

“السمة الرئيسية لطريقة تدريس الغبرا للنظريات السياسية هي الربط بينها وبين السياسات العملية، حيث يعطي أهمية كبيرة للبحث الميداني كمصدر للمعلومة إلى جانب المصادر الأكاديمية.”

رهام النقيب
أستاذة العلوم السياسية في جامعة الكويت

قالت رهام النقيب، أستاذة العلوم السياسية في جامعة الكويت، في مقابلة هاتفية “السمة الرئيسية لطريقة تدريس الغبرا للنظريات السياسية هي الربط بينها وبين السياسات العملية، حيث يعطي أهمية كبيرة للبحث الميداني كمصدر للمعلومة إلى جانب المصادر الأكاديمية.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

تعتقد النقيب أن طريقة تعامله مع الحياة الأكاديمية رشيقة ومتجددة شبيهة بتعامله هو مع الحياة ومشقاتها؛ فهو أكاديمي لا يختلف في طباعه عن تعاملاته الإنسانية، حيث يعطي الآخر مساحته في التعبير عن الرأي، ولايبخل على الآخرين بمعلومات أو تجارب، والأهم أن مايذكره في الكتب لايختلف عن حياته العملية.

البحث كوسيلة مقاومة للمرض

رغم المشقة التي واجهها الغبرا خلال العام ونصف الماضية في فترة العلاج من مرض السرطان، إلا أنه ظل متمسكاً بمقاومة المرض من خلال الاستمرار في إجراء البحوث والتدريس.

https://www.bue.edu.eg/

إذ أصدر مؤخراً كتاب” نظريات سياسية حول العلوم الاجتماعية”. كما انتهى، خلال فترة علاجه في أمريكا، من تأليف كتاب جديد حول النكبة الفلسطينية منذ بداياتها في القرن 19 حتى الزمن الحالي، سيصدر نهاية العام الجاري.

ويعكف حالياً على مراجعة النسخة الإنجليزية من كتابه “حياتي غير آمنة” الذي صدرت طبعته العربية الأولى عام 2012.

 قال “سأستمر في العمل طالما أنني قادر على الكتابة والتفكير،” موضحاً أن تجارب النضال والعمل البحثي الممتد لعقود طويلة ساعدته على تحمل تجربة المرض.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى