أخبار وتقارير

مبادرة لإعادة إحياء مكتبة جامعة الموصل

خلال أيام دراسته الجامعية، كان أمين الجليلي يُمضي أوقاتًا سعيدة بعد الظهيرة في مكتبة جامعة الموصل.

قال “كانت معلمًا بارزًا في قلب الجامعة. اعتدتُ الذهاب إلى هناك وقضاء ساعات في القراءة واختبار تلك التجربة، وذلك الهدوء.”

الآن، يشارك الجليلي، الأستاذ في الجامعة، هذه الذكريات مع الطلاب الجدد الذين يخامرَهم الفضول لمعرفة ما فقدوه.

قال”يمثل عدم وجود مكتبة عائق خطير أمام عملية التدريس والتعلم، كما أنه يمثل أيضًا خسارة لأسلوب حياة الطلاب. لم يُعد بإمكان الطلاب الذين ينضمون إلى الجامعة الآن اختبار جمال تجربة التواجد في مكتبة … يسألونني باستمرار عمّا كانت عليه تلك التجربة ويتساءلون فيما إذا كانت إعادة الإعمار ستكتمل قبل تخرجهم.”

الآن، انقضت أربع سنوات تقريبًا على طرد تنظيم مايعرف بالدولة الإسلامية “داعش” من الموصل، لكن الحياة لم تعد إلى  طبيعتها بعد في الجامعة، حيث مازال الطلاب يمرون يومياً بأقسام تعرضت للقصف في طريقهم إلى فصول دراسية لم يتم إصلاحها بعد.

كما تحولت المكتبة المركزية – التي كانت ذات يوم من بين أكبر المكتبات في الشرق الأوسط باحتوائها على أكثر من مليون كتاب باللغتين الإنجليزية والعربية – إلى رمز للدمار الذي عانت منه المدينة بأكملها، وأصبحت أعمدتها المتفحمة ورفوفها المحترقة بمثابة تذكار صارخ عن التعتيم التعليمي الذي فرضه احتلال داعش للمدينة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: تراث العراق يتبدد أمام أعين أبنائه).

لكن تحرّك جديد لاستبدال الكتب وإعادة بناء المبنى الأمل في أن يستعيد المَعلم السابق مكانته ويمنح طلاب الموصل فرصة للتواصل مع عالم التعلم مرة أخرى.

حتى وقتٍ قريب، أدى نقص الموارد والعقبات البيروقراطية إلى تأخير خطط إعادة بناء الهيكل، التي وصفت الأمم المتحدة دماره بأنه “أحد أكثر أعمال تدمير مجموعات المكتبات فظاعة في تاريخ البشرية”.

لكن أعمال إعادة الإعمار دخلت أخيرًا حيز التنفيذ في نهاية العام الماضي حيث بدأ الحفارون في إزالة أنقاض المكتبة القديمة.

“نأمل أن نتمكن من الحصول على أحدث الأدوات التي تتطلبها المكتبة لمساعدة المجتمع على المُضي قدمًا مرة أخرى ومحو تاريخ تنظيم داعش السيئ من الموصل.”

سيف الأشقر
أمين عام المكتبات في جامعة الموصل

مكان للقراءة وتبادل الأفكار أيضًا

يزور عادل أياد، الطالب في الصف الثاني في قسم اللغة الإنجليزية والبالغ من العمر 21 عامًا، الموقع يوميًا لرصد التقدم المحرز. قال “إن عدم وجود مكتبة مركزية في الجامعة خيبة أمل كبيرة للطلاب،” مضيفًا أنها ليست مجرد مكان للقراءة والبحث، بل مكان لـ “تبادل الأفكار بين الزملاء”.

يقدر سيف الأشقر، أمين عام المكتبات في جامعة الموصل، أن المكتبة الجديدة ستكون جاهزة بحلول نهاية العام، لكن الجهود جارية بالفعل لبدء ملء الرفوف بالكتب ومنح الطلاب والباحثين إمكانية الوصول إلى الكتب التي يحتاجون إليها. قال “نأمل أن نتمكن من الحصول على أحدث الأدوات التي تتطلبها المكتبة لمساعدة المجتمع على المُضي قدمًا مرة أخرى ومحو تاريخ تنظيم داعش السيئ من الموصل.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: إعادة بناء مكتبة الموصل كتاباً بكتاب).

لقي نداء دولي  لتعويض الكتب استجابة متقطعة حتى الآن، حيث تبرعت المنظمات الأجنبية بكتب بلغات متعددة بطريقة فشلت في تلبية احتياجات الطلاب والموظفين.

ينتهي الأمر بالعديد من الكتب مُلقاة في صناديق التخزين دون أن يمسها أحد بينما يكافح الطلاب للحصول على المجلدات التي يحتاجون إليها لإكمال مساقاتهم، مع تشارك طلاب فصول كاملة في بعض الأحيان بكتاب منهجي واحد. وقد خزنت الكتب التي يستخدمها الطلاب مؤقتًا في صالة رياضية مهجورة، حيث لا توجد مساحة للجلوس والقراءة.

قال حارث محمد، طالب اللغة الإنجليزية البالغ من العمر 24 عامًا، “لا تتوفر جميع الكتب التي أحتاجها في المكتبات المحلية، وحتى إذا ما تمكنت من العثور على كتاب معين، فإن شرائه يكلف الكثير.”

معرض الصور: مكتبة تنهض من الرماد

تهدف منظمة أفكار بلا حدود Ideas Beyond Borders إلى معالجة هذا الأمر من خلال التبرع بـ 2,500 كتاب من بين قائمة قدمتها الجامعة، مع إعطاء الأولوية للكتب المطلوبة من قبل الأقسام المختلفة. سيوفر المشروع، الذي تبلغ تكلفته 186,000 دولار، 20 جهاز كمبيوتر و 20 طابعة “للسماح للمكتبة بالوصول إلى الكتب والمجلات الإلكترونية من جميع أنحاء العالم وإعادة ربط الجامعة بالمجتمع العالمي،” بحسب فيصل سعيد المطر، مؤسس منظمة أفكار بلا حدود.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

مكتبة جديدة لمدينة الموصل

يقول المطر إن المنظمة التي تأسست عام 2017 لترجمة مقالات ويكيبيديا إلى اللغة العربية، تروج لتبادل الأفكار التي تعزز التفكير النقدي والتعددية في العالم العربي وتمثل نقيضًا أيديولوجيًا لتنظيم داعش.

واوضح المطر بأن “الهدف الرئيسي لتنظيم داعش هو تدمير المعرفة والثقافة، في حين أن الهدف الرئيسي لمنظمة أفكار بلا حدود هو إنشاء حركة معرفية في العراق وإتاحة الوصول إلى المعلومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.”

“الهدف الرئيسي لتنظيم داعش هو تدمير المعرفة والثقافة، في حين أن الهدف الرئيسي لمنظمة أفكار بلا حدود هو إنشاء حركة معرفية في العراق وإتاحة الوصول إلى المعلومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.”

فيصل سعيد المطر
مؤسس منظمة أفكار بلا حدود

تمثل الكتب بداية حقبة جديدة للمكتبة، والتي ستضم مجموعة حديثة وعصرية لن تخدم الجامعة فحسب، بل مجتمع الموصل ككل. لطالما كانت القراءة مهمة في العراق – حيث يقول المثل القديم، “مصر تكتب ولبنان يطبع والعراق يقرأ” – ولم يكن هذا أكثر دقة عمّا هو عليه الآن، بحسب الجليلي، الذي يرأس أحد فرق المترجمين الطلاب في منظمة أفكار بلا حدود.

قال “أعتقد أن الموصل على وجه الخصوص تشهد نهضة محورها وقلبها الكتب والقراءة… الشباب الآن متعطشين للقراءة، ويريدون أن يعرفوا، ويقرأوا، وأن يكونوا على اتصال بالثقافات والمجتمعات الأخرى.”

يحب حارث محمد أجواء المكتبات ويخشى أن يتخرج قبل انتهاء إعمار المكتبة. قال “سأشعر بالإحباط حقًا بسبب ضياع فرصة تجربة البحث والدراسة في المكتبة. أرغب في أن أعيش مرة أخرى هذه التجربة التي استمتع بها والداي وأعمامي عندما كانوا طلاب جامعيين.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى