أخبار وتقارير

مأزق الجامعات الخاصة في سوريا: انهيار العملة وتراجع الأرباح

تعيش الجامعات الخاصة في سوريا في مأزق. فعلى الرغم من أن الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن الحرب مكنت الكثير من الطلاب من الالتحاق بها – وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً على نطاق واسع سابقاً – فإن قلة أرباح هذه المؤسسات، بحسب القائمين عليها، يهدد استمرارها أو تطورها على الأقل.

تجذب الجامعات الخاصة طلابًا مثل عمر عليوي، الذي حلم على الدوام في أن يصبح طبيبًا، لكن نتيجة امتحان الثانوية العامة الخاصة به لم تصل للحد الأدنى للقبول في الجامعة الحكومية. لذلك التحق بجامعة خاصة ذات معدل قبول أقل.

في عام 2019، كانت رسوم دراسته في جامعة القلمون، وهي مؤسسة خاصة في مدينة دير عطية، حوالي 4,000 دولارأميركي، وهو مبلغ باهظ الثمن لكنه في متناول اليد نظراً لعمل والده في الخليج. في العام الماضي، انخفضت قيمة الرسم السنوي بالعملة السورية، مقارنة بالدولار، إلى النصف تقريبًا.

بالطبع يعد هذا خبر سار بالنسبة لعليوي، لكنه خبر سيئ للجامعة التي مُنعت من فرض زيادة على رسوم الطلاب المُسجلين بالفعل. يتسبب ذلك بالإضافة إلى التضخم والانخفاض المستمر لقيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي في زيادة تكاليف التشغيل بصورة كبيرة وزيادة الضغوط المالية على الجامعات الخاصة في سوريا.

قالت هلا الشاش، مديرة الموارد البشرية في الجامعة العربية الدولية، وهي مؤسسة خاصة بالقرب من دمشق، “لا أعتقد أن هناك أي جامعة خاصة حققت ربحًا ملحوظًا في العامين الماضيين.”

“لا أعتقد أن هناك أي جامعة خاصة حققت ربحًا ملحوظًا في العامين الماضيين.”

هلا الشاش
مديرة الموارد البشرية في الجامعة العربية الدولية

ارتفاع تكاليف التشغيل

تقول الشاش إن من واجب الجامعة أيضًا تغطية نفقات مختلفة، مثل ترميم المباني والبنية التحتية التي تضررت خلال عقد من الحرب الأهلية وتوليد الكهرباء للتعامل مع مشكلة انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة. (اقرأ أيضاً: التعليم العالي السوري يحتاج لسنوات من الإنعاش وسوريا: الجامعات الخاصة نازحة وتصارع للبقاء).

منذ بدء الحرب عام 2011، تراجعت قيمة الليرة السورية بشكل حاد، لا سيما في أعقاب العقوبات الدولية المفروضة على الحكومة السورية والأزمة الاقتصادية في لبنان المجاور. قبل عام 2011، كان سعر صرف الدولار الأميركي حوالي 47 ليرة سورية، لكن قيمته السوقية تجاوزت اليوم 3,000 ليرة سورية، بحسب تقارير إخبارية حديثة.

يُسمح للجامعات السورية الخاصة برفع الرسوم المفروضة على الطلاب الجدد لمواجهة التضخم جزئيًا، ولكن بمجرد تسجيل الطالب، لا يعود في الإمكان زيادة الرسوم في السنوات التالية.

قالت الشاش “تخسر الجامعات أموالًا على الطلاب الأقدم، ومن مصلحتها تخريجهم بسرعة واستقبال طلاب جدد.”

بهدف تخفيف العبء على الجامعات، رفعت وزارة التعليم العالي عدد الطلاب المخصصين لكل أستاذ أو محاضر إلى حوالي 35 طالبًا، مقابل 20 طالبًا، بحسب عبد الغني ماء البارد، نائب الرئيس للعلاقات الدولية والبحث العلمي في الجامعة العربية الدولية والرئيس الأسبق لجامعة دمشق.

ارتفاع عدد الطلاب

أشارت مصادر شبه رسمية إلى أن عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات الخاصة في سوريا ارتفع بنسبة 56 في المئة في السنوات الأخيرة، من حوالي 32,000 في عام 2017 إلى حوالي 50,000 في عام 2019. لكن الجامعات الخاصة لا تزال تمثل 5 في المئة فقط من إجمالي طلاب الجامعات في سوريا. (اقرأ التقرير ذي الصلة: “الجامعات السورية تصارع من أجل البقاء بعد عقد من الحرب.”)

Syria’s Private Universities – Antioch Syrian U.
يستمر افتتاح الجامعات الخاصة خلال الحرب في سوريا، لكنها تواجه الآن تكاليف تشغيل عالية بشكل غير متوقع. أعلاه فصل دراسي في جامعة أنطاكية السورية التي تم افتتاحها مؤخرًا. (الصورة: من صفحة الفيسبوك الخاصة بالجامعة).

خلال الحرب، تم إنشاء جامعات خاصة جديدة، ووصل عددها إلى 23 مؤسسة في جميع أنحاء البلاد. قال راكان رزوق، رئيس جامعة أنطاكية السورية حديثة التأسيس، إن إدارة الجامعة تعلم أن المؤسسة لن تحقق ربحًا في سنواتها القليلة الأولى، لكنها لم تكن تتوقع تحمّل تكلفة تشغيل باهظة.

قال “تتزايد نفقاتنا بشكل كبير ويبطئ هذا من توسع الجامعة وتطويرها.” وأضاف أن من الصعب تعويض التكاليف الإضافية من خلال زيادة الرسوم على الطلاب الجدد فقط، حيث يواصل الطلاب الملتحقين سابقًا دفع ذات الرسوم التي كانوا يدفعونها عند التحاقهم بالجامعة. ويشكل هؤلاء الطلاب القدامى غالبية طلاب الجامعة.

يتمثل أكبر التحديات الأخرى التي تواجه الجامعات الخاصة والحكومية جزئيًا في سوريا في النقص الحاد في أعضاء هيئة التدريس المدربين والمختصين بسبب هجرة الآلاف من طلاب درجات الماجستير والدكتوراه إلى الخارج بسبب وضع البلاد الراهن، بحسب ماء البارد.

قال “إنها حالة عرض وطلب. هناك منافسة شرسة على اساتذة الجامعات.”

تأثيرات على الطلاب والأساتذة

قالت رشا، طالبة الهندسة المعمارية في الجامعة العربية الدولية، إن هذا النقص يحد من فرص الطلاب في اختيار المواد ويخلق المزيد من الصراع عند وضع الطلاب خطتهم الدراسية في كل فصل دراسي “عليك أن تضع اسمك على قائمة الانتظار لفصول دراسية معينة وأن تستمر في تحديث موقع الجامعة لإضافة اسمك على الفور إذا قام أحد الطلاب بالانسحاب من المادة.”

يعتقد  و. أ.، مسؤول ضمان الجودة والأستاذ في إحدى الجامعات الخاصة، والذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفًا من فقدان وظيفته، إن تزايد ضغط العمل والضغط المالي على أعضاء هيئة التدريس المتبقين يؤثر على جودة التعليم ودوافع الأساتذة لتحديث مناهجهم.

قال “عندما تعيش في ظل العقوبات والحصار، يتأثر كل شيء في قطاع التعليم، مثل السفر والمشاركة في المؤتمرات التعليمية الدولية والتبادلات الثقافية.” (اقرأ التقرير ذي الصلة:متاهة تعيق الطلاب السوريين من تحقيق أحلامهم).

“عندما تعيش في ظل العقوبات والحصار، يتأثر كل شيء في قطاع التعليم، مثل السفر والمشاركة في المؤتمرات التعليمية الدولية والتبادلات الثقافية.”

و. أ
مسؤول ضمان الجودة والأستاذ في إحدى الجامعات الخاصة

تعتبر أجور الأساتذة في الجامعات الخاصة أعلى نسبيًا من أجور الجامعات الحكومية، خاصة في كليات مثل الطب والصيدلة، لكنها لا تزال منخفضة مقارنة بالرواتب في البلدان المجاورة.

قال و. أ.، مسؤول ضمان الجودة، “العيش في ظل الحرب لمدة عشر سنوات معضلة. لا يملك الأساتذة الطاقة أو الحوافز لتقديم المزيد ويرفضون أي تحديث لبرامجهم التي عفا عليها الدهر وشرب.”

الطلاب يريدون مغادرة سوريا

يعتقد مسؤول ضمان الجودة إن التحدي الأكبر الذي واجهه تمثّل في إقناع طلابه، الذين عاش معظمهم نصف حياتهم في ظل الحرب، بأهمية إكمال تعليمهم وبناء مستقبلهم في سوريا.

قال “يدرس طلابنا بجد، لكنهم جميعًا يقولون إنهم يريدون المغادرة بمجرد تخرجهم.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

لا يعتبر عليوي، طالب الطب في جامعة القلمون، استثناءً في هذا الصدد. فبينما لم يكوّن فكرة عن وجهة واضحة في ذهنه بعد، لكنه يعلم أن سنوات إقامته الطبية لن تكون في سوريا.

مع ذلك، يمكن قلقه الأكبر في ألا تُعتمد الشهادة الجامعية التي يدرسها حاليًا عند تخرجه، حيث يتراجع الترتيب الدولي للعديد من الجامعات السورية.

قال “اليوم، جامعتنا مُعترف بها في الخارج، لكن بعد خمس سنوات، من يدري!”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى