مقالات رأي

من الذي يقدم الرعاية للمعلمين؟ عندما تصنع المؤسسات الفارق الأكبر

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

تنويه المحرر: يعد المقال التالي الجزء الثاني من مقال مطول، يمكن الإطلاع على الجزء الأول منه هنا.

في الجزء الأول من هذا المقال – المعنون بـ “المعلمون يهتمون بالطلاب لكن من يهتم بهم؟” – قمت بمناقشة نوعين من الرعاية التي يحتاجها المعلمون والتي يمكن لهم الحصول عليها: وهما الرعاية المقدمة من زملائهم المعلمين، والرعاية المقدمة من طلابهم. بينما أتطرق في هذا الجزء إلى مسألة أخرى، وهي سياسات الرعاية العادلة في المؤسسات.

وهذا هو أصعب أنواع الرعاية ولكنه الأكثر أهمية رغم ذلك. ووفقاً لما كتبته بيل هوكس: “المعلمون الذين يراعون ويخدمون طلابهم، عادة ما يكونون في تضاد مع البيئات التي نقوم بالتدريس فيها” (من كتاب بيل هوكس، مجتمع التدريس).

ويشبه النوعان الأولان من أنواع الرعاية (الرعاية المقدمة من المعلمين للمعلمين والرعاية المقدمة من الطلاب للمعلمين) حلول الإسعافات الأولية للحالات المؤقتة. ولكن بالطبع وبغض النظر عما يحدث – فإننا قد نحتاج إليها، لأن المواقف التي نحتاج فيها إلى رعاية الطوارئ موجودة على الدوام، وهذا يساعد على خلق مجتمع مستدام وثابت يمكن الرجوع إليه. ومن الجيد أن يكون لدينا مجتمعاً يمكن الارتكان إليه في رعاية المعلمين داخلياً وخارجياً لبيئة العمل التي نعمل بها، وكذا لنكون قادرين على االتواصل مع الطلاب في جميع الأوقات. وكما تقول ميس عماد: “التنشئة هي طبيعتنا”.

لكن المسألة الحقيقية هي الاحتياجات المؤسسية في عصرنا والتي يمكنها استنزاف طاقاتنا وجهدنا، بغض النظر عما نقوم به فيما يتعلق بالرعاية الذاتية والرعاية المجتمعية. وستعيد هذه المسائل المنهجية إنتاج دورة من الاستغلال ما لم نقم بمقاومتها ومقاطعتها.

وبالتالي، إذا كنت في موضع سلطة في مؤسستك، فاحرص على منح الموظفين إجازة مناسبة وعدم مطالبتهم بالعمل في عطلات نهاية الأسبوع أو في حال مرضهم (تتسم مديرتي بالحنكة التامة إزاء هذا الأمر). فعندما أصبت بفيروس كورونا، كنت أعمل لمدة ساعة أو ساعتين في اليوم فقط لأنني أردت ذلك، وقد كان ذلك خياري. كما أنني أدركت أنه يمكنني التحدث إلى بعض الأشخاص وأن هناك ثقافة للرعاية ضمن القسم الذي أعمل به، حيث يعرض هؤلاء الأشخاص الاضطلاع بالأدوار المنوطة بي في ورش العمل وغيرها، بسبب أن مديرتي هي من أرست قواعد هذه الثقافة.  وكلما مرض شخص منا، اضطلع البقية بمهامه بشكل سلس وطبيعي، مع بعض الإيعازات اللطيفة من مديرتنا، وإدراكاً لأهمية هذه الإجراءات للازدهار الشامل للقسم وتطويره.

تمييز ومكافأة العمالة المؤثرة

في حال لم تكن في موضع سلطة في مؤسستك ولكنك في موقع يسمح لك بالمناصرة، فحاول اتخاذ إجراء جماعي لضمان عدم استغلالك أو أي من زملائك وعلى ألا تذهب جهودهم الفاعلة أدراج الرياح دون تقدير. (لمزيد من المعلومات حول العمل الفعال لمطوري أعضاء هيئة التدريس، يمكن قراءة أعمال لي سكاليروب بيسيت، كهذا المقال).

في حال لم تكن في موضع سلطة في مؤسستك ولكنك في موقع يسمح لك بالمناصرة، فحاول اتخاذ إجراء جماعي لضمان عدم استغلالك أو أي من زملائك وعلى ألا تذهب جهودهم الفاعلة أدراج الرياح دون تقدير.

يطلب من أعضاء هيئة التدريس ممن يتم اعتبارهم مرشدين أجلاء للطلاب الاضطلاع بمزيد من أطروحات الدراسات العليا، ولكن في بعض المؤسسات – على سبيل المثال – لا يوجد وقت للتفرغ أو تقديم أجر إضافي، وهو ما يجب أن يتوقف. إذ لا أظن مطلقاً أن يكون الرد هو التوزيع المتساوي لهذا النوع من العمل خاصة وأن “قدرات البشر على تقديم الرعاية للأخرين ليست واحدة” تماماً كما يتفاوتون في المجالات الأخرى (وايت وترونتو، “الممارسات السياسية للرعاية: الاحتياجات والحقوق. وكل ما في الأمر هو أن أولئك الذين يقومون بمزيد من أعمال الرعاية ويقدمونها بالشكل الجيد لم تتم مكافأتهم تاريخياً على ذلك، سواء بالمال أو وقت التفرغ أو حتى الاعتراف الأدبي. ويتم اعتبارها أمراً مسلماً به.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

كما يجب أن تكون هناك سياسات عمل عادلة لا تتطلب نفس الدرجة من مخرجات البحث لكل شخص بغض النظر عن مقدار الجهد والوقت الذي يبذله في أشياء أخرى كالتدريس والخدمة. ومجدداً، أرى أن الأشخاص الذين يهتمون عادة ما يحصلون على عبء غير متكافئ من العمل الخدمي، وهو الأمر الذي يتطلب جهداً ووقتاً ولكنه لا يكافأ بقدر عالٍ كالأبحاث.

مناصرة تمييز العمل الفعال على الأقل

ساعدت في كتابة الوثائق في مؤسستي للتقدم لموظفي القسم الذي أعمل به للحصول على “جائزة التميز” للعمل في عام 2020. وبصفتي عضواً في هيئة التدريس، لم أحصل على أي ثمار مالية من هذا العمل، لكنني بذلت ذلك الجهد بشغف كبير لأنهم كانوا يستحقون ذلك كثيراً، وقد كنت أدافع عنهم. وقد استمتعت كذلك بالحصول على اقتباسات من أعضاء هيئة التدريس يقدمون لنا فيها تقييمات متقدة بالنسبة لعملنا. وقد كان جزءاً من مناصرتي للقسم الذي أعمل به هو تتبع هذه الأمور عندما لا نطلبها ولكن بإجراء مسح مستمر حتى نستمر في الحصول على التعليقات

كما أننا بحاجة إلى التعرف على الطرق التي تؤثر بها هذه الجائحة علينا بشكل غير متساو. إننا جميعاً نلهو، لكن البعض منا يتلاعب بالنار. حيث تتحمل النساء بشكل خاص أعباء رعاية الأسرة الإضافية والتي تكون أثقل عند العمل من المنزل. وتتحمل الأقليات العرقية في الولايات المتحدة عبئاً اقتصادياً أثقل، فضلاً عن العبء الإضافي المتمثل

كما أننا بحاجة إلى التعرف على الطرق التي تؤثر بها هذه الجائحة علينا بشكل غير متساو. إننا جميعاً نلهو، لكن البعض منا يتلاعب بالنار. حيث تتحمل النساء بشكل خاص أعباء رعاية الأسرة الإضافية والتي تكون أثقل عند العمل من المنزل. وتتحمل الأقليات العرقية في الولايات المتحدة عبئاً اقتصادياً أثقل، فضلاً عن العبء الإضافي المتمثل

في استمرار العنف والظلم ضد أفرادها والصدمات الناجمة عن ذلك. أما في العالم العربي، فيتحمل الفلسطينيون واللاجئون عبئاً نفسياً إضافياً مماثلاً جراء العيش في ظل العنف وعدم الاستقرار، أو معرفتهم بمعاناة ذويهم في وطنهم. وقد كان الأشخاص الذين يعانون من تحديات الصحة العقلية الموجودة مسبقاً هم الأكثر تضرراً من هذه الجائحة التي تؤثر علينا جميعاً ذهنياً بدرجات متفاوتة.

الدعوة إلى التعاطف في السياسات المؤسسية

إننا بحاجة أيضاً إلى الدعوة إلى سياسات مؤسسية متعاطفة تمكننا من رعاية طلابنا بطرق أكثر سلاسة. والتي تشمل على سبيل المثال السياسات المرنة لمنح الدرجات، وإزالة تقنيات المراقبة من فصولنا الدراسية، والسماح بسياسات بديلة لمنح الدرجات والتي تقلل من القلق وتعزز من استقلالية الدارس، وكل ما من شأنه إزالة أي حواجز تجعل من الصعب على الطلاب ذوي الإعاقة والأقليات أن يواصلوا نجاحهم، وكذا المزيد من التعاون بين الأقسام المختلفة في الحرم الجامعي لدعم الطلاب ذوي الإعاقة وتحديات الصحة العقلية، بحيث يتم تقاسم العبء بشكل منصف مع أولئك الذين يمتلكون الخبرة. كما أننا بحاجة إلى وجوب أن يحصل أعضاء هيئة التدريس على دعم الصحة العقلية وكذلك الطلاب. وأن يتم دفع أجور  الأساتذة على قدم المساواة مع نظرائهم من الذكور. وكذا أن تكون سياسات إجازة الأمومة عادلة (وهي جيدة جداً في مصر، لكن لا يزال من الواجب على تضمين هذه النقطة كنقطة عامة).

ومع ذلك، حتى في الوقت الذي ندعو فيه إلى أنظمة أكثر إنصافاً في مؤسساتنا، فإن أولئك الذين يهتمون منا يأتون من أماكن مختلفة، حيث تعمل الرعاية والخدمات التي نقدمها كشكل من أشكال المقاومة السياسية:

“تعد الخدمة كشكل من أشكال المقاومة السياسية أمراً حيوياً لأنها ممارسة للعطاء تتجنب مفهوم المكافأة. حيث يكمن الرضا في ممارسات العطاء، وخلق سياق يمكن للطلاب التعلم فيه بحرية. وعندما نلتزم كمعلمين بالخدمة، فإننا نصبح قادرين على مقاومة المشاركة في أشكال الهيمنة التي تعزز الحكم الاستبدادي. ويؤكد المعلم الذي يخدم باستمرار من خلال ممارسته / ممارستها أن تعليم الطلاب هو في الحقيقة الأجندة الأساسية، وليس تعظيم الذات أو تعزيز الهيمنة الشخصية “.(هوكس، 2003، ص 91)

وهنا يكمن السبب في كونها مرهقة بشكل خاص، وهذا أيضاً هو سبب أهمية وجود مجتمع داعم من المعلمين ذوي القيم المتشابهة. وهو السبب أيضاً في أهمية دعم الطلاب – حتى لو كان مجرد الرد بالمثل لإظهار مدى تعلمهم أو تقديرهم لجهودنا، وهو ما يبقينا مستمرين. فالأمر أن رعاية الناس لا يمكن أن تتوقف وفقاً للأهواء. فإننا نقدم الرعاية لأن هذا هو دأبنا ولا يمكننا أن نتعارض مع ما نحن عليه. لكننا سوف نكون عرضة للاستغلال والإجهاد إذا لم نأخذ هذا إلى مستوى المناصرة حتى لا نقبع في صراع دائم.

هل لديك اقتراحات أخرى؟ يرجى تقديمها في حقل التعليقات أدناه.

مها بالي هي أستاذ مساعد في مركز التعلم والتدريس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. وهي أحد مؤسسي موقع Virtuallyconnecting.org ومنسق مشارك لـ ” إيكويتي أنباوند“.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى