أخبار وتقارير

مشروع خارطة سوريا الموسيقية يعيد ربط السوريين ببلدهم

اشتهرت حلب على مر العصور بإرثها الثقافي والموسيقي، حتى استحقت عن جدارة أن يطلق عليها عاصمة الموسيقى في بلاد الشام، وذلك قبل أن تتحول إلى ساحة قتال رئيسية في الحرب الأهلية المستعرة في سوريا، استُبدل الطرب فيها بالبارود والنار والدم.

في حلب اجتمعت الخيوط العديدة التي تشكل التقاليد الموسيقية السورية المتنوعة، مشبعة بتأثيرات من الهند وإيران وتركيا ومصر والشام، حيث توافد المسافرون على المدينة مرورًا بطريق الحرير، حاملين معهم أساليب وأصوات جديدة.

ترتبط الأغاني الطربية الهادئة ارتباطًا وثيقًا بتاريخ حلب، حيث يجتمع عشاق الموسيقى العربية لسماع مطربي الأغنيات والمواويل والقدود الفولكلورية والشعبية، وكأنهم يستدعون أصوات الماضي ويتواصلون مع العصر الذهبي للموسيقى.

تشتهر المدينة بأساليب أخرى أيضًا، يُستلهم بعضها من تراث المجموعات العرقية والدينية في المنطقة، والبعض الآخر من التقاليد الثقافية المشتركة لجميع السوريين، أو من مجموعة من التأثيرات التي تشكل الذخيرة الموسيقية الغنية للبلاد.

امتزجت العديد من هذه الأنماط في خارطة سوريا الموسيقية، وهي منصة جديدة على الإنترنت تأمل في الحفاظ على هذه الفسيفساء الموسيقية الحية للأجيال الحالية والمستقبلية من السوريين، ولا سيما بالنسبة لملايين المواطنين الذين نزحوا بسبب النزاع وأجبروا على بدء حياة جديدة في الخارج.

“يتمثل الهدف في مشاركة ثراء وتنوع التراث الموسيقي السوري مع جمهور واسع. من شأن وجود هذه الخريطة كمورد أن يخرج هذه الموسيقى من الأرشيف ويجعلها شيئًا حيًا يتنفس.”

بسمة الحسيني  
مديرة منظمة العمل للأمل

قالت بسمة الحسيني، مديرة منظمة العمل للأمل، التي تدير برامج التنمية الثقافية والإغاثة للمجتمعات المنكوبة والنازحة، “يتمثل الهدف في مشاركة ثراء وتنوع التراث الموسيقي السوري مع جمهور واسع. من شأن وجود هذه الخريطة كمورد أن يخرج هذه الموسيقى من الأرشيف ويجعلها شيئًا حيًا يتنفس.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: خطط جديدة لدعم الفنانين في ظل تفشي وباء فيروس كورونا).

مسعى فني لا سياسي

استغرق الأمر أكثر من عام لتجميع خارطة سوريا الموسيقية، بالتعاون بين الحسيني وفريق العمل للأمل الذين عملوا جنبًا إلى جنب مع فريق من الباحثين والموسيقيين وفناني الأداء في المشروع، الذي يدعمه صندوق الحماية الثقافية في المملكة المتحدة، الذي يديره المجلس الثقافي البريطاني.

العمل في تطور مستمر، مع خطط لإضافة المزيد من الأغاني والمقطوعات الموسيقية التي تمثل النطاق الكامل للأنماط الموسيقية في جميع أنحاء سوريا، لكن المستمعين يتابعون بالفعل العمل للعثور على مساراتهم المفضلة، والتي لا يمكن العثور على الكثير منها في أي مكان آخر على الإنترنت.

قالت الحسيني، مستشهدة بأكثر من 20 ألف زائر للموقع منذ إطلاقه في 12 آذار/ مارس، “كان الاستقبال مذهلاً، لقد تجاوز كل توقعاتنا.”

بينما تتواجد غالبية الزوار حتى الآن في سوريا، فإن عددًا كبيرًا منهم يصل إلى الخريطة من أوروبا والولايات المتحدة، محققين أمل الفريق في مساعدة السوريين على التواصل مع ثقافتهم في وقتٍ مزقت فيه الحرب بلادهم. (اقرأ التقارير ذات الصلة: نظرة على المشهد الثقافي السوري) و (لبنان: اقتراحات أكاديمية لأزمة النفايات).

قالت الحسيني “بعد كل ما حدث في سوريا على مدى السنوات العشر الماضية، أعتقد أن السوريين معرضون لخطر فقدان رؤيتهم لما هو جميل في هذا البلد،” مؤكدة أن هذا المسعى فني في الأصل ولا يمثل مشروعًا سياسيًا.

تدير منظمة العمل للأمل، وهي منظمة غير ربحية مقرها بيروت، ساعدت على تطوير منصة خارطة سوريا للموسيقى، مدرستين للموسيقى في الأردن ولبنان. تدرس الموسيقى الشعبية التقليدية من المنطقة للطلاب. (الصورة: Action for Hope).
تدير منظمة العمل للأمل، وهي منظمة غير ربحية مقرها بيروت، ساعدت على تطوير منصة خارطة سوريا للموسيقى، مدرستين للموسيقى في الأردن ولبنان. تدرس الموسيقى الشعبية التقليدية من المنطقة للطلاب. (الصورة: Action for Hope).

كانت التعليقات الأولية على موقع فيسبوك متحمسة حيث يقوم المستخدمون بالنقر فوق البلدات والمدن على الخريطة، واختيار الأغاني التي يريدون سماعها. قال أحد المستخدمين “قضيتُ يومي أستمع إلى الألحان والأغاني الجميلة على الموقع،” بينما وصف آخرون الأمر بأنه “واحدة من أجمل الأعمال الثقافية على الإنترنت التي رأوها في السنوات الأخيرة” وأنه “عمل رائع يشير إلى عظمة وبهاء سوريا.”

مدارس لتعليم الموسيقى التقليدية

حوالي ثلث الأغاني على الموقع من أداء خريجي مدارس العمل للأمل للموسيقى، التي تدرس الموسيقى الشعبية التقليدية من المنطقة للطلاب في الأردن ولبنان.

تقول فرح قدور، المعلمة ومسؤولة البرامج في مدارس العمل للأمل للموسيقى، إن العديد من طلابها ذهبوا منذ ذلك الحين للعيش في الخارج، في ألمانيا والنرويج وكندا وأماكن أخرى. وتقول أنها تمتليء بالسعادة لسماع أنهم يستطيعون الاستفادة من تراثهم أينما كانوا.

قالت “يتواجد المجتمع السوري الآن في جميع أنحاء العالم، لذلك نحاول تمثيل هذا النوع من الموسيقى وجعله في متناول الجميع. … الموسيقى مهمة للغاية بالنسبة للسوريين. إنهم يريدون الاستماع إلى هذه الموسيقى وجعلها تعيش مرة أخرى، في ذكرياتهم أو في حياتهم اليومية.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

من خلال تصفح التعليقات على موقع فيسبوك، لاحظت قدور نشوء تواصل بين اثنين من المستخدمين السوريين من خلال أغنية شعبية وجدوها على الموقع. قالت، “لقد سعدتُ بذلك، لقد وجدوا هذه الأغنية التي يحبّانها.”

تعزز لحظات كهذه نطاق الخريطة للمساعدة في استعادة الروابط بين السوريين والتقاليد الموسيقية التي تدعم التراث الثقافي لبلدهم. قالت قدور “عندما تشعر أن تراثك قد تأثر بالحروب أو بالوضع الاقتصادي والسياسي، فإنك تصبح أكثر ارتباطًا به وتشعر أنه يتعين عليك الحفاظ عليه وحفظه بأمان.”

وتضيف بأن هذا يجعل خارطة سوريا الموسيقية أداة قوية، ليس بهدف الرد على الأزمة الحالية فحسب، بل للأجيال القادمة من السوريين بعثورهم على طرق للتواصل مع بلدهم. قالت “أشعر بمسؤولية كبيرة لتطويره وجعله مرجعًا حقيقيًا للأشخاص للعثور على جميع أنواع الموسيقى التي ينتمون إليها.”

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى