مقالات رأي

المعلمون يهتمون بالطلاب لكن من يهتم بهم؟

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

“يجعل الإلتزام بتقديم الرعاية جميع الطلاب على دراية بأن الغرض من التعليم لا يعني الهيمنة أو إعدادهم ليكونوا مسيطرين، بل بالأحرى تهيئة الظروف لتحقيق الحرية. يفتح المعلمون المهتمون الأذهان، مما يسمح للطلاب باعتناق عالم من المعرفة يخضع على الدوام للتغيير والتحدي.”

(بيل هوكس، 2003، مجتمع التدريسبيداغوجيا الأمل ص. 91)

بصفتي كاتبة تكتب وتتحدث كثيرًا عن أصول تدريس تقديم الرعاية، سُئلت مؤخرًا عدة مرات، “ماذا عن المعلمين؟ من يهتم بالمدرسين؟”

تضم إجابتي ثلاثة محاور. إذ أن هناك ثلاثة أنواع من الرعاية التي يحتاج المعلمون إليها ويمكنهم الحصول عليها: رعاية من زملائهم المعلمين، ورعاية من طلابهم، وسياسات الرعاية العادلة من مؤسساتهم. هل يمكنك التفكير في مصادر أخرى؟

فيما يلي بعض الأمثلة الملموسة على النوعين الأولين من أنواع الرعاية التي ذكرتها. سأكتب المزيد عن المحور الثالث المتعلق بسياسات الرعاية العادلة في المؤسسات، في مقال أخر.

رعاية المعلمين للمعلمين

يعتبر هذا، إلى حدٍ بعيد، الجانب الذي بإمكانك (إذا ما كنت معلمًا) أن يكون لديك السيطرة والتأثير على إنشائه ورعايته. تكتب نيل نودينغز:

https://www.bue.edu.eg/

“عندما… لا يستطيع المُعتنى به الاستجابة بطريقة تُكمل العلاقة، يصبح عمل مقدم الرعاية أكثر صعوبة. يحتاج مقدمو الرعاية في هذا الموقع إلى دعم مجتمع الرعاية للحفاظ على استمراريتهم.”

يوجد في المؤسسة التي أعمل فيها، مركز التعلم والتدريس في الجامعة الأميركية بالقاهرة، مجتمع تعليمي لأعضاء هيئة التدريس الجدد، يمكننا فيه أن نلتقي عدة مرات خلال عامهم الأول، ولدينا سلسلة رسائل بريد إلكتروني فيما بيننا. على الرغم من تقديمنا ورش عمل في تلك الاجتماعات، إلا أن المجتمع يتمحور حول مشاركة الخبرات والمخاوف، شخصيًا في السابق وعبر الانترنت الآن.

لا يتمحور مجتمع التعلم حول محتوى معين نريد من المعلمين معرفته، بل يتمحور حول كونهم مجتمع أقران داعم بأي طريقة يحتاجون إليها. عندما ضربت جائحة فيروس كورونا العالم في عام 2020، حوّلت المجموعة التي كانت معنا في ذلك الوقت عملها من ورش العمل الشخصية إلى ورش العمل الافتراضية على الفور، مع التركيز على الموضوعات التي تهمهم أكثر من غيرها. تقترح ميس عماد أيضًا إنشاء أنظمة رفيقة ووجود خلوات مجانية للكتابة (لقد كان لدي واحد من هذه، خارج مؤسستي، وقد ساعدني ذلك في إنجاز بعض الكتابة في وقت صعب).

لا يتمحور مجتمع التعلم حول محتوى معين نريد من المعلمين معرفته، بل يتمحور حول كونهم مجتمع أقران داعم بأي طريقة يحتاجون إليها.

خارج هذا المجتمع المؤسسي، لديّ العديد من مجموعات الرسائل المباشرة على تويتر مع أصدقاء دوليين، ومجموعات واتساب مع بعض مجموعات المصالح الدولية وبعض مجموعات الدعم المحلية، وبعض فرق سلاك Slack أيضًا. تتيح لنا هذه المساحات مكاناً للمزاح ومشاركة صور GIF والتنفيس والتحدث أحيانًا عن أشياء جادة … ودعم بعضنا البعض، سواء عاطفيًا أو بنصائح ومعلومات.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

في بعض الأحيان، يمكن أن تُحدث جلسة متزامنة مريحة فرقًا كبيرًا. بالنسبة لي، كانت هذه جلسات مساحة للالتقاء بأشخاص عبر الإنترنت لتناول القهوة. في وقت مبكر من انتشار الوباء، قمتُ بزيارات “قهوة الصباح” وأحبّ بعض الناس الفكرة، أحيانًا بهدف الدردشة فقط، وأحيانًا لأنهم كانوا بحاجة إلى مساعدة في شيء سريع وعاجل. اكتشفتُ أيضًا أنني أستمتع وأسترخي عندما أحضر اجتماعات ما يعرف بالانجليزية باسم Liberating Structures المجانية مع أشخاص غرباء في الغالب. كان الشكل تفاعليًا، وقد تعلمتُ الكثير وخرجت وأنا أشعر بالحيوية، ولكن بدون ضغط.

من الأمور الصغيرة الأخرى التي ساعدتنا خلال الجائحة يوميات الامتنان (التي تعرفتُ عليها من الزملاء المحليين) والاجتماع ببعض لممارسة اليوغا المكتبية (وهو ما فعلناه خلال ندوة CLT الأخيرة). وقد تم تقديم كل هذا من المعلمين للمعلمين. أعتقد أنه من الصعب القيام بالرعاية الذاتية بمفردك، ولكن من الرائع العمل معًا ضمن مجتمع.

رعاية الطلاب للمعلمين

إذا كنت مُعلمًا يهتم حقًا بالطلاب، فإنهم يلاحظون ذلك على الفو. وعندما يحين الوقت، سوف يردون الجميل إذا ما منحتهم الفرصة للقيام بذلك. بصفتنا أولياء أمور سنقدم دائمًا لأطفالنا أكثر مما سيعطوننا، لكننا نريد أن نعلمهم كيفية العطاء والرعاية، صحيح؟ أعتقد أنه ذات الشيء مع الطلاب. نحن مسؤولون عن ومُحاسبون على تعليمهم وسنقدم دائمًا أكثر مما نحصل عليه، لكن لا بأس في طلب بعض التعاطف أو الاهتمام في بعض الأحيان. إليكم ثلاثة أمثلة تخطر على بالي.

إذا كنت مُعلمًا يهتم حقًا بالطلاب، فإنهم يلاحظون ذلك على الفو. وعندما يحين الوقت، سوف يردون الجميل إذا ما منحتهم الفرصة للقيام بذلك.

أولاً، خلال الأيام الأولى للجائحة، قضيتُ بعض الوقت يوميًا على سلاك Slack وفي كل مرة التقينا فيها عبر تطبيق زووم نستمع إلى الطلاب ومخاوفهم وقلقهم. وعندما علمتُ ذات يوم أن صديقة مقربة جدًا قد أصيبت وعائلتها بمرض كوفيد-19، وتلقيت هذه الأخبار قبل ساعة واحدة فقط من الفصل، استمع طلابي إلي وقاموا بمواساتي في تلك اللحظة. لم يكن بإمكاني تدريس الفصل في ذلك اليوم دون إخبار أحدهم، وساعدني تعاطفهم على المضي قدمًا. لقد قدمتُ لهم أيضًا نموذجًا عن ذلك الضعف، وقد أنشأنا بالفعل بيئة من الأمان النفسي. (اقرأ المقال ذي الصلة: نصائح لبناء حس مجتمعي في الفصول الإلكترونية).

https://www.bue.edu.eg/

كان هذا الفصل الدراسي أكثر صعوبة، لأنني أصبتُ بكوفيد-19 في وقت مبكر من الفصل الدراسي قبل أن يتمكن طلابي من تكوين الروابط اللازمة. أعني أنني أعلم أنهم يعرفون أنني أهتم بهم مسبقًا، من خلال تعليقاتهم على المنهج وما فعلناه حتى الآن، لكن من دون أي طريقة ملموسة. لكنني اخترت إخبارهم على أي حال، لأنه يؤثر عليّ نفسيًا وجسديًا، وكانوا بحاجة إلى معرفة أنني لن أكون في أفضل حالاتي لبعض الوقت. أثلجت ردود أفعالهم قلبي. لقد كانوا يهتمون بي وقدم لي أولئك الذين أصيبوا بالمرض من قبل نصائح ملموسة لمساعدتي على تجاوزه. وقد ساعدني ذلك كثيرا.

يتجسد الموقف الثالث عندما أصبتُ بنزلة برد (بعد حوالي شهر من التعافي من كوفيد-19) وسعلت بشدة لدرجة أنني فقدت صوتي. بدأتُ الفصل في ذلك اليوم وطلبتُ من اثنين من الطلاب التطوّع ليكونوا “صوتي” ويقوموا بقراءة ما كتبته في خانة الدردشة. لقد فعلوا ذلك وسارت الأمور بسلاسة. لن أفعل ذلك كثيرًا، لكن بين الحين والآخر، يمكننا الاعتماد على الطلاب لمدة دقيقة أو دقيقتين. طالما علمنا أننا مستمرون في منحهم الرعاية معظم الأوقات.

وبمناسبة كوني مطورة لهيئة التدريس، فإن الأشخاص الذين “أخدمهم” يوميًا هم أعضاء هيئة تدريس، وليسوا طلابًا. وقد ردّ بعضهم بالمثل، خاصة أثناء الجائحة، في بعض الأحيان بمجرد الاتصال أو إرسال رسائل نصية للاطمئنان عليّ. بالإضافة لذلك، ونظرًا لتمتّع أعضاء هيئة التدريس بسلطة أكبر من الطلاب العاديين، فسوف يرسلون أحيانًا رسائل بريد إلكتروني إلى رئيسك في العمل أو حتى شخص أعلى منه للإشادة بعملك أو عمل قسمك، والرد على الاستطلاعات بمراجعات برّاقة، وترشيح أعضاء معينين قسمك بسبب العمل الاستثنائي المنجز فيه.

يساعد كل هذا كثيرا ويرفع الروح المعنوية. حتى إذا كنت لا تستطيع التوقف عن العمل وإرهاق نفسك، فإن الشعور بالتقدير يدفعك للاستمرار – ويساعدك لاحقًا إذا كنت بحاجة إلى الدفاع عن حقك في الحصول على المزيد من المكافئات الملموسة.

مها بالي أستاذة مساعدة ممارسة في مركز التعلم والتدريس بالجامعة الأميركية بالقاهرة. وهي أحد مؤسسي موقع Virtuallyconnecting.org  ومنسق مشارك في Equity Unbound.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى